حنا مينه: ماعلاقة الحب بالليلك؟
في المحاولات الأولى، ومن الممكن ملاحظة أن المواقف، في هذه القصة أو تلك، غير مشبعة على نحو كامل، وربما كان السبب عائداً إلى الغموض الذي يلف القصص، ولاسيما مادار منها حول الحب، وفي كل الأحوال فإن التفاؤل يأتي بعداً ثالثاً لهذه القصص، في أكثرها أو بعضها المشغول بشكل جيد.
وإذا أخذنا قصة «وداعاً أيها الليلك!» التي اختارها القاص عنواناً لمجموعته، نجد أن فكرتها بسيطة، تدور حول رجل وحيد، متعب في حياته التي أصبحت آلة مبرمجة، يقتلها الروتين وتعاقب الوجوه ذاتها كل يوم، رغم مافيها من تعدد أحياناً، ويجد هذا الرجل في حديقة منزله الصغير ملجأً لأفكاره، وملاذاً لراحته، فيعشق أزهار الليلك المنضرة في هذه الحديقة، خصوصاً بعد أن أقنعته حبيبته بضرورة غرسها في حديقته لتكون أزهارها أبهى وأحلى.
كان الرجل الذي يقص بضمير المتكلم، يدهش لتماوج ألوان أزهاره، وتحولها تدريجياً مع انكسارات الضوء المتساقط عليها، لذلك لاتستقر على لون واحد، لكنه كان يحبها كما يحب «سهام» التي أولع بها، إلا أن هذه الحبيبة كانت كأزهار الليلك، متقلبة المشاعر، متصلبة العواطف، لايمكن أن تستقر على حال، ففي تصرفاتها تناقض، وفي أقوالها تباين، وهي صريحة في كلامها، إلا أنها غامضة في مشاعرها نحو كل شيء من حولها، وحتى نحوه بالذات، وفي آخر مرة التقيا، أو تحادثا هاتفياً، أخبرته أنها تريد الهروب منه ومن حبه، فلا يأبه لذلك كثيراً، لأنه اعتاد منها هذه اللفتات المباغتة، معتقداً بأنها ستعود للاتصال به، وترجع المياه إلى سواقيها كما هي العادة، إلا أن مياه غدران الحب تفيض هذه المرة، ولايقع لها على أثر، فيروح يسأل ويسأل من دون أن يجد لأسئلته أجوبة شافية.
ومنذ أن انقطعت أخبار «سهام» بدأت أزهار حديقته تذبل، فقرر اقتلاعها كما قرر اقتلاع «سهام» وحبها من قلبه، ومن فكره على السواء، لذلك استبدل زهر الليلك بورود جورية، وخلال اقتلاع زهر الليلك كان يردد في ذاته: «وداعاً أيها الليلك!» ومن عجب أنه وجد بعد شهور أن الورود التي غرسها لم تنبت، لم تنم، وبدلاً منها نبتت أزهار الليلك مرة أخرى، بلونها الزاهي الجميل.
إن الرمز في هذه القصة ذو دلالة واضحة، فالقاص، من خلال الحدث، يرغب في التأكيد على أن الحب، حين ينغرس في القلب، لايقتلع بسهولة، وإذا خادع المرء نفسه في أمره، فإنه لايتعدى التوهم بأنه أفلح فيما يريد، بينما الحب باقٍ في سويداء قلبه، كما كان في البدء، وقد ضرب مثلاً على ذلك بمعاودة نمو زهر الليلك في حديقته، وهو، في هذا المثل، شبيه بحبه الذي كلما حاول التخلص منه، وجد نفسه أشد تعلقاً به.
هذه، في رأيي، مجموعة قصصية صالحة، بل جيدة إذا أردنا الدقة، في المحاولة الأولى التي أقدم عليها المؤلف بجرأة وتصميم، سيؤديان به، إذا ماواصل العمل، إلى النجاح المأمول.
تحية للحب، هذه العاطفة الإنسانية الماجدة، وتحية للّيلك، وأصدق التمنيات للكاتب على جهده في صياغة حبه الليلكي الذي باح به، فتكدست منه أغمار على الدروب، كما في أغنية فيروز لنزار قباني التي يقول فيها «لاتسألوني مااسمه حبيبي/ أخشى عليكم ضوعة الطيوب/ والله لو بحت بأي حرف/ تكدس الليلك في الدروب».
ماأجمل الليلك، وماأروع الحب، هذا المرض اللذيذ اللذيذ الذي يعد شقياً من ابتلي به، وشقياً أكثر من شفي منه بسرعة.
حنا مينه
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد