حوار الدوحة: ترقيعي يؤجل الصراع ولا ينهيه

17-05-2008

حوار الدوحة: ترقيعي يؤجل الصراع ولا ينهيه

لم تمض أربع وعشرون ساعة على «إعلان الفينيسيا»، حتى كان قادة الحوار اللبناني، يجلسون على طاولة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في فندق «الشيراتون» في الدوحة، بينما كان لبنان يمر في إحدى أهدأ لياليه السياسية بفعل غياب كل «دولته»، وهي «نعمة» لم يعكرها إلا «حرص» بعض المشاركين في حوار الدوحة، أن يطلوا تلفزيونيا على اللبنانيين، الذين كان لسان حال غالبيتهم الساحقة «اذا ما اتفقتو ما ترجعو» وهي العبارة التي رفعها ناشطون من بعض الهيئات الأهلية اللبنانية أثناء «توديعهم» فرقاء الحوار في مطار بيروت الدولي بطريقتهم الخاصة.
وحسنا فعل القطريون، بأن خففوا وتخففوا من الأعباء البروتوكولية. من «الفينيسيا» الى المطار ومن المطار الى طاولة الحوار. كل شيء كان جاهزا. حتى اللافتة التي تشير الى «الحوار الوطني اللبناني» وكل ما يتصل بعمل الاعلاميين، حتى بدا أن ما يجري انما كان محسوبا من الجميع أو أن الجميع يتصرف معه على قاعدة «رب ضارة نافعة» أو «اشتدي أزمة تنفرجي».
وبينما كان الجميع يترقب خطابا مطولا لأمير قطر، فاجأ الحاضرين جميعا في جعل جلسة افتتاح المؤتمر، عبارة عن ثلاث دقائق، معظمها كانت لخطابه وهو عبارة عن 121 كلمة، استغرقت تلاوتها أقل من 100 ثانية، وتميزت بمضمون متواضع، على صورة المؤتمر الذي حظي، أمس، وللمرة الأولى بمباركة أميركية، بالإضافة الى إشادة سعودية بانعقاده، فضلا عن استمرار ردود الفعل العربية والدولية التي رأت فيه خطوة إيجابية باتجاه التسوية اللبنانية، بعدما تبين للجميع أن الهدنة، وعلى الرغم من كل محاولات صيانتها، فإنها تبقى قابلة دوما للتصدع وربما الانهيار.
وإذا كانـت كل مظاهــر ما جرى مؤخـرا قد انتهت بعـودة الحكـومة عـن قراريها ومن ثم بإنــهاء كل مظاهر اعتراض المعترضين، فإن الجميع في الداخـل والخارج، كان يتـصرف على أسـاس أن مـوازين قـوى سـياسية جديدة قد نشـأت وأصبحت أمرا واقعا، ولم يعد من المفيد لأحد أن يتجاوزها أو يتجاهلها.
ولعل الايجابية الأبرز لما حصل، أن الحوار اللبناني الذي تعطل منذ جلسات التشاور التي عقدت قبل سنة ونصف تقريبا في مجلس النواب، قد أعيد الاعتبار إليه، ووفق جدول أعمال، يأخذ بعين الاعتبار، آخر المناقشات التي تم تداولها في الاجتماع الرباعي الأخير في مجلس النواب في نهاية شباط الماضي بين المعارضة والموالاة برعاية الأمانة العامة للجامعة العربية، حيث أمكن التوصل الى تحديد نقاط الخلاف والاتفاق التي سيحاول المتحاورون اليوم، الغوص فيها، ليس على الطاولة بل في الكواليس الجانبية وبرعاية الحاضرين وخاصة «الدول».
وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«السفير» ان النقطة الأولى المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية محسومة لمصلحة العماد ميشال سليمان، أما مسألتا الحكومة والقانون الانتخابي، فهما اللتان ستستحوذان على الحيز
الأكبر من المناقشات، من دون تكبير بند إطلاق الحوار حول علاقة الدولة مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية وكذلك تعهد جميع الأطراف بعدم اللجوء الى العنف واستخدام السلاح في الداخل «لأن هذه النقطة لن تأخذ أكثر مما تستحق طالما تم تثبيتها في الاتفاق العربي».
وفي موضوع الحكومة، فإن البحث سيتناول النسب، على أن يتم ترك مسألة التأليف لمرحلة لاحقة في بيروت وبإشراف اللجنة الوزارية العربية، فإذا تم اعتماد قاعدة الأثلاث، يمكن تجاوز الموضوع الحكومي سريعا، حيث برزت إشارات ايجابية من جهات عدة في الرابع عشر من آذار باتجاه، البت سريعا في هذه النقطة.
ولا يعني موضوع الأثلاث أن تتألف الحكومة حصرا من ثلاثين وزيرا (10+10+10) بل يمكن أن تتألف من 18 وزيرا (6 للموالاة و6 للمعارضة و6 لرئيس الجمهورية) الخ...
أما موضوع القانون الانتخابي، فإنه سيكون على الأرجح عقدة العقد، خاصة أن الصيغة الأخيرة التي كان طرحها العماد عون باسم المعارضة (في الاجتماع العربي)، كانت تقضي باعتماد واضح وصريح لتقسيمات قانون الستين من دون أية زيادة أو نقصان، لكن الموالاة تحفظت وأصرت على أن تعتمد وقتها صيغة، تأخذ بروحية قانون الستين ولا تتقيد بها.
وبرز تطور لافت للانتباه، من جانب فريق الموالاة، قبيل المغادرة الى قطر، وتمثل في النقاش الجدي لصيغة القضاء دائرة انتخابية استنادا للمشروع الذي كان قد وضعه وزير الداخلية السابق سليمان فرنجية في حكومة الرئيس عمر كرامي في شباط .2005
وفيما قالت مصادر قطرية ان المؤتمر مفتوح ولا موعد محدد لانتهاء أعماله، قالت مصادر دبلوماسية عربية ان هناك توجها لإنهاء أعمال المؤتمر خلال 48 ساعة، الا اذا برزت عوائق تحول دون التوصل الى اتفاق.
وافتتح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المؤتمر بكلمة مقتضبة أكد فيها أن «قطر بلد يعرف حدوده وهو لا يسعى إلى دور يفوق طاقته لكن يطمح أن يكون ساحة لقاء للنوايا الحسنة التي تفتح الأبواب لحوار مفيد». وخاطب المجتمعين بالقول «أمامكم عمل كبير وشاق وسوف نتابع مداولاتكم».
وأضاف «تأمل شعوب الأمة كما آمل معها أن تكونوا قادرين بإذن الله على تجنب مزالق خطرة في أوقات خطرة تهدد وطنا يستحق منا أن نحافظ عليه ونصونه». قبل أن ترفع الجلسة، على أن يلتئم الحوار مجددا عند العاشرة والنصف من صباح اليوم بتوقيت الدوحة، حسبما أعلن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.
وأوضح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى «لقد لمسنا رغبة من المفاوضين في التوصل إلى اتفاق»، مطمئناً بأن الأجواء تبشر بنجاح المحادثات، لكنه رفض تحديد موعد زمني للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة.
يذكر أن الغائب الوحيد من قادة الحوار هو الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، حيث تقرر أن يمثله وفد من الحزب برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
وكان أقطاب المعارضة والموالاة وصلوا إلى مطار الدوحة على متن طائرة تابعة للخطوط القطرية باستثناء الحريري والسنيورة وعدد من الوزراء الذين وصلوا على متن طائرة خاصة، بينما سبقت الجميع بفاصل زمني قصير طائرة قطرية أقلت الاعلاميين وعددا من السياسيين.
وقال جنبلاط قبل توجهه إلى الدوحة ان لا تناقض بين مشروع الدولة القوية ومشروع المقاومة، داعيا الى معالجة الأمور بهدوء وترو على طاولة الحوار. وقال «المطلوب أن يقدم كل منا تنازلات من اجل وأد الفتنة والاستمرار في مسيرة العيش المشترك»، مشيراً إلى «أننا ذاهبون إلى الحوار والجرح السياسي كبير»، فيما قال السنيورة قبل مغادرته بيروت «ذاهبون إلى الدوحة للحوار وكلنا أمل بتوفيق من الله بأننا سنتمكن من التوصل إلى تسوية». وأضاف «إننا نذهب إلى الدوحة لكي نعود باتفاق يسمح لنا كلبنانيين بأن نتطلع إلى الأمام مستفيدين من عبر الماضي وتجاربه المريرة».
على صعيد المواقف الدولية والإقليمية، رحبت السعودية على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل بجهود اللجنة الوزارية العربية، مؤكدة دعمهما للحل الذي تم التوصل إليه، لكن الفيصل أشار إلى أنّ الرياض كانت تفضل لو أن صيغة الاتفاق كانت أكثر وضوحا في مسألة ضرورة عدم استخدام السلاح لتحقيق أغراض سياسية في الداخل.
وشدد الفيصل على الالتزام باتفاق الطائف و«بالأسس الدستورية وعناصر الحل التوافقي الشامل للمبادرة العربية، التي تنص على البدء بالانتخاب الفوري للرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والشروع في مراجعة قانون الانتخاب».
وأجرى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أمس، اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء وزير خارجية قطر قبل ساعات من بدء اجتماعات الدوحة. وذكرت الوكالة السورية للأنباء «سانا» أن المعلم «عبر خلاله عن دعم سوريا وتقديرها للجهود التي بذلها واللجنة الوزارية العربية بغية التوصل الى اتفاق بين الأطراف اللبنانية معرباً عن أمله في أن يتوصل الحوار بين اللبنانيين في الدوحة الى توافق حول تنفيذ المبادرة العربية».
أضافت الوكالة أن المعلم تلقى اتصالاً من عمرو موسى «جرى خلاله تقييم الجهود التي بذلتها اللجنة الوزارية العربية مع الأطراف اللبنانية والتي توجت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في بيروت».
كما أعربت الولايات المتحدة عن دعمها للمؤتمر مؤكدة أنها «لن تتدخل» في المفاوضات. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية «نحن سعداء لحصول حوار ولتوقف المعارك في الشوارع»، معتبرا أن مؤتمر الدوحة «يقدم أملا للخروج من المأزق».
ونقلت وكالة «كونا» الكويتية عن مسؤول أميركي رفيع المستوى تشديده على «أهمية نزع سلاح «حزب الله» عبر مسار سياسي لبناني وتأكيده أن لا قرارات في مجلس الأمن الدولي حول لبنان لأن التركيز حاليا هو على اجتماعات الدوحة»، آملا بكسر الجمود السياسي الذي اتخذ أسوأ أشكاله في المرحلة الأخيرة.
وفي موسكو، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان رسمي لها، ان «موسكو ترحب بهذه النتائج المهمة والضرورية. نعتقد أنها تفتح الطريق امام تغيير الوضع، ومنعه من ان ينزلق الى الفوضى والمواجهة، واستئناف البحث عن تسوية ثابتة للأزمة السياسية الداخلية في لبنان».
وفي باريس، قال مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في الخارجية الفرنسية قوله «انه كان بوسع حزب الله أن يستولي على السلطة لو أراد، لكنه لم يشأ ذلك ولو أراد السيطرة على جميع المؤسسات السياسية، لفعل. لذا فإن ما قام به لا يعد انقلابا بالمعنى الحرفي، بل تغيير بالقوة، مارس خلاله ضغوطا كبيرة على الحكومة والأكثرية. وهو لم يشأ استخدام ميزة تفوقه الإستراتيجي، بل ذهب بعيدا جدا في عملية ضبط النفس».
أما الجيش، تابع المصدر الفرنسي الرفيع، فلو تدخل كما كان يدعو إلى ذلك البعض في الأكثرية وحاول أن يمنع حزب الله من تحقيق أهدافه لتدهورت الأوضاع بشكل أخطر. وبديهي أيضا كما قال المصدر الفرنسي، أن يبحث الخطاب العام عن إحداث توازن بين ضرورة دعم الحكومة التي تجسد الشرعية والحاجة الملحة للتوصل إلى حل سياسي وبهذا المعنى، فإن فرنسا تقيم إيجابيا، إدارة الجيش وقائده العماد ميشال سليمان للأزمة. لأنه لو وقعت المواجهة، ما كانت آفاق الحل السياسي، لتنفتح كما هي الحال اليوم.
ورأى المصدر الفرنسي أن الوساطة العربية هي التي ستحدد المعايير التي ستقوم عليها الحكومة المقبلة للذهاب إلى انتخابات نيابية سريعة «للحصول على بناء سياسي في لبنان يعكس توازن القوى الجديد في البلاد».

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...