خلافات حول تظاهرة «الجزائر عاصمة ثقافية»

14-03-2007

خلافات حول تظاهرة «الجزائر عاصمة ثقافية»

نشاطات الجزائر «عاصمة للثقافة العربية» متواصلة وكل أسبوع يحل على الجزائر العاصمة ضيوف من مختلف بلدان العالم العربي، شعراء وصحافيين ونقاداً وسياحاً أيضاً، ومعظمهم يحضر للمرة الأولى، بدافع الفضول والتعرف أيضاً الى الساحة الثقافية في هذا البلد. الملتقيات تقام من دون تنظيم حقيقي، ولهذا لا يتم التقيد بالبرامج المعتمدة تماماً. النشاطات تقام بمعظمها في قصر الثقافة بالقرب من مقر وزارة الثقافة، وهو مكان مرتفع جداً، ويقع على هضبة العناصر، والوصول اليه صعب، أو يكاد يكون مستحيلاً لمن لا يملك وسيلة نقل خاصة. ولا توجد حافلات نقل مخصصة لمن يريد حضور النشاطات. وعطفاً على ذلك فالحفلات الموسيقية أو الراقصة أو الشعرية تقام في المساء تقريباً، والجزائر منذ فترة العشرية السوداء القبيحة الذكر تنام باكراً، ولا تأبه لما يسمى حياة الليل. وهكذا يحضر النشاطات الأشخاص الرسميون في شكل خاص، وهم الذين يظهرون على شاشة التلفزيون «اليتيمة» كما تسمى في بلدنا ليمدحوا ما قاموا به في اطار هذه العاصمة. وفي الصباح تعلق الجرائد اليومية على خلاف ما يذاع أو يشاهد في هذه القناة أو الاذاعة، فالصحافة بالمرصاد لكل الأخطاء وهي تعرض كل يوم تقريباً تذمّر الكتاب ونقائص النشاطات وغير ذلك، وتبحث عن الاخطاء الفادحة وغير الفادحة لتشهّر بها، والسبب أن وزيرة الثقافة خليدة تومي خسرت معركتها الأولى منذ البداية عندما عبرت عن تذمرها من عمل الصحافيين الذين لا يقيّمون جهدها الكبير من أجل إنجاح هذه التظاهرة. بل ذهبت الى حد وصفهم بالارهابيين الذين لا يعرفون البناء بل التدمير فقط، وزاد ذلك كله من الطين بلة كما يقال.

لكنّ من يتابع هذه الدينامية الغريبة، المتعددة الوجوه، سلباً وإيجاباً، يدرك أن هذه التظاهرة لن يكتب لها التوفيق، لأن البداية كانت خاطئة، إذ أقصيت الوجوه الثقافية النشطة في البلاد، ولم يتم اشراكهم في المشاريع والمقترحات. وقد أنشئت لجان من اداريين بيروقراطيين، ومن عناصر محسوبة على الجناح الفرنكوفوني، منهم لا يحسنون حتى التكلم بالعربية، (تصوروا رئيس لجنة الكتاب يعيش منذ فترة، في فرنسا استاذاً في احدى ثانوياتها ولا يعرف أي اسم كاتب عربي من هذا العصر، وليس لهم أي صلة بالثقافة العربية ويجهلون عنها كل شيء، وهناك بعض المعربين في المعنى السياسي وليس الثقافي، أي الذين يمثلون رمزياً ثقافة كلاسيكية عتيقة لا تدرك هي الأخرى أي شيء في هذا العصر أيضاً. كل هذا الخليط ركب ربما موجة تغري بأشياء أخرى ليس لها علاقة بالثقافة والمثقفين، بل بالمبلغ الكبير الذي خصص للتظاهرة والذي يبدو أنه أثار تجار أو سماسرة الثقافة في بلادنا.

بعد ثلاثة أشهر تقريباً من انطلاق التظاهرة، تكاد تكون الحصيلة صفراً. الكتب الكثيرة التي وعدت الوزارة بإنجازها منذ بداية التظاهرة لم ينجز منها إلا جزء يسير، ولم تظهر الكتب بعد في السوق، كما لو أن الناشرين طبعوا فقط الكمية التي ستقتنيها الوزارة وهي 1500 نسخة، والبقية تنتظر أن تبصر النور. أما المسرح والسينما فحدث ولا حرج، بدأت تعرض مسرحيات دون المستوى كانت «مركونة» على الهامش سنوات ووجدت فجأة دعماً تحت هذا «الشعار». وكل شيء صار يعرض أو يتمظهر في اطار نشاطات العاصمة الثقافية العربية، فيما هو ليس إلا نشاطات عادية ومحلية جداً.

أما الطامة الكبرى فهي الصراعات التي ظهرت فجأة بين أجهزة حكومية مثل المكتبة الوطنية التي يديرها الروائي أمين الزاوي والوزارة، فقد قام مدير المكتبة بتقديم برنامج «ليالي الشعر» الذي يستضيف فيه كل شهر شعراء من بلدين عربيين، الأمر الذي أثار الوزيرة فقامت بالتسريع بمهرجان الشعر العربي وعنوانه «عكاظية الشعر العربي» وحدثت فيه مناوشات بين الجناحين المنقسمين في اتحاد الكتاب الجزائريين، فدعا جناح عزالدين ميهوبي وغرمول الى المقاطعة، وانضم الى «ليالي الشعر» التي يقدمها أمين الزاوي. لكن الوزيرة لم تتوقف عند هذا الحد، بل أقدمت على سحب مجلة «الثقافة» من المكتبة الوطنية، وحذفت منها ما يقارب مئة صفحة ومنها افتتاحية أمين الزاوي نفسه، لتبدأ حرب صامتة بين الطرفين. والمعركة ما زالت مفتوحة، ويبدو أن الحلقة التي صارت ضعيفة الآن هي حلقة الوزيرة، فبعد استقالة رئيس لجنة الحكماء كمال بوشامة أخيراً من رئاسة هذه التظاهرة، وهي الاستقالة الثانية بعد الأولى للمين بشيشي الذي ترأس اللجنة في بدايتها، بحجة أن الوزيرة لم تترك له أي هامش للتحرك، وأن هناك أشياء مشبوهة تحدث، وقد يكون هذا بمثابة الضربة القاضية للوزيرة، وهو ما لا يتمناه أحد للتظاهرة طبعاً.

بشير مفتي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...