دعم معنوي لفراس دهني
الجمل - خطيب بدلة: قبل حوالي ثلاثة أشهر من الآن صدر قرار بتعيين المخرج فراس دهني مديراً لمديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وهي، أي مديرية الإنتاج، شبه معطلة، والإنتاج متوقف فيها منذ زمن طويل، اللهم إلا من إنتاج بعض الأعمال التي تتراوح سويتها بين المتوسط والضعيف،.. وأنا لا آتي بشيء من عندي، فكل مَنْ تلتقيه في كوريدورات مديرية الإنتاج يحدثُك عن أعمال تلفزيونية تم إنتاجُها، وكلفت أكثر من بقرة جحا، ثم رفضت (الهيئةُ) نفسها عرضَها، بسبب ضعفها الفني!
خلال السنوات الماضية- ولعل هذا واحد من أهم الأسباب التي أوصلت مديرية الإنتاج إلى هذه الحال البائسة- تغير أكثر من مدير عام، وأكثر من مدير إنتاج، وأكثر من رئيس لدائرة النصوص، وأكثر من رئيس لدائرة المخرجين، وكل واحد من هؤلاء كان ينوي أن يشتغل فعلاً، أو يصرح بأنه يريد أن يشتغل، أو (يزعم) بأنه يريد أن يشتغل،.. وبعد حين يعود الوضع إلى التثاؤب والخمول، والميزانية المخصصة للإنتاج التلفزيوني إما أن تُعادَ إلى وزارة المالية، أو تحول، بطريقة المناقلة، لصالح إنتاج البرامج المنوعة.
ينقسم المخرجون المعينون على ملاك الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلى قسمين، قسم يعملون لدى الهيئة فقط، لأن القطاع الخاص لا يعطيهم فرصاً للعمل، والقسم الآخر يعملون مع القطاع الخاص إضافة إلى عملهم لدى الهيئة.
أوردتُ هذه المعلومة لأقول إن فراس دهني، بتسلمه مديرية الإنتاج، يقوم بعملية خاسرة مادياً على مستوى مصلحته الشخصية، فهو لن يكون لديه وقت للعمل لدى القطاع الخاص بعد الآن، وهذا يعني أن نجاحه في (إنقاذ) مديرية الإنتاج من الوضع المتردي الذي بلغته قبل وصوله إليها أمر حتمي، و(إجباري)، فإذا أخفق، يكون قد خسر شخصياً، وجعل المديرية تخسر، أو تركها تستمر في خسارتها، ووضع في سجله إخفاقاً هو غني عنه.. وهذا أمر، إذا حصل، غير معقول.
نظرياً: إن نجاح فراس دهني، أو غيره، في إدارة مديرية الإنتاج على نحو فعال ومثمر يتطلب تحقُّق عدة اعتبارات، أولها، بلا شك، نظافة اليد، فمدير الإنتاج غير النظيف يستحيل أن يفكر بإنتاج مسلسل ما، سواء أكان مهماً أو عادياً، إذا لم تحقق له هذه العملية الإنتاجية أكبرَ قدر ممكن من المكاسب الشخصية، الشرعية منها وغير الشرعية. وثانيها، وجود مفاصل إنتاجية (تحتية) قوية ومرنة ونظيفة، (أعني دائرة النصوص، ودائرة شؤون الإنتاج، ودائرة المخرجين، والمكتب الإداري)، ومفاصل إنتاجية (فوقية) متعاونة معه وداعمة له، وهم مديرة التلفزيون، والمدير العام، ومعاونه، ومدير الإدارة المالية، ومدير الدائرة التجارية.. وحتى الوزير لا بد أن يكون متعاوناً معه، مزوداً إياه بالصلاحيات اللازمة. وثالث هذه الاعتبارات، شخصيتُه القوية، ومقدرته على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
في أول لقاء مع الأستاذ فراس دهني في مكتبه، قبل شهر ونصف من الآن، جرى حديث بيننا في هذه الأمور كلها تقريباً، وكانت الفكرة الأهم التي طرحها أن استئناف الإنتاج ضمن الوضع الراهن سوف يعطينا إنتاجاً شبيهاً بالوضع السابق، وأنه لا بد- بدايةً- من ترتيب البيت الداخلي، والتزود بنصوص ممتازة للإقلاع بالعملية الإنتاجية الجديدة.
ولم يتردد في الإقرار بأنه يحتاج إلى (دعم معنوي) من جميع الناس الذي يهمهم عودة الروح إلى هذه المديرية التي لا يختلف إثنان على أن أمر نجاحها يُعتبر مهمة وطنية.
ولئلا يدخل حديثنا عن (المهمة الوطنية) ضمن سياق الخطابات الإنشائية، والمزاودات غير البريئة، فإنني سأركز على أمرين:
الأول: لا بد من تذكير الذين تابعوا (ويتابعون) مسيرة الدراما السورية الباهرة التي نشهدها اليوم، بأن اللبنات الأولى للعملية الإنتاجية الدرامية في سورية انطلقت من مديرية الإنتاج التي نحن بصدد الحديث عنها، وبأن أصحاب الخبرات في الإخراج والتمثيل والمونتاج والصوت والإضاءة والمكياج والديكور والموسيقا، كلهم، على لَمّ الفراش، أخذوا خبراتهم منها، وفي حين تطور الإنتاج الخاص السوري حتى غزا المحطات العربية كلها، فإن الإنتاج التلفزيوني العام تقهقر، للأسف، وتراجع، حتى وصل إلى الحضيض.
الثاني: هو أن لي، أنا شخصياً، رغم اهتمامي الأكيد بالمصلحة العامة، مصلحةً شخصية (مشروعة) في أن يسير الإنتاج التلفزيوني للقطاع العام بخطا متوازنة، وأن يكون بريئاً مبرَّأً من الفساد والهدر والمحسوبيات، فأنا واحد من الذين يكتبون لهذه الهيئة منذ سنة 1993، ومن هنا يمكننا استخراج مقولة على قدر كبير من الأهمية، وهي أن تحقق المصلحة العامة يعود بالخير على الجميع، وأما الفساد فيحقق مصلحة قلة من الناس، ويضرب مصالح الآخرين.
خلاصة القول: إنني متضامن مع المخرج فراس دهني، في لحظة الإقلاع التي ستشهدها مديرية الإنتاج التلفزيوني بإدارته، وأكاد أراهن على أنه سينجح في عمله، سيما إذا تضامن معه معظم الناس الذين يعتقدون بأن تحقق المصلحة العامة يحقق مصالحهم الشخصية المشروعة أيضاً.
(تحذير لا بد منه: يستمر مفعول هذا التضامن والدعم ما دامت الاعتبارات الإيجابية النظيفة متوفرة لدى الأستاذ فراس دهني).
إضافة تعليق جديد