"رقصة فالس مع بشير" يروي ذكريات جنود شاركوا باجتياح لبنان 82
لأول مرة في فيلم إسرائيلي، قارن فيلم "رقصة فالس مع بشير" مذبحة "صبرا وشاتيلا" التي أودت بحياة مقتل مئات الفلسطينيين في مخيم للاجئين بلبنان خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، مع المحرقة النازية التي تعرض لها اليهود من قبل النازيين.
ويجسد الشريط الوثائقي، الذي يأتي بأشكال رسوم متحركة، محاولات المخرج آري فولمان تجميع ذكرياته عن المذبحة، والتي شارك فيها المخرج نفسه، حينما كان جنديًّا في حرب لبنان عام 1982.
ويعود فولمان في "رقصة فالس مع بشير"، والذي عُرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الخميس 15-5-2008، برحلة بحث موجعة في ذكرياته عن المجازر التي شهدها في المخيم الفلسطيني، عقب اغتيال الرئيس اللبناني حينها بشير الجميّل.
يبدأ الفيلم، الذي يمتد 90 دقيقة، حين يوقظ أحد أصدقاء المخرج، ممن خدموا معه في حرب لبنان، من النوم ليقص عليه كابوسه المستمر. ويروي له أنه يشاهد كل مرة نفس الحلم حيث تتعقبه كلاب تنبح وعددها دائما 26. ويكتشف المشاهد لاحقا أن هذه الكلاب هي العدد نفسه من الكلاب التي قتلها الجندي على مداخل قرى لبنانية، لأن الكلاب كانت أول من يتنبه لتسلل الجنود، وتبدأ بالنباح فتلفت الانتباه إليهم. لكن الجندي المخرج ككثير غيره بدا غير قادر على تذكر تلك المرحلة والأعمال التي قام بها، فيقرر أن يلتقي رفاق السلاح السابقين ليطرح عليهم أسئلة حول تلك الفترة.
ويسافر المخرج لملاقاة أصدقائه في أنحاء الأرض، وكلما توغل في الحديث إليهم وبحث في ذاكرتهم عادت صور بيروت وصور ما حدث لتطفو على السطح. ويكتشف المشاهد أن ذلك الجندي شارك في إطلاق القذائف المضيئة فوق مخيمي صبرا وشاتيلا ليسهل العمل للميليشيات المسيحية التي كانت مهمتها "تنظيف المخيم" كما يرد في الفيلم.
والفيلم، كما الحرب، يصعب تصويره مباشرة ومرة واحدة، لهذا اختار أسلوب رسوم سريالية تحاكي الواقع وتعيد نسجه بأدق تفاصيله من سكن الضباط الإسرائيليين خلال الاحتلال لفيلات اللبنانيين الفخمة إلى حب اللبنانيين لسيارات المرسيدس التي كان الجنود يعمدون باستمرار إلى إطلاق النار عليها.
وتصبح الحكاية وسيلة للشفاء من بيروت وذكرياتها المدمرة عام 1982، بعد أن كان آري الجندي الشاب دخل إلى لبنان كسائر زملائه كمن يذهب فعلا في نزهة. لكن سرعان ما يظهر العكس، إذ يتعرض الضابط الذي في دبابة الجندي الشاب للموت بطلقات المقاومة، فيصطدم الجندي بواقع يحكم القبضة عليه ويغرقه في عبثية الحرب.
لكن إذا كان النسيان ضروريا حتى تستمر الحياة بعد المجزرة، فالتذكر ضروري ولو بعد مضي 26 عاما على مجازر صبرا وشاتيلا. ويقول المخرج "صنعت هذا الفيلم لأولادي كي يحاولوا حين يكبرون عدم المشاركة في أي حرب".
إنه التاريخ الشخصي لهذا الجندي يلاحقه في بيروت؛ حيث رقص مع الموت أمام صورة عملاقة لبشير الجميل، وحيث كان عليه دائما هو ورفاقه إطلاق النار على أي كان، وفي كل الاتجاهات. ويضيف المخرج "أعتقد أن آلاف الجنود الإسرائيليين خبئوا ذكرياتهم حول حرب لبنان في أعماقهم السحيقة. ولكن ذلك قد ينفجر في يوم ما محدثا أضرارا لا أعرف حجمها".
شخصيات الفيلم حقيقية وفقط اثنان من أصل 9 رفضوا الإدلاء بأسمائهم الحقيقية في الفيلم الذي استغرق صنعه أربع سنوات كانت باعتراف المخرج صعبة، وأوشك خلالها على الإصابة بانهيار عصبي لولا الحماسة لإنجاز الفيلم.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد