رموز سورية واستقلالها في (كم لنا)

24-12-2008

رموز سورية واستقلالها في (كم لنا)

تهدينا المخرجة هالا محمد كل فترة فيلماً تلفزيونياً ضمن سلسلة أدب المقاومة التي تعرض على قناة الجزيرة وآخرها فيلم (كم لنا) الذي عرض منذ أيام وتناول سيرة حياة رجالات الثورات السورية على المستعمر الفرنسي في عقد العشرينيات من القرن المنقضي وقد دفعت هالا محمد في الرؤية الفنية التي اختارتها لعرض حيوات وإنجازات هؤلاء الأبطال حيث ابتعدت عن المباشرة المنفرة والجامدة والمملة التي تتسربل بها عادة البرامج والأفلام التي دأب التلفزيون العربي السوري على تقديمها كل عام واعتمدت أسلوب عرض مشوق مشوب بالشعر والموسيقا وأغاني تراث المناطق التي عاش فيها هؤلاء الرجال كما كان الانتقال من شخصية إلى أخرى سلساً وبأسلوب لا يخلو إطلاقاً من البراعة والرؤية الجديدة
 وقد انتقلت المخرجة هالا محمد بالكاميرا إلى الأماكن والبيوت التي عاش وتربى بها رجال لا تكاد تغيب الشمس عن ذكراهم وكانت الشهادات بلسان أقرب الناس علاوة على شهادات أدباء دارسين لحياتهم وأعتقد أن عديد المشاهدين العرب ليس فقط السوريون عرفوا أشياء جديدة من هؤلاء الرجال الذين كانوا أول من حمل مشعل الحرية في بلاد الشام وأول من حمل روحه على كتفه ليهديها ليس فقط لسورية كوطن بل لفكرة سامية وخالدة وهي فكرة (الحرية) وكانت بداية القيم من رجل امتلك وعياً سياسياً مبكراً، وهو عز الدين القسام الذي ولد وعاش شطر حياته الأول في بلدة جبلة وساهم في انطلاق الكفاح ضد المستعمر الفرنسي وعندما شعر أن مكانه الحقيقي هو في فلسطين لم يتأخر فقد رأى- ورؤيته حق- أن المؤامرة الكبرى إنما تدور رحاها هناك فكان أن أشعل جذوة نضال لم ينته حتى اليوم وكادت ثورة 1936 تقصم ظهر المشروع الصهيوني لولا استشهاده وقد كانت شهادات أحفاده خير دليل على توقد وعي هذا الرجل ثم شاهدنا ابنة البطل الشيخ صالح العلي تتحدث عن والدها بلغة رصينة واثقة قربت صورة والدها للمشاهدين العرب بشكل يعجز عنه الكثيرون وأوضحت أهميته في فترة تاريخية مفصلية واستثنائية ثم انتقلت هالا محمد بكاميراتها إلى مدينة حلب حيث حوكم قائد ثورة الشمال البطل إبراهيم هنانو الذي تحدى الفرنسيين في ميادين القتال وغلبهم وتحداهم في محاكمهم وغلبهم أيضاً وقد يكون فيلم (كم لنا) أول نتاج تلفزيوني يكشف الدور الذي لعبه سعد الله الجابري في إجبار السلطات الفرنسية المحتلة آنذاك على تبرئة هنانو باعتباره بطلاً وطنياً دافع عن بلاده مقاوماً قوة محتلة وغاشمة ثم طارت كاميرا هالا محمد إلى مدينة النواعير (حماة) التي أهدت حركة النضال العربي عدداً من الرجال الخالدين الذين اختاروا النضال سبيلاً وهدفاً ليس فقط دفاعاً عن سورية بحدودها الحالية بل عن فلسطين التي كانت تتعرض آنذاك لهجمات قطعان الوافدين من وراء البحار ومنهم البطل سعيد العاص الذي استشهد على ثراها الطاهر.
وختام الفيلم كان بالبطل سلطان باشا الأطرش مفجر وقائد الثورة السورية الكبرى وقد كشف (كم لنا) جوانب جديدة من حياة هذا الرجل الذي كان كبيراً بنضاله وإنسانيته حيث رفض أن تقطع المياه عن القلعة التي تحصن بها الجنود الفرنسيون لأن هذا الأمر كما رأى ليس دليل شجاعة وإقدام.
ورغم أهمية ما قدمته هالا محمد إلا أن الفيلم أغفل العديد من أبطال الثورات التي اشتعلت في تلك الفترة في دير الزور والجولان وربما أن مدة الفيلم لا تسمح بالمرور على كل هؤلاء إلا أننا نتوقع ونتمنى أن يكون لفيلم (كم لنا) تتمة أو (جزء ثان) يضيء على حياة أبطال كانوا يدركون قبل ظهور التلفزيون والإنترنت أن المؤامرة كبرى وأنها ستتالى فصولاً وقد أدوا دورهم ونحن نحاول أن نؤدي دورنا.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...