سجل مدني لميدان التحرير
الآن، في ميدان التحرير يمكنك استخراج شهادة وفاة أو شهادة ميلاد أو بطاقة شخصية أو تغيير محل إقامة أو تغيير مهنة في أقل من ثانية ودون حاجة لأوراق أو أجهزة كمبيوتر أو طوابير انتظار أو ايصال كهرباء، أو شهادة من اثنين من الموظفين الرسميين ودون ضامن أو شهادات فقد أو محاضر في أقسام الشرطة ودون سداد أي رسوم ودون استخراج أي شهادات من دار المحفوظات ودون أية صور فوتوغرافية، الشرط الوحيد المطلوب هو أن تتواجد في ميدان التحرير بنفسك إن كنت قادراً، أو تتواجد بقلبك أو بعقلك إن كنت غير قادر، ففي ميدان التحرير في هذه اللحظة بالذات يقوم رواد الميدان الذين وفدوا إليه يوم 25 يناير 2011 بإنشاء وتشغيل أكبر مركز سجل مدني في مصر هو سجل مدني ميدان التحرير. القائمون عليه أنت تعرفهم كانوا موجودين دائماً بيننا، وُلدوا أثناء اكتئابنا اليومي الطويل خلال الثلاثين عاماً الماضية، في زمن اصطلح على أنه ليس زمن ثورات، زمن بزنس ونهاية التاريخ، زمن نصب وشطارة وتجارة، زمن بيع وشراء. رواد الميدان هؤلاء شباب في العشرين، خريجو جامعات ومدارس ومعاهد متوسطة قدموا دعوة مفتوحة للشعب للحضور إلى الميدان يوم 25 يناير لتحرير شهادة وفاة للسلطة العربية الشائخة التي وُلدت منذ ما يزيد عن 50 عاماً في بعض الأحوال وإلى ما يقارب الـ100 عام في أحوال أخرى، وربما تلك التي ولدت منذ قرون عديدة، يومها كان يمكنك أن تسمع صوت القاء القنابل المســيلة للدموع بكثافة وصوت اطلاق الرصاص المطاطي والرصاص الحي، وأصوات صراخ وهتاف جماعي.
كان يمكنك فتح النافذة في الشوارع القريبة فتستنشق رائحة الغاز على الفور، وأن ترى بعضهم يحملون مصابين ويحاولون البحث عن نجدة، أو يحاولون مع الهواتف المحمولة التي لا تستجيب بسبب التشويش عليها. كان يمكنك رؤية شبان وفتيات تدور أعمارهم حول العشرين وشعاراتهم بسيطة وجذرية وبلا حسابات.. شعارات تحذف الترهل و«الرطرطة». كان يمكنك أن ترى البعض من محترفي العمل السياسي يرون أن هؤلاء الشبان مجانين، كيف يصرون على المبيت في الميدان دون تخطيط مسبق ودون ترتيب لمسألة الإعاشة، وتحديد مطالب وأن ترى أن هذا هو جوهر ما خرج عليه هؤلاء الشبان: العمل المؤسسي الذي يقصف الروح ويدجنها على انتظار عبثي، وترى المراهنين على تطابق القول والفعل، على الحلم بشهادة ميلاد للجميع حتى لمن يختلفون معهم. هنا والآن ودون أي سجلات يقومون بتحرير شهادة ميلاد لزمن مصري وعربي وعالمي جديد، فقط في الميدان بقلبك أو بعقلك أو بنفسك، أو بكل ذلك يمكنك أن تحرر أياً من هذه الشهادات، فهذا هو سجل مدني التحرير.
أحمد زغول الشطي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد