سـلطان الصـورة.. وشـعبية الحـرف المكتـوب
في تسعينيات القرن الماضي وقف السيناريست الراحل صالح مرسي، صاحب مسلسل ورواية »رأفت الهجان« في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد في دمشق على هامش معرض لكتابها ليخاطب الجمهور الذي غصت به الصالة: »يحزنني بأن معظم من ناقشني اليوم منكم في ما كتبته عن رأفت الهجان، لم يقرأ الرواية وإنما بنى مناقشته على مشاهدته المسلسل التلفزيوني المحذوف منه أجزاء اقتضتها طبيعة العمل الفني ...«. لم يكن صالح مرسي الوحيد الذي نالت رواياته شهرة بعد أن قدمت صوتاً وصورة في السينما والتلفزيون، تجاوزت بكثير شهرة الروايات المكتوبة، فقد كان هذا هو حال العديد من الأعمال الروائية للكاتب المصري نجيب محفوظ، ولاسيما ثلاثيته »بين القصرين«، بالإضافة إلى ما كتبه إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وكثيرون.
في سوريا، يحسد الكثيرون من الأدباء الروائي الكبير حنا مينه على الدراما التلفزيونية والسينمائية التي انتشلت رواياته من رفوف المكتبات، ودائرة القراء الضيقة مهما اتسعت، فشخصية مثل »مفيد الوحش«، بطل المسلسل الشهير »نهاية رجل شجاع« ساهمت في تكريسه روائياً شعبياً بالمعنى الواسع للكلمة، ولم تتوقف بركة التلفزيون و»مفيد الوحش« عند حنا مينة وحسب، فها هو القاص والصحفي حسن.م يوسف يقول في حوار أجريته معه: »التلفزيون أوصلني لأهلي، أعني ذلك حرفياً، فأبي وأمي لا يحسنان القراءة ولا الكتابة، وقد تواصلا مع كلماتي لأول مرة، من خلال مسلسل »نهاية رجل شجاع«.
وإن كان حسن م. يوسف يرى من خلال كلماته هذه أن التلفزيون بصورته وصوته، قد تجاوز مشكلة تواصل من لا يجيد القراءة مع الإبداع المكتوب، إلا أن ثمة الكثيرين ممن لا يعانون من آفة الأمية ويعرفون القراءة والكتابة، لكنهم لا يملكون أكثر من الصوت والصورة التلفزيونية للتواصل مع الإبداع المكتوب من دون ان يعترفوا ان التواصل من دون شك بقي ناقصاً. فللدراما، تلفزيونية كانت أم سينمائية، أحكامها ومقتضياتها الفنية التي قد تتطلب حذف فصول كاملة من العمل المكتوب أو تغير جزء من مجريات أحداثه، وإلا أين كل ما كتبه غسان كنفاني في روايته »عائد إلى حيفا« في الدراما التلفزيونية السورية »عائد إلى حيفا« أو في فيلم الإيراني »المتبقي« المأخوذ عن الرواية ذاتها؟
العلة هنا لا تبدو مسألة عربية محضة تخص شعوبنا وحسب، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى الشهرة الكبيرة التي نالها الفيلم العالمي »المريض الإنكليزي«، من دون أن تحظى الرواية الأصلية بالشهرة ذاتها، برغم أنها من أفضل ما عرفه الإبداع الروائي خلال السنوات الأخيرة.
إنه عصر الصورة، ندرك ذلك جيداً ونعيشه، ولكن مهما تفضلت الدراما في إيصال الإبداع الروائي والمسرحي يبقى للإبداع المكتوب ألقه ومتعته الخاصة أيضاً، وفي ذلك ما يبقي الجدل دائراً حول من يحمل الآخر نحو دائرة الضوء، الصورة المتلفزة أم الحرف المكتوب؟
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد