سيرة جديدة لصاحب نوبل (الأناني والسادي والخائن)
أدهش المؤرخ والكاتب الإنكليزي باتريك فرنش الأوساط الأدبية أخيراً بما ورد في كتابه عن حياة فيديا نايبول، علماً بأن الأخير وافق على محتوى الكتاب وسمح بنشره. ولعله في ذلك يقوم بأشجع تصرف أخلاقي في حياته الحافلة بالأنانية والاستبداد العاطفي ناهيك عن السادية في التعامل مع النساء ، خصوصاً زوجته الأولى، بات.
وتأخذ بات حيّزاً كبيراً من هذه السيرة منذ لقائهما في أوكسفورد ورسائلهما العابقة بالبراءة والصراحة والأمل، وكيف تحدّت عائلتها بزواجها من نايبول. إلا أن الأمور بينهما بدأت تسوء بسرعة بسبب عدم قدرة نايبول على الإخلاص لامرأةٍ واحدة ، حتى أنه لم يجلب لها خاتم زواج على رغم توسلاتها، فانتهى بها الأمر الى شراء الخاتم بنفسها. ويكشف فرنش أن نايبول لم يكن منجذباً جنسياً الى زوجته بل كان يعتبر الجنس مخجلاً وغير مرتبط بالحب، ولم يعثر على الإثارة إلا عبر معاشرة بنات الهوى. أما بات ففقدت الأمل تماماً من عيش تجربة الأمومة.
في عام 1972 التقى نايبول مارغريت موراي، وهي أرجنتينية إنكليزية وجدت سعادتها في أن تكون عبدة وضحية لمزاجه العاصف وحبه للسيطرة. ويقول نايبول أن ذلك الخضوع عند مارغريت كان يمنحه متعة حسية لم يعرفها من قبل، علماً بأنها لم تكن سوى امرأة بسيطة وغير مثقفة، وبالتالي أصبحت أداة جنسية بالنسبة اليه، فإذا باعدت بينهما الظروف لم يكن يهتم حتى بقراءة رسائلها. مع ذلك كانا يلتقيان في أماكن عدة حول العالم ليقوما بأشياء، قالت مارغريت أنها ستشعر بالغثيان لو مارستها مع غيره. وكانت تعتز بالجروح والكدمات التي يلحقها بها لكونها تعبيراً عن عاطفته. وفي إحدى المرات استمر يضربها على دفعات طوال يومين الى أن تورمت يداه وأصبح وجهها غير مؤهل للظهور في ضوء الشمس. ويذكر هنا أن مارغريت كانت هجرت زوجها وأولادها الثلاثة أملاً بأن يتزوجها نايبول. لكنه استمرَ في التنقل بين المرأتين وهو يهددهما مداورة بإنهاء علاقته بهما مما دمر بات تماماً. وهي تصف ذلك في يومياتها بصراحة عجيبة: «كان يقنعني بأنني مقرفة وغبية ويحيلني الى مجرد دموع أمام ضيوفنا، ومع ذلك كان يطلب موءاساتي له مثل طفل».
خلال علاقته بمارغريت حملت ثلاث مرات وأجبرها على الإجهاض بضراوة ولا مبالاة. ويقول فرنش ان مصدر هذه القسوة هو الإذلال المتمادي الذي عرفه نايبول في طفولته. كان والداه من أصل هندي، عاملين في مزارع قصب السكر في ترينيداد. وإضافة الى الفقر والدونية الاغترابية شعر نايبول بالخزي الجارح بسبب التخلف العقلي الذي أصاب والده، إلا أن تلك الآلام المبكرة حرضته على الخروج من مأزق واقعه فانصرف الى الدراسة بلا هوادة حتى تمكن من الحصول على منحة الى أوكسفورد حيث واجه في الخمسينات، عالماً آخر، لا يخلو من التمييز العنصري ولو في شكل خفي. أحبطه ذلك بصدمة لم يكن يتوقعها فحاول الانتحار بتنشق غاز التدفئة في غرفته... ولم تكن لندن بعد تخرجه من أوكسفورد أكثر رحمة. ما من أحدٍ هناك كان يريد توظيف هنود صغار القامة مصابين بالربو. تقدم من 26 وظيفة وفشل وعاش على البطاط المسلوقة ومدخرات بات التي كانت تعمل مدرّسة.
ويعتقد فرنش أن ثبات نايبول لا يعزى فقط الى المشقات التي واجهها، بل الى اعتقاد راسخ في نفسه بتفوقه الذهني والعرقي، لأن والدته كانت من الطائفة البراهمية المعتبرة في أعلى السلم الاجتماعي الهندي. والواقع أن هذه الفوقية العرقية ظهرت في كتاباته الباكرة خصوصاً حيال الزنوج الذين يشكلون السواد الأعظم من الشعب في ترينيداد.
صحيح أن تحليل فرنش شخصية نايبول يخلو من التلطيف، فهو يتوخى الاعتدال في وصف الجوانب اللافتة وتحديداً ما يتعلق بعادات نايبول اليومية المتعالية. وليس غريباً أن تثير كتابات نايبول عن الهند وشعبها اعتراضات واستنكاراً، علماً بأن فرنش يعتبرها نوعاً من تقريع الذات. ويحيط المؤرخ بكل الجوانب والتفاصيل، صغيرة وكبيرة، عبر مقابلات أجراها مع أصدقائه ومعارفه ودراسة معمقة لمسيرته الأدبية. ولم يأخذ فرنش على عاتقه كتابة هذه السيرة إلا بعدما حصل على إذن غير مشروط من نايبول نفسه بعدم التدخل في النص مهما كانت النتيجة. مع ذلك لا يمكن إغفال دور فيديا نايبول في تحقيق هذه السيرة ونشرها إذ لم يكن عليه أن يقبل بتلك الشروط أو أن يتحدث بصراحة تامة الى فرنش، بل اختار طوعاً أن يعترف بالحقيقة الموضوعية التي طالما طبعت معظم نتاجه.
على هذا الصعيد يمكن اعتبار قبوله نشر السيرة من دون تغييرات نوعاً من الصراحة الاعترافية إن لم تكن ندامة كاملة. فهو يوافق مثلاً على أن علاقته بمارغريت خربت حياة بات وأن اعترافه بعلاقاته الفاسقة صدمها بعنفٍ ما أعاد السرطان الى جسمها بعد شفاءٍ طويل. «يمكن القول إنني قتلتها»، يقول نايبول متكئاً على سيارته والدموع تنساب على وجهه بينما راحت زوجته الثانية نادرة تذر رماد بات في غابة صغيرة.
جاد الحاج
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد