صالات سورية السينمائية.. غير مرئية

09-04-2008

صالات سورية السينمائية.. غير مرئية

لم يعد خافياً على أحد ان واقع عمل صالات السينما في السنوات الأخيرة بات غير سار أبداً لجهة سوية عروضها وجمهورها وتجهيزاتها واستثمارها، فهي في تراجع مستمر ولا أدل على ذلك سوى تناقص عدد العامل منها إلى الربع تقريباً، حيث عرفت سورية في تاريخها /112/ صالة، وحالياً لا يحدث منها سوى ثلاث ولا يعمل إلا /30/ فقط، في حين أغلقت /22/ وألغيت بشكل نهائي /57/، حتى ان أغلب الصالات العاملة يفكر مستثمروها بإغلاقها نتيجة الخسارة المستمرة وانعدام الأمل بالتحسن مستقبلاً، والأمر الذي لم يعد مقبولاً أبداً خاصة مع عدم القدرة على تغيير هذه المهنة وفق القرارات النافذة إلى أخرى ذات جدوى انحدار سوية معظم الصالات، وخاصة ذات العروض المستمرة إلى درجة غدت فيها بؤراً للفساد والشذوذ بشتى أشكاله، إلا قلة قليلة جداً وأولها صالات فندق الشام في دمشق وحلب، التي بقيت تعمل بشكل جاد ولا يفكر أصحابها بتغيير هويتها، وهنا تبرز على السطح إشكالية عدم السماح لمن يرغب من أصحاب الصالات بتغيير هويتها السينمائية، والتحول إلى فعاليات أخرى، حيث لا شيء يلزم مواطن بمهنة محددة، وان كانت الجهات الرسمية ترغب بالحفاظ على السينما كوسيلة اعلامية ثقافية، فالأجدى بوزارة الثقافة حمل هذه المسؤولية عبر مراكزها الثقافية المنتشرة في كل مكان، والنجاح ليس بمستحيل إذا ما أخذنا بالاعتبار نجاح العروض السينمائية، التي تقدمها المراكز الثقافية الأجنبية في دمشق واستفدنا منها.
في تحقيقنا التالي نطرح مشكلة الصالات السينمائية من كل أبعادها مع المقترحات، أملاً بالوصول إلى حدّ ينهي هذا الواقع السيىء.

- زرنا عدداً من صالات السينما في دمشق، وأغلبها كان بعروض مستمرة، كما ان عدد الزبائن كان عند الظهيرة في أحدها /7/ وفي ثانية /9/ وفي ثالثة /12/، وحسب ما علمنا فأولئك لم يقصدوا السينما حباً بها او لأجل حضور فيلم معين، وإنما لإضاعة الوقت بانتظار موعد طبيب او انتهاء معاملة او بانتظارشخص او لقضاء حاجة في الحمامات او للنوم، كما علمنا من بعض المصادر انه قد يكون من بين الزبائن أشخاص على سوية أخلاقية متدنية ومن الشرائح الشاذة، وليس لهم في وسط المدينة أفضل من الصالات كملاذ، ولن تغيب صيحات المنادين على العصائر والموالح والمأكولات حتى ان أرض الصالة بين المقاعد تكاد تتحول إلى مكب قمامة، وغير ذلك فإن تجهيزات الصالات، وخاصة المقاعد والجدران والمنصة بأسوأ حال.. فالمقاعد مكسرة والجدران متسخة والإكساءات في بعض الصالات لا تشبّه حتى بالخانات، كما ان آلات العرض قديمة، وقد يتوقف بسبب اعطالها العرض عدة مرات، كما أخبرنا البعض انه يمكن إدخال بعض المقاطع غير الأخلاقية في العروض من باب ترغيب الزبائن... وعند الاستفسار من بعض القائمين او العاملين في الصالات عن سبب ذلك، بيّنوا ان هذا المستوى فرضه الواقع، فلم يعد هناك رواد للسينما، خاصة مع الانترنت والفضائيات والأقراص الليزرية، التي توفر لهم الأفلام.. وضمن هذا الواقع تحاول الصالات العمل بأية سوية ومهما انحدرت لتحصيل أجور عمالها وفواتيرها، وقد أبرز لنا أحدهم مبلغ نحو /51/ ألف ل.س مبيّناً انه جمعه على مدار شهر تقريباً، وهو لقاء فاتورة الكهرباء.

- كما ان آخر رفض الحديث إلينا لقناعته ان هذا الطرح كسابقاته لا جدوى منه، فقد طرح موضوع الصالات على أعلى المستويات، وبالتحديد لجهة ان يتم السماح بتغيير هذه المهنة إلى أخرى، خاصة وانه لا يوجد شيء يلزم المواطن بممارسة مهنة معينة في ملكه الخاص، وهو لا يريدها او يربح منها شيئاً يذكر، في حين ان بائع فول او مرطبات او سندويش فلافل او قطع صينية بخمس او عشر ليرات سواء على عربة أمام السينما ام في محل مساحته صغيرة تبدأ من مترين مربعين ولا تتجاوز العشرين قرب الصالة يحقق أرباحاً ممتازة، والصالات في وسط المدينة التجاري وبمساحات كبيرة تصل إلى أكثر من /1000/ م2 لا تحقق ما تربحه تلك الأعمال.
وهنا نورد ما جاء في رسالة السيد انطوان استانبوليه صاحب سينما في حلب، والذي تطابق مع ما تحدث به في الندوة، التي عقدت مؤخراً عن واقع السينما، حيث تساءل: كيف يمكن ان يجبر المواطن العامل في القطاع الخاص على العمل بمهنة خاسرة؟!.. فأنا الوحيد من بين جميع أصحاب الصالات السينمائية السورية، الذي قام بتجديد صالته ضمن أفضل الشروط، خاصة بعد صدور مرسوم السماح باستيراد الأفلام، ولم أكتف بتجديد سينما حلب فقط، وإنما افتتحت صالة أخرى، ولغاية تاريخه ونحن نخسر.. فكيف أمنع من تغيير هذه المهنة؟!.. حتى ان اقتراح تصغير الصالات لن يفيدنا شيئاً ما دام المردود معدوماً والخسارة محتمة.
ونشير إلى انه لدى تجوالنا في دمشق رأينا إعلاناً على مدخل مسرح اوغاريت (سينما سابقاً) يقول: صالة برسم التسليم او الاستثمار مساحة /600/ م2 تصلح شركة - مجمع كمبيوتر وانترنت - كازينو - معارض - مطعم - بنك - ولا نعلم كيف يحدث ذلك في ظل الشكوى السابقة.
ومن جانب آخر علمنا ان سينما الكندي، التي تملكها الدولة مغلقة منذ أربع سنوات، وهذا ما كان مثار تعليق البعض من مستثمري الصالات الخاصة، حيث ان الجهات الرسمية تريد الحفاظ على هذا النوع كوسيلة إعلامية ثقافية، لكنها أول من يمتنع عن ممارسة هذا الدور.. فكيف تلزم القطاع الخاص بذلك..؟!.
وقد علق على هذا الأمر السيد محمود عبد الواحد معاون المدير العام للسينما، الذي ستكون لنا معه الوقفة الأخيرة في التحقيق قائلاً: إن صالة الكندي في دمشق عادت إلى العمل منذ أواخر العام الماضي 2007، وعرضت فيها تظاهرات لمهرجان دمشق السينمائي الدولي.. أما افتتاحها الرسمي فكان في 6/4/2008، علماً بأن التوقف قد تم من أجل تحديث الصالة.

- إن الإجابة عن سؤال: لماذا واقع السينما سيىء في سورية، كانت من الدكتور ابراهيم نجمة مستثمر وصاحب صالات داخل وخارج سورية في الندوة، التي عقدت بتاريخ 14/1/2008 بعنوان: «السينما السورية وآفاق تطويرها» حيث قال: إن من الأسباب: منع استيراد الأفلام وحصر استيرادها بالمؤسسة العامة للسينما فقط، وإمكانية مشاهدة الأفلام السينمائية بسعر زهيد جداً دون الحاجة للذهاب لمشاهدته في صالات السينما سواء عن طريق أفلام الفيديو سابقاً او عن طريق القنوات الفضائية المخصصة لعرض أفلام السينما، بعدها والآن عبر (DVD) وعمليات القرصنة، التي تتم عبر الانترنت، حيث تتم سرقة أحدث الأفلام الحديثة العالمية من الانترنت ونسخها على DVD، ثم بيعها بالمحلات بسعر زهيد جداً قبل عرض تلك الأفلام في الصالات السينمائية، وهو حقيقة أكثر ما يسيء للسينما في سورية، صحيح ان جميع دول العالم تعاني مشكلة القرصنة، لكن السينما في سورية دخلت حلقة معيبة، فهي تعاني الكثير من المشكلات الخطيرة، والصالات أغلقت ليس لأنها لم تحقق الربح فقط، بل لأنها لم تستعد حتى رأس مالها، بينما في العالم تغير حال السينما فأصبحت ضمن أبنية ضخمة تحتوي على /12/ صالة سينما على أقل حدّ، وألغيت الصالات المنفردة ولم تعد موجودة، لكن في صالات سورية حينما أقيمت مثل تلك المولات الحديثة لم يتشجع أصحابها على تأسيس صالات سينمائية ضمنها لأنها مشروع خاسر، خاصة وان العلاقة حتى الآن بين المواطن السوري والطقس السينمائي معدومة، ولحل تلك المشكلات طالبنا بأن يكون استيراد الأفلام السينمائية مفتوحاً، وتم ذلك فعلاً، ثم طالبنا بتقديم تسهيلات لتجديد الصالات وصدور مرسوم لتشجيع تجديد الصالات في سورية، حتى ان بعض أصحاب الصالات قاموا بتجديد صالاتهم، لكنها لم تحقق المردود المنتظر، مما دفع بالآخرين إلى عدم التشجع للتجديد.
أيضاً فإن نسبة 80٪ من مرتادي الصالات السينمائية هم ضمن عمر (14 - 18) سنة والـ 20٪ المتبقية هم من بقية الأعمار، ولذلك لا بد من تشجيع الشباب للإقبال على السينما لتنشيط وضع السينما في سورية، لكن خلق مثل هذه الأجواء شبه مستحيل في الصالات القديمة.
أيضاً هناك نقطة هامة تتمثل في انه عندما تكون بطاقة الدخول إلى السينما بـ /150/ ل.س في حين دخل المواطن الشهري /10/ آلاف، فهل يعقل ان يذهب مع أفراد أسرته على فرض مرة واحدة شهرياً لينفق 10٪ من مجمل راتبه؟!.. بالتأكيد هذا أمر مستحيل وهو من الأسباب الهامة في قلة الإقبال.

- أما أحمد العريان صاحب أكبر مجمعات للصالات في البحرين والوطن العربي فقال: عملت في مجال السينما منذ 25 عاماً، وخبرتي في منطقة الخليج أكبر، ولكن المشكلة الموجودة في سورية لا تختلف كثيراً عن البلدان العربية الأخرى، التي كانت تعاني المشاكل نفسها وخرجت منها، وأعتقد اننا في عالمنا العربي نمتلك مجالاً واسعاً وكبيراً لاستثمار دور العرض، فأمريكا مثلاً كما الوطن العربي يبلغ عدد سكان كل منهما /280/ مليون نسمة تقريباً، وأمريكا تضم /50/ ولاية تحتوي على /48/ ألف دار عرض، بينما في الوطن العربي /25/ دولة لا يوجد فيها سوى (700 - 800) دار عرض فقط، لذلك فنحن بحاجة لزيادة الاستثمارات على دور العرض السينمائية.
أيضاً يجب التعامل بعنف وقسوة مع سرقة الأفلام وعمليات القرصنة، فأقل دولة عربية فيها سرقة وقرصنة هي الإمارات، أما أعلى نسبة قرصنة فهي في البحرين، وعلى الرغم من ذلك فيها /80/ دار عرض جميعها تعمل وعلى مستوى عال، لذلك لو كان هناك دور عرض جيدة وعلى الطراز الحديث في سورية، لكان هناك إقبال سينمائي مرتفع، لأن المتفرج يحتاج إلى خيارات، أما عندما نضعه أمام فيلم واحد فسيصبح موجهاً، وبالتالي يمكن ألا يحضر الفيلم، لكن عندما يكون أمام خيارات متعددة فإنه بالتأكيد سوف يدخل لحضور أحدث هذه الأفلام المعروضة عليه.. إذاً الخيارات هي التي تجعل من الصالات رابحة، وهو أمر يتطلب استثماراً ضخماً، فكلما كانت الاستثمارات أضخم كلما زادت نسبة الربح، ولو نشأت في سورية (100 - 120) دار عرض على طريقة المجمعات السينمائية، اي (12 - 15) داراً في مكان واحد لأدى ذلك إلى تحقيق نهضة سينمائية سورية متميزة.

- وقد أشار الدكتور ابراهيم نجمة إلى ان هناك مستثمرين سوريين كثيرين مستعدين للدخول في استثمارات سينمائية في حال توفر الجو المناسب دون الحاجة إلى الاستعانة باستثمارات أجنبية، فمثلاً هناك شركة (سورية للسينما) سوف تنشيء مجمعاً سينمائياً خارج دمشق وغيرها الكثير، لذلك يجب السماح لأصحاب الصالات الصغيرة بحرية التصرف بصالاتهم لأنها ملكهم الخاص، وقال: كوني حالياً مندوبَ (اوروب سينما) في سورية، فإنني أعرف وضع السينما في كل دولة تماماً.. ففي فرنسا هناك /80/ مليون مشاهد للسينما، والدولة الفرنسية هي التي تدعم الفيلم الوطني، أما في سورية فهناك /300/ ألف مشاهد فقط وهو أمر مخجل جداً، أما أكبر نسبة حضور للسينما فهي في هولندا، ويمكننا ان نستفيد من تجربة مصر في مجال السينما، فمنذ 15 سنة انخفض عدد الصالات، وبالتالي انخفض عدد الرواد، والآن عندما ارتفع عدد الصالات ارتفع بالضرورة عدد الأفلام المصرية وزاد الإقبال على دور السينما، ولذلك في سورية لا يمكن ان ترتفع نسبة الإنتاج السينمائي دون توافر الصالات لبعض تلك الأفلام، وبالتالي فإن اي فيلم لم يحقق الربح دون تلك الصالات، والفيلم إن لم يحقق الربح في بلده فإنه بالتأكيد لن يربح مطلقاً.. أما بخصوص عرض الأفلام السورية فهو غير مربح لأصحاب الصالات لأن منتجته المؤسسة العامة للسينما وهي مؤسسة حكومية، وما تنتجه أفلاماً ثقافية غير تجارية، وكونها جزءاً من وزارة الثقافة لا يمكنها ان تنتج سوى هذا النوع من الأفلام الثقافية الخاسرة دائماً ليس في سورية فقط، وإنما على مستوى العالم. 

-أهم النقاط التي تناولتها الندوة، انه في الأفق مجمعات سينمائية سيقوم بإنشائها السيد العريان /24/ صالة في أكبر مجمع سينمائي في مدينة حلب، وانه قد اشترى الأرض اللازمة لذلك، ويتوقع إنجاز هذا المشروع خلال /5/ سنوات، كما انه على استعداد لبناء ما بين (60 - 70) صالة في سورية إذا ما أمنت له الدولة الأرض اللازمة لذلك، وكذلك صرح السيد نجمة بأن شركة سينمائية سيعلن عن تأسيسها (سورية للسينما)، ستقوم بإنشاء صالات جديدة قرب دمشق بعدد /12/ صالة منها صالة مخصصة لجمهور الأطفال، وستقوم هذه الشركة بالإنتاج السينمائي في مرحلة قريبة أيضاً، بينما أكد السيد يوسف دك الباب مسؤول الصالات السابق في المؤسسة العامة للسينما على أنه ضمن الخطط الاستثمارية لوزارة الثقافة بتحديث وإنشاء صالات الكندي التابعة للمؤسسة (دمر، دير الزور، طرطوس) بعد ان تم تحديث صالات دمشق وحمص واللاذقية في الفترات السابقة، وأشار إلى ان المؤسسة قد خاطبت الجهات المختصة بضرورة إنشاء صالات في المجمعات الحكومية او في المجمعات السياحية الحديثة.
أما بشأن المطالب والاقتراحات وبسبب الخسائر الكبيرة لأصحاب ومستثمري الصالات، أجمع الحضور على ضرورة إلغاء القرار القاضي بعدم السماح بتغيير مهنة صالات السينما تحت طائلة مصادرة الصالات المخالفة، وكانت المقترحات النهائية حول الموضوع متفقة على:
- تفعيل قانون حماية ملكية المؤلف، والقضاء على الانتشار  غير الشرعي والقرصنة للأقراص المدمجة (DVD-CD) لأن الاستمرار في الوضع الحالي لن يشجع إطلاقاً على إحداث صالات جديدة او استمرار الصالات القائمة.
- تشكيل لجنة لدراسة أوضاع صالات الدرجة الثالثة والوقوف على جدوى بقائها ثقافياً واقتصادياً، وبيان إمكانية السماح لأصحابها بتغيير صفتها (المحضة).
- في مرحلة قادمة، وعند الانتشار المعقول للصالات الجديدة او المحدثة، السماح لباقي الصالات ممن يرغب من مستثمريها وأصحابها بتغيير المهنة، ومن ثم إلغاء القرار القاضي بمصادرة الصالات التي تغير مهنتها.
وما تحقق حتى الآن ان المؤسسة العامة للسينما وعلى مراحل اعتباراً من عام 2000 استطاعت ان تحقق بعض طلبات اصحاب ومستثمري الصالات مثل الغاء مرسوم حصر استيراد الافلام بالمؤسسة (علماً ان ذلك ادى الى خسارة المؤسسة لمعظم ايراداتها المالية الناجمة عن تنفيذه) وكذلك اصدار التشريعات اللازمة بالإعفاءات الضريبية والجمركية لمن يرغب بتحديث صالاته وتخفيض رسوم الاعلان الى النصف اضافة الى السماح لاصحاب الصالات ومستثمريها بهدم الصالات القائمة او اعادة تحديثها مع السماح بابقاء 30٪ من المقاعد القائمة قبل التحديث واستغلال باقي المساحات لفعاليات أخرى.
 -  كانت الوقفة الاخيرة في المؤسسة العامة للسينما حيث التقينا السيد محمود عبد الواحد معاون المدير العام للشؤون الفنية- مدير التسويق والصالات وسألناه عن واقع الصالات، واسباب تدهور صالات العرض فقال: قمت بجولة واسعة شملت كافة محافظات القطر عاينت خلالها مختلف الصالات فيها، والتقيت بأصحاب هذه الصالات ومستثمريها، وتكونت لدي صورة عامة يمكن وضعها بأنها حزينة بل ومأساوية لوضع صالات العرض السينمائي في بلدنا، فهذه الدور التي كانت يوماً من الأيام عامرة تحولت الآن الى انقاض او ما يشبهها، وما بقي منها عاملاً اصبح ملاذاً للعاطلين والهاربين من وجه العدالة ، وانقلبت الى مهاوٍ للرذيلة وتعاطي المخدرات وكل انواع الشذوذ، خاصة في الصالات التي تستخدم اسلوب العرض المستمر، وهذه هي الصورة بكل بشاعتها ومن دون اي تذويق.
وبطلب الاجابة على ماهية الاسباب التي ادت الى ذلك قال عبد الواحد: يمكن الحديث في معرض الاجابة عن هذا السؤال عن التطور الطبيعي للتكنولوجيا والحياة الاجتماعية عموماً، فظهور التلفزيون ومن بعده اجهزة الفيديو، ثم الاطباق اللاقطة والمحطات الفضائية والاقراص الليزرية تترك اثراً ملموساً بلاشك على صالات العرض إضافة الى تغيّر اذواق الناس في العالم كله إذ بدؤوا يبتعدون عن الصالات المنفرد باتجاه المجمعات التجارية الضخمة (المولات) التي تضم عدة صالات تعرض افلاماً مختلفة، ومع ذلك فإن الاسباب الحاسمة في تدهور صالات العرض، حسب ما يرى اصحاب الصالات عائدة في مجملها الى سياسة الحكومات المتعاقبة في هذا المجال والتي تتمثل في ثلاث نقاط:
 1- حصر استيراد الافلام بالمؤسسة العامة للسينما، مما سبب مقاطعة الشركات السينمائية الكبرى للسوق السينمائية السورية وفرض على اصحاب الصالات افلاماً ليست مرغوبة من قِبَل جمهورهم، وجعل الصالات السورية متخلفة عن العروض العالمية سنة او سنتين، واحياناً اكثر من ذلك، وقد ألغي هذا القانون قبل عدة اعوام لكن الصالات السينمائية لم تشف بعد من آثاره الضارة.
 2- صدور قرار رئاسة مجلس الوزراء عام 1982 القاضي بمنع الصالات من تغيير هويتها ومهنتها ، مما أثار الذعر في نفوس المستثمرين الجدد الذين كان من الممكن ان يقتحموا هذا المجال حاملين دماً شاباً وافكاراً جديدة، ومنذ صدور هذا القرار لم يدخل مهنة العرض السينمائي اي مستثمر جديد وجميع ممارسي المهنة الآن هم من اصحاب الصالات القدامى او ابنائهم او من ورثتهم.
 3- لم تقم الحكومات المتعاقبة بتأمين اية حماية للافلام المخصصة للعرض التجاري من القرصنة بكافة اشكالها ( اشرطة فيديو أقراص CDوDVD)، وقد صدر قانون لحماية الملكية الفكرية لكنه لم ينفذ عملياً، والافلام الحديثة تصل الى سوق الـ DVD قبل وصولها الى صالة العرض، وسعر اي فيلم على قرص DVDهو اقل من سعر تذكرة الدخول الى صالة السينما.

 وبسؤال معاون المدير العام عن المطلوب للنهوض بهذا القطاع السينمائي قال: حسبما ارى مع اصحاب الصالات وخاصة بعد جولتي الواسعة فالمطلوب :
 - إلغاء قرار مجلس الوزراء رقم 2850 لعام 1982 وذلك من اجل تشجيع المستثمرين الجدد على الدخول الى هذا القطاع ، على ان يتم اقتطاع نسبة معينة من ثمن مبيع او فروع الصالات التي سيتم تغيير فعاليتها لصالح صندوق دعم السينما او لصالح بناء صالات جديدة .
- اجبار المجمعات التجارية الضخمة ( المولات) قيد لإنشاء على ان تضم صالات سينمائية.
- تأمين حماية فعالة للافلام السينمائية من القرصنة بكافة اشكالها.
 - تقديم تسهيلات وحوافز تشجيعية للمستثمرين الذين يريدون العمل في هذا القطاع ( قروض ميسرة، اعفاءات ضريبية ..الخ).
 - التأكيد على ضرورة ان يكون للمؤسسة العامة للسينما صالة كندي في المحافظات التي ليس للمؤسسة فيها مثل هذه الصالة.
 - التأكيد على ضرورة المطالبة بتحويل ملكية حصة وزارة المالية من صالتي السفراء والخيام الى المؤسسة العامة للسينما، لأن وزارة المالية عبرت اكثر من مرة عن عدم رغبتها في تحديث الصالتين، مما يجعلها في وضع مزرٍ لا يمكن الاستفادة منه.

- إن صالات السينما غدت استثماراً خاسراً، ولا يمكن الاستمرار بإجبار القطاع الخاص على متابعة العمل فيه خاصة وان لا شيء بالدنيا يلزم مواطناً في ملكه الخاص على مزاولة اية مهنة، فكيف اذا كانت خاسرة، فالسينما غدت كما يقول البعض كصناعة الطرابيش نريد الحفاظ عليها كتراث لكن احداً لم يعد يلبسها، فهل نبقي على المواطن مزاولاً لمهنتها لمجرد ذلك دون ان يحقق ربحاً يعيش منه، وإن كان ولا بد من الابقاء على ذلك وخاصة بالنسبة للسينما فعلى وزارة الثقافة ان تتصدى لهذه المسؤولية عبر انشاء صالات كندي في المحافظات كلها وعبر وضع برامج لعروض سينمائية في مراكزها الثقافية المتواجدة في كل منطقة من القطر، والمحدودة الانشطة الثقافية الا من محاضرات الجمهور الضيق، وذلك اسوة بالمراكز الثقافية الاجنبية بدمشق، والتي لها تجارب ناجحة في مجال الاسابيع السينمائية، وبالتوازي ان يتم خلق المناخ الاستثماري الملائم في هذا المجال، وانهاء فكرة ان صالات السينما تحولت الى فزاعات تخيف المستثمرين الجدد ، بحيث تعطى تسهيلات مناسبة لإنشاء مجمعات سينمائية على سوية عالية كما هو الحال في باقي الدول الاخرى، وانهاء ظاهرة السينما الافرادية وخاصة انها في بلدنا غدت بؤراً للفساد والشذوذ ولا يمكن بأي حال من الاحوال لإنسان عاقل ان يفكر بالدخول إليها.

 

وليد الزعبي

المصدر: البعث

التعليقات

نشكر لكم نقل التحقيق ولكن تغيب اسماء مهمة عنه، كالاستاذ نادر اتاسي... لكم الشكر

إذا دخلت الى أي مقهى انترنيت في بدايات عام ألفين لوجدتها تغص بالمستخدمين. خطوط ضعيفة و تداخلات أخلاقية و قانونية و تقنية لا حدود لها. و مقاهي ألعاب الكمبيوتر تحولت الى ما يشبه صالات الملاكمة أو المصارعة الأمريكية حيث تغص بالهواة و المحترفين و يحفظ هؤلاء مشافهة و بعفوية قوانين اللعبة و أسماء أبطالها. انتشرت الظاهرة كالفطر و اضطرت المدرسة و الأسرة و شرطة الآداب و البلدية و شيخ الجامع الى محاربتها. المشكلة في سوريا هو عدم التقاط موجة الشارع الخصوصية. إن آليات الإملاء و المقارنات الفرغة مع نماذج الدول الأخرى دون النظر فيما يسمى الكون السري يؤدي غالباً الى غير النتائج المرجوة. الغريب ان يتم سؤال السيد عبد الواحد و ليس رئيس قسم الدراسات في مؤسسة السينما لأن قسم الدراسات هو المعني بالبحث عن أسشباب العلل و أليات التعاطي معها. و لكن هذا شكل آخر من أشكال تفريغ الأشياء من مضمونها و هذا ما يجعل إيجاد الحلول أشبه بضرب الرمل. فهل قام مكتب الدراسات بتسجيل إحصائيات ااالحضور في مهرجان السنة الماضية و مقارنته بحضور السنة التي قبلها و تسجيل لوائح بالفروقات و تحليلها؟ و غير هذا يوجد الكثير مما يستطيع هه القسم القيام به . الجميع يطالب بفرض قانون يمنع تعاطي الdvd و في الحقيقة يجب أن يتم التغاضي عن نشوء نوادي أهلية و يسمح لها بعرض الأفلام دون الحاجة الى المصادقة عليها. أليست هذه إحدى نظريات الإقتصاد الحر؟ لقد سمحت الحكومة الروسية للهاكرز أن يتصرفو بحرية حتى نموا و تحولوا الى سلاح حكومي من خلال تحولهم الى قوة ضاغطة تسمح للحكومة الروسية بالمساومة مع نظرائها الغربيين في تحديد قيمة سوق المعلوماتية. و قد تم تخصيص السوق الروسية بحسوم هائلة على أسعار البرامج التي تباع بأسعار هائلة في الأسواق الأخرى. في مصر يذهب الناس الى السينما رغم فقرهم الشديد و رغم ان الdvdمتوفر في الأسواق. كذلك الأمريكيون على الجانب الآخر من المعادلة فهم يحضرون السينما رغم توفر البدائل. لكن لا أحد سأل ما الذي يحضره المصري و لماذا يحضر و كيف يتفاعل. سينما الشام جلبت أفلام حديثة تماماً و مع هذا لم تمتلء الصالة رغم جودة مواصفاتها. ليست وحدها جودة الفيلم أو الصالة أو التسعيرة هي السبب و لكن ثمة آليات في التسويق يجب التعاطي معها جدياً. فمثلاً إغراق السوق قد ينشط البيع أكثر من تنشيفه. أي أن انتشار الdvd المقرصن قد يسهم بخلق جمهور يريد السينما و يبحث عن خيارات مشاهدة أهم من المنزل. بعكس ما يعتقده البعض . و الإغراق لا يكون بعمل سينما في مول : لأن مثلث الصالحية 29 أيار ,الفردوس هو سوق تجاري و مليء بالصالات. ثم من له الحق ان يمنع رجل من حضن سيدة معه في لحظة مفعمة بالمشاعر و الضوء خافت حتى نتهمهم بالرذيلة!! السينما ليست جامع و ليست جامعة . إنها مكان تلسية مثل الحديقة و مدينة الألعاب و ليس لأحد أن يكون شرطياً على مشاعر الناس بحجة المشاعر العامة. و بالحديث عن المسموح و الممنوع فإن مؤسسة السينما تمارس دوراً رقابياً مخالفاً لكل توجيهات السيد الرئيس. ففي الوقت الذي اختطف التلفاز فسحة الحرية التي منحتها السلطة أحسن استثمارها و تمسك بثمارها. عملت مؤسسة السينما على مسخ هذا الهامش و تحويل السلطة الى بعبع و أوحت هيئة قراءة النصوص للجميع أنها قفازاً في يد السلطة. مما أوقع الجميع في تناقض غريب فكيف يصح في التلفاز ما لا يصح في السينما؟ و كأن في البلد حكومتان حكومة مدنية ترعى التلفاز و حكومة مخابراتية ترعى السينما .

شكرا جزيلا على هذا التحقيق... جمهوردمشق باكمله لا يمكن ان يحضر فيلم سينمائي الا في سينما الشام علبى اعتبار انها الدار المحترمة الوحيدة في السوق .... موظفين سينما الشام اكل عليهم الدهر وشرب بغض النظر عن الاطقم الرسمية التي يلبسونها الا انهم لا يصلحون لاستقبال أو حتى واجهة لمقابلة الزبائن الغريب ان في كل مهرجانات دمشق السينمائية ولتشجيع جميع الفئات لدخول دور العرض كانت الاسعار رمزية خمسون ليرة سورية ,اما في المهرجان الاخير ظلت بطاقات سينما الشام تباع بمئة وخمسون ليرة سورية +عراضة شامية في المدخل تذكر الجميع انهم في احتفالية سينمائية بحتة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...