ضمانات بمئات مليارات اليورو وساركوزي يدعولإعادةتأسيس الرأسمالية

13-10-2008

ضمانات بمئات مليارات اليورو وساركوزي يدعولإعادةتأسيس الرأسمالية

ثلاث ساعات ونصف من المحادثات لإنقاذ منطقة اليورو وتحصينها من العدوى الأميركية. اجتماع الأزمة الطارئ لتحصين اقتصاد الدول الخمس عشرة الذي قاده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. لم يفعل سوى استلهام الخطة البريطانية لمعالجة الأزمة. رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، الذي رفضت بلاده على الدوام التخلي عن الجنيه الاسترليني واعتماد اليورو حضر نصف الساعة الأولى من الاجتماع ليعرض الخطة التي ستبدأ بريطانيا بتطبيقها في الأيام المقبلة.
الخطة البريطانية شكّلت تسوية مقبولة بين ألمانيا وفرنسا، فتراجع ساركوزي عن الدعوة إلى خطة أوروبية فدرالية منسقة لمواجهة الأزمة، وألقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المكنسة التي كان على كل دولة أن »تكنس بها منفردة أقذار نظامها المصرفي بنفسها«، كما قالت للرئيس الفرنسي في القمة الرباعية المصغرة الأسبوع الماضي.
وخلال المؤتمر الصحافي المسائي، الذي غابت عنه ميركل، تاركة لساركوزي مهمة شرح ما اتفق عليه في خطة لم تتجاوز التحفظات الألمانية بكثير، على رصد أي صندوق مشترك لحماية المصارف الأوروبية، أو اجتراح أي مؤسسة اتحادية جديدة لإدارته، لكنها وافقت على إجراءات ذات طبيعة واحدة، ويجري تطبيقها بطريقة متزامنة والإعلان عنها في وقت واحد، كي يسمح صدى الأرقام التي تتعهد الحكومات الأوروبية بضخها كلا في مصارفها بمضاعفة أثرها وتضخيمه، وتقديم الدليل على إرادة هذه الدول إعادة الثقة بالنظام المصرفي.
وتتخلى خطة الخمسة عشر عضوا في نادي اليورو عن كل التحفظات السابقة لتأميم المصارف الوطنية التي تواجه خطر الإفلاس، جزئيا أو كليا. وستبدأ
الحكومات، بدءا من اليوم، بمساعدة المصارف التي تعاني من المصاعب. وهذا التدبير يأتي في مقدمة التوصيات التي جرى الاتفاق عليها. وبوسع الدول الأوروبية أن تعيد رسملة المصارف العاجزة كما تشاء، وشراء جزء من أسهمها الخاسرة لتخفيف العجز في حساباتها وتطهيرها من »الأسهم القذرة«، وتتعهد الحكومات ببيع حصصها واسترداد الرساميل التي ضختها والأرباح إذا أمكن بمجرد استقامة الأوضاع.
ولكن الإجراء الوحيد الذي يتجاوز مجرد التعامل مع أزمة الأسواق المالية ويتجه نحو مواجهة الكساد هو تعهد كل دولة بضمان القروض في ما بين المصارف نفسها، وإعادة تزويدها بالسيولة الضرورية، وطمأنة المصارف نفسها على قدرة المصارف الأخرى على الدفع، والوفاء بما تقترضه في ما بينها كي تستطيع القيام بوظيفتها الأساسية والاقتصادية بتسليف المؤسسات كي تستمر في النمو وحماية العاملين فيها من البطالة من جهة، ولكي تواصل تسليف الأفراد والعائلات لدعم الاستهلاك الداخلي من جهة ثانية.
وقد تتجاوز الضمانات الأوروبية مجتمعة الـ٧٠٠ مليار دولار التي رصدتها الولايات المتحدة لإنقاذ المصارف الأميركية. وقد أعلنت بريطانيا عن تخصيص ٣١٥ مليار يورو لمصارفها، وقدمت ألمانيا مئة مليار يورو، فيما أعلنت إسبانيا عن تخصيص ٥٠ مليار يورو، والبرتغال ٢٠ مليار يورو، على أن يعلن مجلس وزراء فرنسي استثنائي مبلغ الضمانات الفرنسية للقروض ما بين المصارف. وستعلن الدول السبع والعشرين رسميا عن المبالغ التي سترصدها لهذه الغاية خلال قمة الإتحاد الأوروبي غدا في بروكسيل.
ولطمأنة الرأي العام الفرنسي، بشكل خاص، والأوروبي الذي لا ينظر بعين الرضا، إلى استخدام أموال دافعي الضرائب لإنقاذ المصارف التي قامرت في عمليات تتجاوز قيمة أصولها، قال الرئيس ساركوزي، إن إعادة الرسملة وضمان القروض بين المصارف »ليست هدية، على المصارف التي تتلقى الضمانات الحكومية، في أوروبا كلها، أن تتعهد في المقابل، برفع وتيرة إقراض المؤسسات والعائلات«.
ولن يسعد طلب الرئيس ساركوزي الكثير من المصرفيين، فعمليات الإسعاف المالية الجارية تفرض على المصارف أن تقبل بإعادة النظر ببعض القواعد المحاسبية، لفرض المزيد من الشفافية في حساباتها. ولا يسعى الأوروبيون، عبر التدخل في تنظيم القواعد المحاسبية للمرة الأولى، إلى توحيد مؤقت للقواعد المتعددة في أوروبا المصرفية، ولكن إلى الإحاطة بحجم الخسائر في مصارفهم، والمبلغ الذي وصلته العدوى الأميركية إلى مصارفهم، ومدى مساهمة المصارف الأوروبية في المبادلات »الفاسدة« في الأسواق الأميركية، دلالة على جهل السلطات المالية الأوروبية حتى الآن لحجم الخسائر التي تعشش في مصارف الإتحاد.
»كل هذه الإجراءات يجب أن تعيد السيطرة والعقل إلى سوق فقد كل إمكانية على تسيير نفسه«، يأمل الرئيس ساركوزي في ختام المؤتمر، وهذا ينتظر مرحلة اختبار طويلة ومعرفة مدى استجابة الأسواق للخطة الأوروبية الأمنية الأخيرة للرئيس ساركوزي، والتي قال إنها الخطوة الثانية التي لا بد منها، هي مواصلة الجهود لإقناع الولايات المتحدة، المسبب الأول في الأزمة الحالية »بالمجيء إلى مؤتمر عالمي لإعادة تأسيس قواعد التعامل الاقتصادي والمالي«، أي تجديد الرأسمالية بعد تحطم جناحها الليبرالي، من دون بديل أو مراجعات، لا تكتفي بمجرد معالجة عوارض الأزمة، حتى الآن.
وفي واشنطن أعلن المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان أنه يدعم الخطة المالية الأوروبية، مشيراً إلى أن الصندوق »طلب خطوات منسقة، ومجرد قيام دول منطقة اليورو بالتفاهم حول خطة مماثلة هو أمر جيد جداً«، فيما رأى مدير البنك الدولي روبرت زوليك أن الأزمة المالية التي تجتاح العالم تشـــير إلى ضرورة القيام بعمل منسق من أجل بناء نظام أفضل للمستقبل.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...