عبد الجواد ياسين: مرجعية الأزهر تخلق كنيسة إسلامية
ابتسم عبد الجواد ياسين. كنت أساله عن مرحلة: «مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة» كتابه الذي استلهم فيه ربما بعنف أكثر مفاهيم سيد قطب وآخرين عن المجتمع المعاصر «الكافر» الذي يتشابه مع مجتمع الجاهلية الأولي.
ابتسامته كانت إجابة، هو لا يحب بالفعل أن يتذكر تلك المرحلة التي انقلب عليها فيما بعد، واعتبرها «المرحلة السلفية» كان فيها مفهوم الشريعة لديه هو المفهوم السائد لدى كثيرين. في كلتا المرحلتين السلفية وتحولاتها كان «العقل» و«الحرية» هما المفردتان الأساسيتان اللتان تحكمان عمله.. يوضح: «كنت دائماً أشعر أن الإنسان هو الحرية والعقل، هذا هو الخط الأصلي الذي كان ثابتاً عندي وهو الذي أدى بي إلى رحلة تفكير أخرى قادتني إلى هذا التحول او التطور».
في العام 1976 بدأت رحلة «السلفنة» في حياة المفكر الإسلامي، لم تكن سلفية بالمطلق، كما يقول، كان يدرس وقتها في كلية الحقوق، هذه المرحلة بلغت ذروتها العام 1981 عندما تم اعتقاله في أواخر عهد السادات، وفي السجن بدأت مرحلة التفكير: «كان السجن مناسبة للتأمل وإعادة النظر ومزيد من القراءة والتمحيص، ولكنها لم تكن قطيعة كاملة مع الماضي. في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بدأت رحلة «الهبوط التدريجي» و«الاستقرار على أرضية التأمل».
÷كيف بدأت تلك النقلة؟
} أعتقد أن ذلك شيء طبيعي، عندما لا يكف العقل عن التساؤل يحدث ذلك بشكل طبيعي، الأسئلة الكبرى لا تكف عن طرح ذاتها من جديد. كنت اشعر أن الطرح الديني الذي تقدمه المنظومة الفقهية السلفية لم يشبع الحقيقة، كنت أشعر أن هذه المنظومة على خصومة مع العقل والحرية. ومن هنا جاء التفكير في أنه لا يمكن أن يكون هذا هو الدين الذي يريده الله من الإنسان. وأتصور أنني استطعت أن أفهم أين يوجد الإنسان في الطرح الديني، الحرية والعقل موجودان في المطلق الإيماني الأخلاقي، أما الطرح التاريخي الفقهي الذي تقدمه المنظومة السلفية فهو طرح مخاصم للحرية وللعقل في الوقت ذاته.
÷ القراءة بعيداً عن المنظومة السلفية كانت بداية الخروج...؟
} لم تنقطع في أي وقت قراءاتي في الفلسفة والتاريخ والأدب، عندما دخلت السجن بدأت أستعيد ذاكرة اللغة الأخرى، الإنجليزية كشرفة تمكنني من الإطلاع بشكل أوسع. رحلة القراءة المكثفة والتأمل والفحص انتهت بي إلى أن الإسلام المتعارف عليه بين الناس ليس إسلاماً نصياً، ليس إسلاماً راجعاً إلى الوحي الإلهي ولكن كتلة كبيرة منه جاءت من المنظومة الفقهية التي انتجها السلف في مرحلة التدوين التي استمرت من القرن الأول الهجري وحتى القرن الخامس. هذه المنظمة أصبحت هي الدين الذي يتدين به الناس اليوم بدون أن يشعروا أنه نتاج لتاريخ اجتماعي إقليمي وجغرافي خاص بالسياق الأول. وبناء على ذلك يمارسونه باعتباره ديناً إلهياً متصل الإسناد إلى الله في حين أنه مجرد اجتهادات فقهية لبشر.. ومن هنا بدأت الانطلاق، وفي تلك المرحلة بدأت في كتابة كتابي «تطور الفكر السياسي في مصر»، وكانت الكتابة بداية الانعتاق من المنظومة السلفية. ثم جاء كتابي «السلطة في الإسلام»... النقلة في أفكاري لم تكن مفاجئة، كانت رحلة أيضاً على أرضية التأمل والبحث والدراسة.
÷ بعد «السلطة في الإسلام».. كانت مرحلة أخرى تستكملها هي «الدين والتدين» الصادر مؤخراً عن دار التنوير..؟
} «الدين والتدين» هو رؤية أوضح وأكثر تطويراً لما جاء في «السلطة في الإسلام». كنت أفكر في نمط التدين على المستوى التوحيدي العام، أي على مستوى الديانات الثلاث ووجدت أن العقل الديني يعتقد جازماً أن كل ما يُقدّم في المنظومة السلفية هو وحي إلهي قادم من خارج الاجتماع، مقابل رؤية كلاسيكية ترى أن كل البنية الدينية هي مجرد ظاهرة اجتماعية من خلق الإنسان نفسه، ما أقوله أن كلتا الرؤيتين خاطئ. الصحيح أن جزءاً من البنية الدينية «إلهي» هو المطلق الذي يتعلق بالإيمان بالله وبالأخلاق، وهناك جزء بشري يتعلق بالتشريعات وبممارسات الطقوس والخلافات اللاهوتية حول معنى «الإله» في الديانات الثلاث. وهذه الفكرة تقدم حلاً للتناقض الذي يبدو ظاهراً بين أن ترى الظاهرة الدينية بعد انزياحها المباشر في القرن التاسع عشر والعشرين وبين الظهور الواضح لتمظهرات دينية جديدة أعادت إحياء المفاهيم الدينية في شكل أسفر عن التجمّعات الأصولية الموجودة سواء في الإسلام او المسيحية. وأتصور أن التطرف الأصولي المسيحي هو رد فعل للتطرف الأصولي الإسلامي. الأصولية الإسلامية لها دور كبير في إحياء واستثارة فكرة الأصوليات الأخرى التي نراها بتجلياتها في أميركا أو أوروبا.
الأصل في الدين هو كونه علاقة فردية وأن الدور الذي لعبته المؤسسة الدينية عبر التاريخ تسبب في قهر حساسية الروح الدينية، حيث جعلت المؤسسة من مقولة الدين حكراً على مصلحة خاصة بالمؤسسة الرسمية، في حين أن الدين والدولة يمثلان دائرتين لا تتقاطعان، فالأولى علاقة جمعية تنشأ من اجتماع المواطنين سواء كان هناك دين أم لا، بينما الدين هو علاقة فردية خالصة بين العبد وربه، وأن تقاطع الدائرتين مع بعضهما يحدث حين يحاول التدين إلحاق نفسه بالدين. الدين هو في حقيقته الإيمان بالله والأخلاق الكلية وهو مطلق ثابت لا يتغير، أما ممارسة البشر للدين فهذا هو ما يسمى التدين، وهي ممارسات اجتماعية متغيرة وليست إلهية منزلة، ومن هنا فالتشريع في الإسلام يعالج موضوعات نسبية ومتغيرة، وليست مطلقة. وعندما تعلن الدولة الإسلامية أنها حارسة الدين، فهي تجمع بذلك في يدها سلطتين هما سلطة النص الديني والمؤسسة والقهر المادي الذي تمارسه..
÷ التمترس حول الأفكار السلفية لدى كثيرين وعدم مراجعة هذا الأفكار يعني أن المشكلة هي العقل.. أزمة الرضا بنص واحد؟
} أنت تتحدث عن ظاهرة جماعية، عن الكتل الجماعية. قوانين ظهورها وتطوّرها تتجاوز فكرة القراءة الفردية حتى يمكن أن تطبقها على مستوى الذات الفردية أو على مستوى الفرد. ظاهرة انتشار السلفية تعني بالنسبة لي أن التديّن ذاته هو قضية نفسية سيكولوجية أكبر منها قضية عقل أو اقتناع أو برهان. العامل الأكثر حسماً فيها خاصة عندما تتعلق بالقطيع هي المسألة النفسية السيكولوجية حينئذ العوامل الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً جداً في تحريك العوامل النفسية الداخلية. جزء كبير من الظاهرة فيما أتصور هو نفسي اقتصادي اجتماعي. مع العلم أن العقل المسلم سلفي بالطبيعة باعتباره عقلاً دينياً مع تأخر التطور في الهياكل الكلية على مستوى المجتمع وعلى مستوى المنطقة. الهياكل الكلية ظلت تنتمي إلى ما قبل الحداثة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعقلي. حتى النخب وقعت أسيرة لنمطين من التفكير: النمط الأول النظام العقلي اليوناني التقليدي وأصحابه يفكرون بطرق التفكير المنطقي الصوري نفسها التي تنتمي للعقل اليوناني الأول، أضف إلى هذا أنهم يعتنقون نمطية التفكير الفقهية السلفية التي يلعب فيه الفقه بمفهومه الضيق الإسلامي التاريخي في القرن الثالث والرابع دوراً أساسياً ومن هنا يظلون أسرى للمفاهيم السابقة على الحداثة المفاهيم القديمة. الهزة الكبرى التي يحدثها تطور الاقتصاد والاجتماع بشكل رجراج لم تحدث. التطور بطيء. هم يخوضون مرحلة الصدام مع قانون التطور الذي يزعق. في أوروبا وقع الصدام مبكراً وانتهى بتنحية الكنيسة، هنا لم يحدث ذلك لأن الهياكل الكلية لم تتغير بالدرجة الكافية لإحداث صدمة قوية في الطرح الديني. إنما لا مفر إطلاقاً من حدوث الصدام بين التدين بنمطه السائد الآن وبين قانون التطور الذي لا يوقفه أحد.
÷ يرفض العقل السلفي مفاهيم سياسية مثل الديموقراطية، والسيادة للشعب، والانتخابات، ولكنهم في الفترة الأخيرة اضطروا للقبول بها، وبدأ الحديث عن «الصندوق الانتخابي» حتى لو كان ذلك لأغراض براغماتية، هل تعتبر ذلك تغييراً؟
} طبعاً على المستوى السياسي الاحتكاك بالفكرة المدنية والاحتكاك بالقوى المدنية والاحتكاك بالدولة بشكل مغاير أحدث هذا التغيير، كان احتكاك السلفيين السابق أنهم تحت الاعتقال، وتحت ضغط خصم باستمرار. علاقتهم متوترة جداً مع الدولة التي هي من وجهة نظرهم إما كافرة أو ظالمة وجزء يكفرها وجزء يقر الخروج عليها وجزء كثير من الالتحائيين غير معني بممارسة السياسة ولا بالاصطدام بفكرة الدولة وغير وارد للعقل السلفي أن يدخل في السياسة. في ما بعد الثورة وجدوا فراغاً وكتلة تصويتية كبيرة يمكن أن تلعب دورا كبيرا وتأخذ مغانم كثيرة. وأتصور أن هناك من استغل اللحظة ووجه هذه الجموع الجاهزة كجموع وكقوة وسيّرها في هذا الاتجاه. التغيير في وسائط الاتصال بالآخر وكذلك في كيفية استغلال هذه الوسائط الجديدة عليهم لحمل المضمون القديم الذين يعيشون به.
÷ هل ممكن أن ينجح هذا؟ بعد الدستور وبعد وضع المادة الرابعة التي تعطي للأزهر سلطة واعتماد مبادئ الشريعة على مذاهب أهل السنة والجماعة؟ هل هذا يمكن أن يساعد السلفيين على تطبيق هذا المضمون القديم الذي يحملونه على المجتمع؟
} صعب جداً لأنه خلال الـ 200 عام الأخيرة تكوّنت كتلة مدنية صلبة. السلفيون انتقلوا من مرحلة اللا ثقة التامة في النفس نتيجة شعورهم بالاستضعاف إلى النقيض الكامل. أصبحوا قادرين على فرض رؤيتهم علناً وهذا فضلاً عن كونه خطأ فإنه خطر كبير. المقاومة التي تبديها القوى المدنية الأساسية الموجودة الآن ضرورية جداً. والصراع الموجود حالياً هو طبيعي بل هو الشيء الطبيعي الوحيد لأنه وفقاً للسياق التاريخي لقانون التطور الذي هو صراع بين تطور الاجتماع ودوغماتية الدين التي تعطى قداسة تمنع القابلية للتغير. السلفي يقول إنه لا تغيير لأنه إلهي وسماوي رغم أن جزءاً كبيراً منه بشري وبين قانون التطور الطبيعي الذي لا يستطيع أحد أن يقف في طريقه لأنه سنة الحياة بالاستقراء وليس بالاستنباط. نحن نتحدث عن واقع. لا مفر أن الدنيا تتغير وأن الثابت الذي لا يتزحزح ويصمّم على ذلك يجرفه التاريخ. هذا هو سياق التاريخ الذي حدث عشرات المرات في مراحل التطور، ولكننا نتكلم عن مرحلتين كبيرتين من التطور على المستوى العام فالحداثة بالمعنى الدارج دون الدخول في تفاصيلها. العالم قبل الحداثة كان التغيير يتم فيه بشكل بطيء جداً. قبل عصور الحداثة كان يمكن أن تمر أربعة آلاف عام بالسياق نفسه من دون تغير حدث في البشرية. الآن بعد الحداثة بسبب الميكانزم الجديد والآليات الجديدة التغير يمكن أن يحدث كل عشر سنوات وربما كل سنة. وتيرة التطور أصبحت متسارعة ولذلك طوال الفترة السابقة على الحداثة لم يحدث اصطدام حاد ومباشر بين قواعد الدين الثابتة وبين قانون التطور لأن الهياكل الكلية التي كانت موجودة هي ذاتها التي أنتجت الدين. الاختبار الحقيقي للدين أو للتدين هو فيما بعد الحداثة لأن الحداثة أنتجت وتيرة متسارعة وعريضة وعميقة في التطور على المستويين الأفقي والرأسي يعجل بحركة الصدام، هذا حدث في أوروبا وبسرعة شديدة لأن التطور في الهياكل كان واضحاً. هنا التطور في الهياكل مازال غير واضح عندنا، هناك تطورات طفيفة في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والعقلية. هذا لا يمنع أن هناك اختلافاً داخلياً بين المناطق الإسلامية. هناك مناطق أسرع من مناطق في التطور وهذا يلقي بأثره. عندما نقارن منطقة مثل الخليج قبل النفط مع منطقة مثل مصر أو تركيا، الهياكل الكلية التي تطورت في مصر وتركيا والتي بدأت في القرن التاسع عشر أسفرت عن تنحية الشريعة الإسلامية وأصبح هناك قوانين وضعية. هذا أمر لم يحدث في الخليج قبل النفط، لأنه لم يحدث فيه أي تطور على مستوى الهياكل الكلية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي لم يحدث صدام كبير.
÷ لكن هناك دول مثل السعودية عندها نفط ولم يحدث تغيير كبير فيها لا تزال السيطرة للقوى المحافظة؟
} بعد النفط نصنع مقارنة أخرى بين الخليج ذاته قبل النفط وبعد النفط والتداعيات الاجتماعية والعقلية والاقتصادية التي ترتبت على ظهور النفط أدت إلى إحداث حركة اهتزاز تطورية وعلى الرغم من استمرار القوى المحافظة هناك بالوعي بذاتها إلا أنك لا تستطيع إغفال بدايات التململ الناجمة بوتيرة متسارعة في دبي والمناطق الأكثر كوزموبوليتانية.
÷ ما هو مستقبل الحركة السلفية في مصر تحديداً بعد اتصال السلفيين بالقوى المدنية وتنازلهم عن بعض الأشياء التي كانوا مصرّين عليها واعترافهم بالديموقراطية؟
} جزء كبير منهم سوف يتم تهذيب رؤيته ويستمر في ممارسة السياسة ويتضاءل، بينما جزء آخر سينصرف إلى سلفيته التقليدية وسينقلب جزء سياسي منه على الإخوان في أي لحظة لأن هناك خلافاً جذرياً بين التكوين الإخواني والتكوين السلفي. التكوين الإخواني نشأ أصلاً حتى لا يكون سلفياً. التكوين السيكولوجي والذهني لشخصية الإخواني التي بدأت منذ حسن البنا وكرّسها أنهم يريدون تقديم رؤية تختلف عن الرؤية السلفية التقليدية التي تتحدث عن الفقه والدين بهذا الشكل القديم. قدّموا رؤية مختلفة فيها التصاق أكثر بالمجتمع وبالمناطق الأعلى من المجتمع، بالدولة والسلطة. الإخوان سياسيون بحكم تكوينهم وهم مختلفون جذرياً عن السلفيين. السلفيون ينظرون تقليدياً نظرة توجّس للإخوان ونظرة استعلاء، بل يعيبون عليهم عدم السلفية أو الإغراق في الانبطاح أمام الحداثة وهذا هو صميم مفهوم السلفية المتعفن، إنك كلما كنت حداثياً كنت سيئاً وكنت خارجاً عن الدين. توجس طبيعي من فكرة الحداثة.
÷ هل ترى أن تمرير الدستور المصري انتصار للجزء السلفي في المجتمع؟
} هو الجزء الوحيد الذي انتصر، وهو من وجهة نظر الإخوان، فيما أعتقد، كان وسيلة لاستمرار الحصول على تأييد السلفيين لأسباب براغماتية انتخابية بحتة. هذه لعبة ورقة سياسية من وجهة نظري. الخطر الأساسي في الدستور في المادة الرابعة وفي المادة 219 التي تتكلم عن الأحكام الفقهية شيء خطير جداً. دخول الأحكام الفقهية في مبادئ الشريعة جعلت الأحكام الفقهية مرجعية دستورية تهيمن على القوانين عند التشريع. أولا لأن الأحكام الفقهية ترجع إلى منظومة القرن الرابع الهجري الذي تبلورت فيه المنظومة الفقهية وبالتالي تنقل مفاهيم التاريخ الاجتماعي لأزمان بعيدة وتستخدم كلاماً عفا عليه الزمن لأنه ناتج عن احتكاك النص بالواقع الاجتماعي. يعني ذلك انه كلام بشري. إذن هي أولاً تستخدم كتلة تاريخية من الماضي وهي ثانيا محملة بمخاطر الاختلاف العريض والواسع. فقه مَن؟ فقه أحمد ابن حنبل أم أبو حنيفة أم الشافعي أم المذاهب الأخرى غير المعروفة بتفاصيلها الاختلافية المتنوعة. كتلة هائلة من الماضي المضاد لحركة التطور وحركة التاريخ. المادة الأخرى التي لا تقل خطورة هي مادة مرجعية الأزهر باعتباره هيئة مرجعية للحسم والفصل في ما يتعلق بالشريعة. هذا بمعناه باختصار شديد إنشاء كنيسة في الإسلام وتعيد تقوية المؤسسة الكابسة فوق الروح الإنساني التي تحشرك في نمط تدين مفروض عليك. المؤسسة الفقهية لعبت دوراً تخريبياً في التدين ومارست قمعاً تاريخياً متواصلاً على الروح الإنساني على الفرد الإنساني، وبالتالي مارست قمعاً هائلاً على الحرية والعقل، وهذا شيء خطير جداً من وجهة نظري إضافة إلى أنه في المقابل لا يزال الدستور قائماً لأسباب تلفيقية لأن اللجنة التي صاغت الدستور لفقته لترضي آخرين في صفقات انتخابية. لا يجوز وأنت تصنع دستوراً أن تلعب سياسة لأن الدستور سابق على السياسة وعلى فكرة الصراع السياسي. الإخوان المهيمنون أرضوا السلفيين بهذا النص أما الخلفية المدنية التي ينبغي أن تظل قائمة بحكم دعواهم اننا دولة ديمقراطية ونقبل بالتعددية جعلت القصور الذاتي استمراراً للنص الذي يقول إن الدولة ديموقراطية. هذا تناقض جذري مع مفهوم المادة 219 ومع مفهوم المادة الرابعة في حالة وجود محكمة دستورية حقيقية، وهذا ما أشك فيه لأسباب كثيرة تتعلق بالتكوين الحالي. في حالة وجود محكمة دستورية حقيقية يمكن الالتفاف على المادة 219 استناداً إلى نصوص الدستور التي تتحدّث عن مفاهيم حرية التعبير المنصوص عليها ومفاهيم حرية الرأي والعقيدة.
÷ ترى أن ما بين الإخوان والسلفيين تحالف سياسي وليست قرابة دينية.. ما وجهة نظرك هل يمكن أن يحقق هذا التحالف حلم الخلافة الإسلامية؟
} لا يمكن إطلاقاً. هذا ضد حركة التاريخ، وأظن ان الإخوان يدركون هذا تماماً بل هم في أدبياتهم الأخيرة أعلنوا أنهم يعتنقون الديموقراطية والتعددية والدولة المدنية بالشكل الحالي الديموقراطي وليس الشكل الذي يمكن تأويله.
÷ لكن خطابات الإخوان يمكن تأويلها طوال الوقت؟
} هذا حقيقي، والإخوان حسب ما أرى براغماتيون والانتماء الأصلي لهم لفكرة التنظيم لا المضمون الإسلامي على حساب الفكرة التي أنشأت التنظيم ذاته. هيمنة الفكر التنظيمي عيب من عيوب الجمعيات الأيديولوجية عموماً لكنه في الإخوان واضح وصريح.
÷ لماذا ترى أن حلم الخلافة لن يتحقق بخلاف فكرة أنه ضد التاريخ؟
} لا توجد أدوات لتحقيقه لأن التاريخ ضده. الخلافة معناها في حقيقتها نظام حكم أوتوقراطي فردي نشأ في ظروف حكم معينة بالاستعارة من الجاهلية العربية في أساسه واستمرّ في ظروف قمعية استبدادية كرّست فكرة الاستبداد ومقبولية الاستبداد الذي تم تنظيره وتم تقنين ولاية المتغلب وتم تقنين القهر.
÷ كنت تتابع الثورة المصرية وهل كنت تتوقع أن تكون هناك ثورة شعاراتها «عيش، حرية، كرامة» تقع في حجر الإسلاميين بهذه الطريقة؟
} لا، أنا لا أخفيك، شعرت بالاستياء لأول مرة عندما رأيت يوسف القرضاوي يصلي في ميدان التحرير. شعرت وقتها بالخطر على الثورة وعلى وجهها المدني. رأيت أن الوجه المخيف يفرض نفسه على الموقع وأتصور أن البدايات الأولى للثورة اعتراض مدني بطبعه وفي حقيقته وفي أدواته وأن الذي فجّر الثورة العقل المدني، ورغم ذلك كان الإخوان ببراغماتيتهم المعهودة على وعي بمخاوف القوى الأخرى الداخلية والخارجية وعينهم على الخارج أكثر، صمتوا، ولكن انقضوا على الثورة.
محمد شعير: السفير
إضافة تعليق جديد