عجاج سليم يتحدث عن الحدود بين التاريخ والأسطورة
ارتبطت الرموز الأوغاريتية بالحياة ، والطبيعة ودوراتها الفصلية ارتباطاً وثيقاً. فلم يكن المعنى الديني المتضمن في الأساطير والعبادات الكنعانية عموماً والأوغاريتية خصوصاً.
لينفصل عن الأرض والخصب والغلال. وتتبدى الرموز في أشكالها المتعددة أكانت أسماء أو صفات أو أشكالاً أو حتى معاني، كجزء لا يتجزأ من حياة الناس، وفي الوقت نفسه نراها لا تنفصل عن منظور كوني يشمل عوالم الإنسان والطبيعة والكون. وتشير الرمزية والأوغاريتية إلى صراع دائم ودوري بين قوى الخير والمطر والخصب. كما تكثر الرموز والأسماء والمواقع والأساطير والنصوص الدينية والأوغاريتية حتى تشمل مساحة وممالك بعيدة عن أوغاريت نفسها.ولارتباط الأسطورة والأوغاريتية بحياة الناس فقد اعتبرت مسرحاً حياً يؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ البشرية وعن ارتباطها بالمسرح انعقدت على هامش مهرجان ملامح أوغاريتية الثامن في مدينة اللاذقية ندوة تمحورت حول الميثولوجيا الأوغاريتية والمسرح شارك فيها الدكتور عجاج سليم والدكتورة خولة الشيخة والأستاذ موسى خوري وأدار الندوة الكاتب سجيع قرقماز.
بداية تحدث الدكتور عجاج سليم عن العلاقة بيّن الميثولوجيا والمسرح فأشار إلى أن الفكر يكمن في الكلام وليس في النص بحد ذاته كما بيّن الفلاسفة، وكانت اللغة أهم ابتكار أوجده الإنسان لتوفير عالمه الخارجي والداخلي، ومن ثم استيعابه واختزاله إلى رموز مبسطة يختزنها فكره وتعود لتتشكل للآخرين حسب مرجعيتها بنطقها.
وأضاف إلى أن هناك الكثير من النحاة وفقهاء اللغة من اقتنع بأن الأسطورة مرض في اللغة وأنها نتاج لمحاولات الإنسان العقيمة للتعبير عما لا يمكن التعبيرعنه.
وما الرجوع إلى أساطير الأولين والآخرين، وإلى رموز الماضي والتاريخ والملاحم إلا من باب إعادة قراءة الكائن والممكن وقراءة الظاهر والباطن في معنى العالم والإنسان.
ثم انتقل إلى المسرح باعتباره قضية حضارية، ينشأ ويتطور في المدينة الحضارية وهذا ما يحتم تكاملية المجتمع المدني. وقد كان ارتباط المسرح بالميثولوجيا والطقوس الدينية لمختلف المجتمعات القديمة، سبباً في التعبير بشكل بصري عن التصورات والأسس الفكرية والفلسفية والمشكلات الاجتماعية للإنسان. مشيراً إلى تميز الحكاية الأسطورية بغنى صورها المليئة بالحركة والحيوية لما تحمله من مواضيع ذات خلفيات دينية درامية ساحرة، مضيفاً: إن حدود التاريخ والأسطورة في العمل الدرامي المسرحي تكمن في شحنة التاريخ والأسطورة. وإن معرفة أساطير الماضي أولاً ثم دراسة ميكانزماتها وطبقاتها وأغوارها ثانياً، ثم القدرة على تفكيكها وإعادة دمجها مع مجريات الحاضر وبنائها من جديد، ثالثاً هو الذي يمكننا من التعامل مع أساطيرنا.
ثم ألقت الدكتورة خولة الشيخة بحثاً تحدثت فيه عن جمالية النص في الأساطير الأوغاريتية، وتحديداً (بعل صافون) حيث التنوع في جمالية الأسلوب في الكلمة من خلال استخدامه للضمائر الغائب والمخاطب والمتكلم، فاستخدام ضمير الغائب وحشده في النص يساعد على تعميق الثقة في قلب المتلقي، أما استخدام ضمير المخاطب فهو أسلوب يتطلب من المبدع المشاركة في الحدث لتنتهي إلى ضمير المتكلم في التعبير عن الفرد، وقوته وجبروته وهذا ما يؤدي إلى شيوع جو من الضعف والاستكانة، منتقلة لتفسير ظاهرة موت الإنسان في الأسطورة وتمازج الضمائر في هذا الفعل ليكون أكثر إيقاظاً للسامع.
في حين تناول الأستاذ موسى خوري في بحثه رمزية الثعبان في أوغاريت من خلال دراسة الباحثة (فاليري ماتويان) التي قدمت دراسات هامة عن التصاوير الأوغاريتية من خلال دراسة قطعتين عبارة عن (شاهدة) و (حامل شعائري) فقدمت لهما دراسة غير مسبوقة اعتماداً على النصوص الأوغاريتية المعروفة، وتحمل القطعتان صورة ثعبان، وهو حيوان قليل التواتر في المصورات الأوغاريتية. أما الشاهدة فهي تمثل المسلة المعروفة بتكريم (إيل) حيث يقف رجل نبيل حاملاً صولجاناً ينتهي برأس حيوان، وترى فيه «ماتويان» شكل ثعبان منتصب. وأن الشخصين المذكورين في النص هما (شبشو وإيل) ونجد المسلة قرصاً شمسياً ورجلاً معمراً جالساً في وضعية مسالمة حيث يمكن أن يمثلا هاتين الألوهتين. القرص الشمسي الآلهة الشمسية (شبشة) أما إيل فهو إله هرم وحكيم ورحيم. وكانت زخرفة هذه المسلة عبارة عن تصوير للممارسات الوقائية، وبشكل أدق تصويراً لمعنى نص كان يسرد لطقس مخصص لإلغاء قدرة الثعابين، ومن الممكن أن تكون المسلة قد لعبت دوراً خلال الاحتفال الطقسي وأن فعاليتها كانت دائمة، حيث كانت القدرة الحامية لزخرفتها تظل فعّالة ما بعد الاحتفال الطقسي. والقطعة الثانية عبارة عن جزء من حامل شعائري، وأشار إلى أنه من الممكن تفسير مغزى التمثيل بالعودة إلى النصوص الدينية، وهو يمثل المعركة بين بعل الذي هو إله الحياة والخصب وموت (أي الموت والجفاف) ممثلاً بالثعبان.
وهذا المشهد يشير إلى فترة أخرى من دورة بعل، وهي الصراع بين هذا الإله «يم». ثم أضاف الباحث إلى أن دراسة رمزية الثعبان في النصوص والمصورات الأوغاريتية خاصة، والشرقية عموماً سيفتح إمكانات جديدة لفهم تطور الفكر الرمزي والديني، والأصول التي استقت منها حضارتنا الحديثة رموزها، مختتماً بقوله: إن الصلة واضحة بين الإله بعل (راكب السحاب) والقديس مارجرجس في الديانة المسيحية، فهذا القديس هو الذي قتل التنين وسحقه من على فرسه، تماماً كما فعل الإله بعل في الملحمة الكنعانية.
عزيزة السبيني
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد