عن الليرة والدولار والمواد الغذائية في سورية

09-05-2016

عن الليرة والدولار والمواد الغذائية في سورية

محمد صالح الفتيح: تضاعف سعر الدولار خلال أقل من عام واحد ويبدو أنه سيحقق المزيد من المكاسب في الفترة المقبلة. ما يعنيه هذا بالنسبة للشريحة الأكبر من المواطنين هو أن دخلهم أصبح تحت خط الفقر العالمي، والذي حدد في نهاية العام الماضي بإنفاق يومي مقداره 1.9 دولار للفرد الواحد (أي 57 دولاراً شهرياً). ولكن للأسف بالرغم من كل النقاش حول أسباب صعود الدولار أمام الليرة وإمكانية عودته للسابق، فإن المرجح أن يبقى سعر الدولار مرتفعاً - حتى وإن اعتدل وعاد إلى نحو 500 ليرة للدولار. مشكلة المواطن الرئيسية هي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي مشكلة سيكون لها نتائج مستقبلية في حال استمرت الأزمة لعدة سنوات أخرى وخصوصاً على الأطفال. إذ أن تردي الحمية الغذائية سينعكس على مستويات نمو الأطفال الذين يعانون اليوم، أو حتى على الأجيال التي تولد في المستقبل، بحسب ما أظهرت نتائج دراسات في فيتنام وكومبوديا على سبيل المثال. إلا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية لايعود فقط لارتفاع سعر الدولار. ويكفي هنا أن يقوم الشخص بمقارنة أسعار المواد الغذائية في الأسواق السورية مع أسواق الدول الأخرى - ليس فقط الدول المجاورة. للمقارنة مثلاً دراسة حالة السكر. يبلغ سعر الطن الواحد من السكر في الأسواق العالمية بحدود 460 دولاراً وبافتراض سعر 600 ليرة للدولار سيكون سعر الكيلوغرام الواحد نحو 275 ليرة. وإذا ما أخذنا بالحسبان أن كلفة نقل الطن الواحد من السكر من البرازيل، أكبر مصدر للسكر في العالم، إلى الشرق الأوسط هي بحدود 50 دولار للطن الواحد (هذه هي تكلفة نقله من البرازيل إلى دبي مثلاً) فهذا يجعل ثمن الكيلوغرام الواحد من السكر لحظة وصوله للميناء عند 300 إلى 305 ليرة سورية بالحد الأقصى (يمكن شحن السكر من الهند بكلفة أقل تبلغ نحو 30 دولاراً للطن ولكن الهند تصدر كميات أقل بكثير من البرازيل). في بريطانيا، اشتري كيس السكر ذي الخمسة كيلوغرام مقابل نحو 4 دولارات أميركية. بالتحويل لليرة، وأيضاً بافتراض سعر 600 ليرة للدولار، سيكون سعر الكيلوغرام الواحد نحو 480 ليرة. في أسواق دمشق اليوم، تجاوز السكر سعر 400 ليرة، ويتفاوت بشكل كبير من منطقة لأخرى (أخبرني صديقي أنه اشترى السكر اليوم بـ 440 ليرة). في حالة بريطانيا، الفرق في السعر بين السعر العالمي وسعر الوصول للمستهلك يعود بالدرجة الأولى للضرائب العالية جداً التي تشتهر بها بريطانيا. أما في سورية فيعود لمحصلة عوامل: الاحتكار، صعوبات النقل من الموانئ إلى المدن المختلفة، وصول البضاعة للمستهلك بعد أن تمر عبر عدة تجار، من المستورد الرئيسي إلى البائع الأخير، وكل منهم يضيف هامش ربح له. يمكن بالطبع تعميم حالة السكر على معظم المواد الغذائية الأخرى. ما تقوم به الحكومة السورية حالياً لتخفيض الأسعار هو التركيز على محاولة ضبط سعر الدولار في الأسواق. وهذا ما ثبت أنه مستحيل ولا يؤثر على الأسعار بشكل يفيد المستهلك العادي، وخصوصاً من الطبقة الوسطى ومادون ذلك. أحد الحلول قد يكون هو تبني التكتيكات التي تبنتها معظم الدول في حالات الحروب الطويلة وهو أن تتولى الحكومة بشكل مباشر الإشراف على تجارة المواد الغذائية الرئيسية. فبدلاً من خسارة الدولار عبر طرحه في الأسواق لرفع سعر الليرة يمكن بدلاً من ذلك تمويل صفقات مواد غذائية بشكل مباشر لتصل هذه المواد إلى الموانئ السورية. المرحلة التالية هي نقل المواد من الموانئ إلى المدن. يدعي التجار أن سبب ارتفاع كلفة النقل هو ما يقومون بدفعه هنا وهناك لتأمين مرور قوافلهم. بغض النظر عن صحة هذا القول، الحكومة تستطيع نقل قوافل أكبر حجماً وتقوم بتأمينها بشكل مباشر. وكلفة النقل بالمتوسط للطن الواحد من طرطوس، حيث يقع الميناء التجاري الرئيسي، إلى دمشق لا تزيد عن 5000 ليرة (أي 5 ليرات إضافية لكل كيلوغرام). تبقى المرحلة الثالثة والأخيرة: التوزيع داخل المدن. لا يخفى هنا أن الحرب الطاحنة قد أخرجت العديد من المؤسسات من الخدمة ولكن الحكومة استمرت بالالتزام بدفع الرواتب للموظفين الذين تم نقلهم "نظرياً" إلى مؤسسات أخرى فيما على أرض الواقع هم يتلقون رواتبهم بدون أن ينفذوا أي عمل منتج لكون عدد الموظفين يفوق بكثير حاجة تلك المؤسسات. يمكن الاستفادة من هذا الفائض من الموظفين في عمليات التوضيب والتسويق النهائية ويفترض أن هذا لن يؤثر مباشرةً على سعر المواد الغذائية باعتبار أن الحكومة في كل الأحوال مستمرة في دفع رواتب هؤلاء الموظفين. بالمحصلة، بجمع كل هذه التكاليف، وباستثناء رواتب الموظفين، سيبلغ كلفة الكيلوغرام الواحد من السكر في النهاية حوالي 310 ليرة "في الحد الأقصى" - نظرياً يمكن تخفيض الكلفة بشكل أكبر إذا ما تم استيراد السكر من الهند مثلاً وتم نقله داخل الأراضي السورية بقوافل أكبر. ولابد من الملاحظة هنا أنه إن تم البيع بهذا السعر فلن تكون الحكومة السورية قد خسرت أي شيء فسعر المبيع يعادل الكلفة. ويمكن تعميم القياس أعلاه على الكثير من المواد الغذائية المستوردة مما يؤمن تخفيض أسعارها بنحو 30% على الأقل وهذا ما ينعكس مباشرةً على مستويات المعيشة على عكس عمليات ضخ الدولار في الأسواق. وبالطبع لا يخفى على أحد المكاسب السياسية لمثل هذا الإجراءات. بالطبع الكلام المذكور أعلاه سهل نظرياً ولكن تطبيقه عملياً يواجه الكثير من الصعوبات، أقلها الصعوبات البيروقراطية، ولكنه مجرد فكرة شعرت أنه لابد من طرحها خصوصاً مع توقعي باستمرار أسعار المواد الغذائية بالارتفاع مع اقتراب شهر رمضان ووجود احتمال جدي بأن يواصل الدولار ارتفاعه الصاروخي.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...