قدرة دماغك على التحمل محدودة فلا ترهقه حتى لا يرهقك
معلومة من هنا... أخرى من هناك... اتصال من البنك لدفع الكمبيالة المستحقة... حان موعد دفع الفاتورة... هناك أغراض يجب أن أشتريها... كيف نسيت أن أكلم أصدقائي... كفى، لم أعد قادرا على التفكير... هذا ما يقوله دماغنا المسكين جراء تعرضه لتسونامي من المعلومات كل يوم...
الباحثة أنجليكا ديموكا في جامعة تامبل في الولايات المتحدة، قامت بدراسة حركة دماغ بعض المتطوعين بشأن اتخاذ القرارات من خلال إجراء صور بالرنين المغناطيسي. وتبين أنه كلما زادت المعلومات، زادت حركة الجزء الظهري الجانبي الأيمن للقشرة المخية، وهي منطقة موجودة خلف الجبهة ومسؤولة عن عملية اتخاذ القرارات، والسيطرة على العواطف.
وكلما زاد الباحثون كم المعلومات للمتطوعين، تدهورت الحركة في تلك المنطقة من الدماغ بشكل أكبر، وبلغ المتطوعون مرحلة تصبح طاقة الدماغ على استيعاب المعلومات معدومة. وفي هذه الحالة، يبدأ المرء بارتكاب أخطاء تافهة، ويتخذ قرارات خاطئة لأن المنطقة الدماغية المسؤولة عن ذلك النوع من القرارات تصبح عاجزة. واليوم مثلا «فيسبوك» و»تويتر» والبرامج اللا متناهية التي تضاف إلى الهواتف الذكية، تزيد الأمور سوءا.
أظهرت علوم «اتخاذ القرار»، أن المرء عندما يتعرض لكم كبير من المعلومات تصبح القرارات التي يتخذها أقل حكمة، ويندم عليها لاحقا. كما أظهرت هذه العلوم أن نظام اللاوعي، مسؤول عن اتخاذنا للقرارات الأكثر صوابا، وتدفق المعلومات في رأسنا قد يؤدي إلى تحييده. وأن القرارت التي تتطلب منا ابداعا، تنجح من خلال نضوج المشكلة في لاوعينا، وهذا الأمر يصبح صعبا عندما تبدأ المعلومات بالتهافت إلى دماغنا.
وبينت الأبحاث أن الذين واجهوا كما كبيرا من الخيارات كانوا غير قادرين على اتخاذ قرار. فعندما نريد أن نشتري مباشرة من الانترنت مثلا، ونقف أمام 50 خيارا بدلا من 10، يميل قرارنا إلى الخيارات الأقل أهمية. وعلى الرغم من أننا نقول دائما أننا نريد عددا أكبر من المعلومات، يعقّد ذلك علينا عملية اتخاذ القرار ويجعل قدرتنا على تحديد الخيار أمرا شبه مستحيل.
أما الدافع الرئيسي لتقليل المعلومات، فهو القدرة المحدودة للذاكرة القصيرة الأمد لأنها بالكاد تستطيع الاحتفاظ بسبعة أمور. وعندما تزيد عن سبعة يناضل الدماغ لتصنيف المعلومات، أيتها يبقي او يتخلص.
جعلت تسونامي المعلومات منا أشخاصا يتخذون قرارات فورية، على الرغم من كونها خاطئة في بعض الأحيان، بدلا من أن نتأنى في التفكير لنأخذ قرارات صائبة. ففي إدارة الأعمال مثلا، نفضل السرعة على النوعية، لأن هناك قرارات كثيرة تحتاج إلى جزم والسرعة ضرورية. وأصبح ثقل اتخاذ القرارات يرتكز على حداثة الأخبار وليس على أهميتها، وأصبحنا نعير الخبر الأخير الاهتمام الأكبر متجاهلين ما قد يكون حدث مسبقا.
لذا فمن الأفضل تحديد الأولويات، والتركيز عليها بكل بساطة. وهناك نوعان من الناس «المكتفين» الذين يبحثون عن معلومات معينة وعندما يتوصلون إليها يوقفون عن البحث، والذين يبحثون دائما عن «الأمثل» ولا يكتفون بأية معلومات، فلا يتمكنون من اتخاذ القرارات والمضي قدما.
المصدر: السفير نقلاً عن «نيوزويك»
إضافة تعليق جديد