قراءة في الحلقات الأولى لدراما البيئة الشامية

05-08-2011

قراءة في الحلقات الأولى لدراما البيئة الشامية

تبقى دراما البيئة الشامية المرغوب بها في عرف التسويق الدرامي، حتى لو كانت دراما تستنسخ نفسها عاماً بعد عام بأسماء جديدة، وبالنسيج الحكائي ذاته، والحوارات والبهارات الدرامية ذاتها من هيئة الرجال، وتفتيل شواربهم، والتلويح بخناجرهم في المعارك.. وتلك صفات تبدو كما لو أنها «عدة الشغل»، بدونها لا يستوي مسلسل شامي، وإلا فهو على حافة المغامرة.. مغامرة التسويق الإنتاجي والجماهيري في آن معاً. مغامرة لا تأتي من عدم ضمانة جودة ما يقدم خارج الصورة النمطية للدراما الشامية، وإنما تأتي من سيادة هذه الصورة على عقل المشاهد والفضائيات، من دون أن يعني ذلك أن الصورة الجديدة تحررت تماماً من الصورة القديمة، ولا سيما لجهة الفرز الواضح بين طرفي الصراع الدرامي، الذي سيطر على الأعمال الشامية الأربعة التي تقدم هذا العام وهي «طالع الفضة»، و«الزعيم»، و«رجال العز»، و« الدبور 2»!مشهد من «رجال العز»
الحلقات الأولى المعروضة حتى اليوم من هذه المسلسلات لا تكفي بالطبع لتكوين فكرة عن مستوى هذه الأعمال، إلا أنها تكفي لالتماس مواضع الخلاف والمغامرة، والاستنساخ الفاقع أيضاً.
مغامرة هذا العام يخوضها مسلسل «طالع الفضة» للكاتبين عنود الخالد والفنان عباس النوري، والمخرج سيف الدين سبيعي. وهي مغامرة تعلن عن نفسها منذ الحلقة الأولى، حيث لا الشكل ولا الحكاية تقارب الصورة النمطية لبيئة الدراما الشامية، ولا سيما مع التحديد الزماني والمكاني للحـكاية (نهاية الدولة العثمانية، وحرب الترعة التي تخوضها السلطنة العثمانية)، وتقديم شخـصية تاريخية معروفة مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وما يرافقها من صراع مع الاحتلال العثماني. فضلاً عن المعالم الواضحة لتلك الفترة، حيث لا سيادة للزي الشامي التقليدي، وإنما تنوع يتبع المرجعيات الاجتماعية والعلمية للسكان، ولا إنكفاء مطلق للمرأة في بيتها، ولا لون واحد للنسيج الاجتماعي المكون للحارة، حيث نجد في هذا الحي المسلم إلى جانب المسيحي واليهودي، وهؤلاء جزء من الحكاية وليسوا جانباً فلكــلورياً فيها.. وعند هذا الحد ينتهي تحدي الـصورة النــمطية، ليبدأ تحدي اختلاف الحكاية التي تحتاج لأيام أخرى لتكتمل ملامحها، وإن كان ما بدا منها حتى الآن هو «صراع ورثة على حقوق من ورثوا عنه».
بدا «رجال العز» للكاتب طلال مارديني والمخرج علاء الدين كوكش منذ حلقاته الأولى أسير الاستنساخ. وبغض النظر كيف ستسير حكايته في الأيام القادمة واخــتلافها عن سواها، إلا أنه من الصعب أن نزيح من ذاكراتنا حكاية مسلسل «الدبور1»، حتى أن مشهداًُ (ماستر) لبطل الحكاية عبود (قصي خولي) عرض في الحلقة الثانية بدا كما لو أنه هارب من مسلسل «الدبور1». ففي هذا المشهد يدخل عبود إلى حارة اللوز، عائداً من السجن، بينما يتجمع أهل الحارة متعجبين من عودته، يخرجون من محلاتهم، وينبثق من بينهم الزعيم فجأة، ليقف أمام أهل حــارته في مواجــهة عبود الذي يتوعد أهل حارته الذين ظلموه بالأسلوب التقليدي ذاته: «قلبي مليان منكم خيرات الله.. يا أهل حارتي.. كل يـوم بدي أعمل عي (مشكلة).. وحـياة من زرع هالشوارب.. هتندموا على كل شي عملتوه».. هذا المشهد يتقاطع مع عودة خطاب (سامر المصري) إلى حارته في مسلسل «الدبور» وتوعده أهل الحارة.
أما مسلسل «الزعيم» للكاتب وفيق الزعيم والمخرجين مؤمن وبسام الملا فيمــسك العصا من النصف، إذ يحافظ على ما أحــبه النــاس في الصورة التقلــيدية لدراما البيــئة الشامية، ويحاول تجنب ما انتقد فيها، مع إخلاصه لروح الحكاية الاجتماعية الافتراضية، مستنداً الى خلفية زمنية محددة في نهاية العهد الفيصلي، وصولاً إلى فترة «إنذار غورو» الشهير.
ما سبق ليس قراءة نقدية، بل محاولة استشراف مضامين قياساً بما عرض من أعمال مشابهة خلال السنوات الفائتة. لتبقى القراءة النقدية رهن العرض.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...