قمة باريس الاقتصادية اليوم.. نحو تأميم جزئي للمصارف الأوروبية

التقط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرسالة التي وجهها اجتماع وزراء اقتصاد “الدول السبع” في واشنطن، وسارع إلى الدعوة لقمة في باريس اليوم لدول “أورو غروب” (15 دولة أوروبية تتعامل باليورو)، في محاولة أوروبية جديدة لمواجهة الأزمة المالية الآخذة في التفاقم. وفي حين ساد الاعتقاد بأن حمى الاسواق المالية سوف تهدأ نسبيا في طريق العودة نحو الوضع الطبيعي، بمجرد بدء اجتماع الوزراء السبعة يوم الجمعة الماضي في العاصمة الأمريكية، فإن التجاوب لم يكن على مستوى التقديرات، وأغلقت كافة المؤشرات المالية الدولية في انخفاض شديد، من بورصة طوكيو الى نيويورك، مرورا بأوروبا، وقد لوحظ ان الغالبية العظمى من الأسواق بقيت تتصرف بتوتر، ولم تنتظر حتى صدور البيان الختامي الذي تأخر بسبب امتداد التداول حتى منتصف الليل، ولكنه خرج لأول مرة في صيغة “خطة عمل” مكونة من خمس نقاط، وتلاه تصريح وزير المالية الأمريكي بولسون الذي يشكل محطة فارقة في مسار الأزمة، حيث اعلن بأن وزارته “جاهزة للمشاركة في رأسمال المصارف، التي تعاني من أوضاع صعبة”، ومعنى ذلك هو السير في طريق التأميم الجزئي للمصارف الأمريكية.

كان الأوروبيون يعتقدون ان في وسعهم تهدئة العاصفة المالية، حتى القمة الأوروبية المقررة في منتصف الشهر الجاري، لكي يتداولوا في إمكانية اتخاذ اجراءات شاملة على المستوى الأوروبي ككل، ولكن استمرار التراجع في الاسواق المالية، وعدم تجاوبها مع كافة محاولات العلاج حتى الآن، اضطرهم إلى التفكير في اتخاذ اجراءات سريعة وشبه جذرية، ولهذا بادر الرئيس الفرنسي بوصفه الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي، إلى التشاور مع زعماء الدول الأساسية والمعنية مباشرة (المانيا، بريطانيا، ايطاليا، اسبانيا) في مجموعة “أورو غروب”، من أجل عقد قمة عاجلة اليوم في باريس، وعدم الانتظار حتى الموعد المضروب للقمة الأوروبية.

وحسب مصادر مطلعة في العاصمة الفرنسية، فإن التعجيل بالقمة تقف من خلفه عدة اسباب: الأول هو ضرورة ارسال اشارة صريحة الى الاسواق المالية مفادها، ان أوروبا تتبنى خطة “النقاط الخمس”، وتساند كافة جهود الولايات المتحدة من أجل وضع حد للتدهور الحاصل، وقد لخصت وزيرة الاقتصاد الفرنسي كريستين لاغارد الوضع الجديد، في تصريح ادلت به في واشنطن، حين قالت “اليوم نحن والولايات المتحدة معا”، والمقصود من ذلك تهدئة بعض المخاوف الأوروبية، بصدد عدم القدرة على تكوين جبهة موحدة أمريكية أوروبية. والثاني هو اتخاذ قرار قطعي ونهائي بتبني اجراءات أوروبية مشتركة، حاسمة وملزمة، ويأتي ذلك بعد حوالي أسبوع على القمة الرباعية التي شهدها “الإليزيه”، وضمت إلى الرئيس الفرنسي كلاً من زعماء المانيا وبريطانيا وايطاليا، ولكنها انتهت من دون اتفاق على موقف مشترك، بسبب الموقفين الالماني والبريطاني الرافضين بصراحة لأية تدابير أوروبية موحدة لمواجهة الازمة، وذلك لاعتقاد كل من البلدين من ناحية، بأن نظامه المصرفي محكم بالقدر الذي يمكنه من مواجهة الأزمة بمفرده، ومن ناحية ثانية ، مخافة ان يترتب على الاجراءات الموحدة تحمل اعباء الافلاسات المصرفية التي قد تحصل في هذا البلد الأوروبي او ذاك، وإلزام البلدان ذات الاقتصادات المتينة مثل ألمانيا، بتقديم الدعم لنظيرتها الأوروبية المعرضة للأزمة مثل بلجيكا، ولكن المفاجأة التي لم تكن منتظرة كانت ان العدوى انتقلت الى بريطانيا وألمانيا، قبل ان تضرب دولا أوروبية أخرى، وهذا ما يفسر اليوم حرص لندن وبرلين الشديد على تنسيق المواقف من جهة، ويقوي في قمة اليوم موقف الاطراف الداعية الى التنسيق والتعاون، واعتماد سياسة أوروبية مشتركة، وعلى رأس هؤلاء ساركوزي.

أما السبب الثالث للتعجيل بالقمة فهو قناعة باريس، بأن الازمة تحتاج الى متابعة على مدار اللحظة، وبالتالي ليس هناك وقت لكي يضيع في الانتظار، حتى منتصف الشهر الجاري موعد انعقاد القمة الأوروبية، وعليه فإن اختيار اليوم الاحد لانعقاد قمة “أورو غروب”، هو بمثابة رسالة قوية للاسواق المالية التي تستأنف عملها غداً الاثنين، فحواها أن أوروبا جبهة واحدة مع الولايات المتحدة، في تبني خطة “النقاط الخمس” الرامية الى اتخاذ اجراءات تهدف الى اعادة الثقة، وتقديم الدعم ل”المؤسسات المالية الهامة للحيلولة دون افلاسها”، والعمل على “تأمين السيولة المالية بين المصارف”، وفي ذلك ضمانات صريحة لحماية المصارف والمودعين، وإطلاق القروض.

وفي كافة الأحوال تؤكد المصادر الفرنسية ان الخيارات محدودة جدا امام القمة الأوروبية اليوم، فهي اما أن تخرج باتفاق من حول التأميم الجزئي للمصارف المعرضة للأزمة، أو عليها أن تنتظر تداعيات لا تحمد عقباها.

بشير البكر

المصدر: الخليج