كامو الرجل الذي كان دائماً على حق
في كتاب «النظام الفوضوي» الصادر عن دار «فلاماريون» للنشر لعام 2012، يعيد الكاتب ميشيل أونفراي لـ «ألبير كامو» اعتباره كفيلسوف في القرن العشرين.
كتاب «ميشيل أونفراي», هو نصب تذكاري رائع يعبر عن عظمة مؤلف رواية «الغريب» أكثر من كونه سيرة ذاتية عن حياة هذا الكاتب. في كتاب «النظام الفوضوي» الذي شرح الكاتب عنوانه بـ«الحياة الفلسفية لألبير كامو» وضع «أونفراي» «كامو» في مكانه الصحيح في أعلى قائمة أكبر شخصيات القرن العشرين.
ما يجعل هذا العمل لا يقاوَم هو طريقة «أونفراي» في الكتابة وحرارته التي تصهر القارئ والتي تشبه تماماً طريقة كتابة «كامو». ولا يأتي هذا بلا مسوغ، فكلاهما يتشاركان الحالة نفسها. فالأب عامل زراعي والأم مدبرة منزل، وكلاهما قدما ليعيشا في بلاد ليست بلادهما. «ألبير كامو» الفرنسي الذي عاش في الجزائر و«ميشيل أونفراي» الذي عاش في نورمانديا، عاشا غريبين في نظام باريسي. وفي الحالتين هناك نوع من الإلهام سمح لهذين الشابين بأن يصبحا على الاقل ما هما عليه.
بالنسبة لـ «أونفراي» هناك نوعان من الفلاسفة.. الأول، يعيد الانسان إلى مفاهيم, ليصل به إلى أجزاءٍ نقية من الروح. والآخر، كما «سقراط» والفيلسوف اليوناني «إبيكورس» و«ألبير كامو» يعتمدون مبدأ نحت الذات حتى نصل إلى بناء شخصنا الذي نتمنى أنه سيعطي معنى لحياتنا. ربما لهذا السبب لم يركب «كامو» موجة واحدة. والبرهان على هذا روايته الشهيرة «الغريب» الكتاب الذي مازال منذ عقود من أكثر الكتب مبيعاً، ويعد كتاباً تعليمياً لطلاب المرحلة الثانوية.
كتاب «اسطورة سيزيف» (الرجل الذي حكم عليه إله الموت في الأساطير الاغريقية بأن يدفع صخرة إلى أعلى قمة، وما أن يصل إلى الأعلى حتى تتدحرج من جديد إلى الأسفل) أو كتاب «الرجل الثائر» من تأليف «ميشيل أونفري» فقد حصدا النجاح منذ اليوم الأول، ومسرحية «كاليغولا» (Caligula) تحفة أعماله مازالت تعرض إلى الآن وتلاقي النجاح تلو الآخر. وهناك أيضاً العديد من الكتب كـ «الزفاف» الذي كان قد كتبه عندما كان في الثالثة والعشرين من العمر, يحمل الرونق نفسه الذي حملته كتبه بعد أن ظهر على الساحة الأدبية.
قوة «كامو» هي أنه كان كاتب عصره, ولكنه كان أيضاً خارجه. ووفيّاً مهما واجه من مهانة أو إساءة، ولم يقع في أي خدعة من خدع عصره. ومنذ أن توفي في حادث سيارة في 4 كانون الثاني عام 1960 ، أصبح موجة لا يمكن إيقافها ولا تبطل موضتها. فقد ربح بعد موته المعركة ضد «جان بول سارتر» الذي بالرغم من موهبته وضراوته، لم يترك خلفه في النهاية سوى شيئين جيدين؛ «الكلمات» التي هي الحلي التي جمل بها سيرته الذاتية، و«عصر سارتر» وظهور بعض الأشخاص الذين جعلوا منه فيما بعد بطلاً خيالياً جميلاً في عصره.
أما ما تبقى، فهو أن أعمال «سارتر» أصبحت لا تقرأ كثيراً على عكس أعمال «كامو» الذي بقي رجل كل العصور. فمسرحيات «سارتر» كـ «المومس الموقرة» غير قابلة للعرض على خشبة المسرح، ومحاكاته للفيلسوف الألماني «إدغر» في أعماله، لا تحمل حتى رونقاً ليتم طباعتها مراراً، هذا ولم نحك بعد عن رواياته، وكي أبقى لطيفاً في نقدي له.. التي لها الأثر نفسه للنباتات العطرية من فصيلة الساجيّات. وموقفه خلال فترة الاحتلال النازي لفرنسا لم يساعده على التألق، وفق ما ذكر «أونفراي». أما رفيقة درب «سارتر» «سيمون دوبوفوار»، فقد صبت جل اهتمامها على بناء اسطورة من رجلها لترفعه فوق الجميع وتجعله يظهر، فكان كتاباها «الجنس الآخر» و«العلامة».
وفي كتابها «ذكريات فتاة شابة مرتبة» كتبت «سيمون دوبوفوار»: «يبدو لي أن الأرض لا تُسكَن إذا لم يكن لدي شخص أعجب به». وبفضل «ميشيل أونفراي» وكتابه «النظام الفوضوي»، لا تزال الأرض تُسكَن.. لقد سمح لنا من الآن فصاعداً بأن نستمر في إعجابنا بـ «كامو» من دون تحفظٍ.
ترجمة: ديالى غنم
عن مجلة لوبوان
إضافة تعليق جديد