كمال الشناوي من الرسم والنضال إلى أدوار الباش مهندس
لا شك في أن أيَّ مهتمٍّ بالسينما المصرية وتاريخها، لا يمكن ان يخطر في باله عند الحديث عن هذا التاريخ، ايُّ اسم آخر غير اسم كمال الشناوي كفتى أوّل خلال العصر الذهب لهذه السينما، أي خلال الفترة الممتدة من أواخر أربعينات القرن العشرين الى نهاية السبعينات. فكمال الشناوي، ومن دون منافسين جديين، جسّد خلال تلك المرحلة صورة البطل الشاب الناجح الوسيم والمتأنق دائماً، في العدد الأكبر من عشرات الأفلام التي مثّلها. وكان واضحاً أن تلك المواصفات هي ما سهّل لعبة التماهي المطلقة بينه وبين الجمهور، خصوصاً في أفلامه الأكثر شعبية. أما في الجانب الآخر من عمله، فإن لعبة التماهي لم تكن على المقدار ذاته من النجاح والقبول الجماهيريَين، ذلك لأن مخرجين كباراً من طينة يوسف شاهين وكمال الشيخ، ثم لاحقاً خيري بشارة وعلي بدرخان، فضلوا أن يستخدموا في أفلام مثل «اللص والكلاب» و «العوامة رقم 70» و «الكرنك» وغيرها، طاقاته الفنية التي بدت تحت إدارتهم استثنائيةً، لا وسامته والصورة التي عُهِدت عنه عند بداياته. من هنا، تبدو مسيرة الشناوي، الراحل فجر أمس عن 89 عاما، وكأنها صراع دائم بين «جوّانية» المبدع الحقيقي فيه و «برّانية» الفتى الوسيم، الذي لا شك قدّم، بطوله الأنيق وتصفيفة شعره العصرية وأناقة بدلاته الأوروبية المستقيمة، ناهيك بالمكر الطريف الذي كان مطلوباً منه في أدواره الجماهيرية، صورة تُحتذى بالنسبة الى الشبان المصريين والعرب إبان الانزياحات الطبقية الكبرى يوم ولدت شخصية «الباش مهندس» الصاعدة.
ترى كم فيلماً مثّل كمال الشناوي بين أدائه دوره الأول تحت إدارة نيازي مصطفى في «غني حرب» بين 1947 و1948، وخلوده الى الهدوء آخر أيامه بعد رحيل ابنه في حادث قبل سنتين، واتخاذه القرار النهائي بعدم العودة الى التمثيل في أفلام لم يعد يجد فيها نكهة الماضي الجميل؟
من الصعب أن نجيب في شكل قاطع، ولكن يمكن القول إن أفلامه لا تقلّ عن 170 فيلماً معظمها حقق نجاحات كبيرة وانقسمت بين مميزة وجماهيرية، وكان القسمان يلتقيان في أحيان كثيرة. مع هذا كلّه، لا بد من الإشارة الى أن كمال الشناوي كان دائماً يفضّل الرسم على التمثيل... كما كان يفضّل الحديث عن السياسة على الحديث عن الفن، هو الذي لم يكن يحب ان ينسى أبداً أنه بدأ مساره الحياتي مناضلاً شيوعياً في صفوف «الحركة الديموقراطية» (حدتو)، كما بدأ إبداعه رساماً، بل حتى أستاذاً للرسم... ومع هذا، انصبّت شهرته على كونه ممثلاً، انتزع البطولة من مجايلين له لم يكونوا يقلّون عنه إبداعاً وقدرة على منافسة بطولات المطربين، من أمثال محمد فوزي وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ.
نافس الشناوي نجوماً لامعين، من طينة عماد حمدي ويحيى شاهين وشكري سرحان، في عز تألقهم، وهو وإن لم يكن دائماً أفضلَهم أداءً، فإنه كان أكثرَهم شعبية وحضوراً، لا سيما حين شكّل ثنائياً مع شادية (ظلّت تربطه بها صداقة حتى أيامه الأخيرة)، وأدى أدواراً لا تُنسى إلى جانب فاتن حمامة وناديا لطفي.
في اختصار، يمكن القول إن كمال الشناوي ظلّ حتى رحيله، في بلد أراد له دائماً أن يدخل العصر ويسودَه التقدّم والعدالة الاجتماعية، يعيش من دون أن يكون منسيّاً. فأفلامه حاضرة وأدواره في الذاكرة، طالما أن تاريخ السينما المصرية نفسه لا يمكن أن يبارح هذه الذاكرة. وهو رحل من دون أن يعبّر عن خيبات كثيرة، لا سيما أن الأحداث الأخيرة في مصر، وهي أحداث رصدها بوعي الشيوعي السابق والفنان الدائم، طمأنته الى أن مصر في خير... وإن كان يرى أن الفنّ فيها لم يعد في خير!
إبراهيم العريس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد