كيف تنجح الكلمات في حثّ الناس على دفع الأموال؟
في شهر آب من عام 2011، استيقظ 100 ألف بريطاني على رسالةٍ ألقيت على عتبات بيوتهم. كان هؤلاء قد اختاروا تسوية ضرائبهم بأنفسهم بدلاً من حسمها مباشرةً من رواتبهم. بناءً عليه، بات مجموع ما يستحقّ على كلٍّ منهم دفعه لمصلحة الضرائب يتراوح بين 400 ومئة ألف جنيه استرليني.
قُسّمت الرسائل إلى قسمين: تلقى النصف الأول من المجموعة الرسالة المعتادة لدفع الضرائب، وتلقى النصف الآخر الرسالة نفسها تحتوي على عباراتٍ إضافية مختلفة. جرب الفريق خياراتٍ عديدة، هدف كلٍّ منها استدعاء عاملٍ نفسي مختلف.
تمثّل أحد الخيارات في جعل الشخص يشعر بالخسارة أكثر من المكسب. أضيفت عبارة «عدم دفع الضريبة يعني أننا جميعاً نخسر في مجال الخدمات العامة، مثل التأمين الصّحي الوطني والطرق والمدارس». زادت هذه الإضافة من معدلات الدفع بنسبة 1.6 في المئة.
العامل النفسي الآخر الذي تمّ اختباره هو مكسب الربح. عندما أضيفت عبارة «دفع الضرائب يعني أننا جميعاً نكسب من..» لوحظ ارتفاعٌ في نسبة دافعي الضرائب.
وركزت المنظومة الأخرى على جعل المواطن يشعر بالخوف من أن يكون مختلفاً. وعندما أضاف العلماء أيضاً ملاحظة تقول إنّ «تسعة من كلّ عشرة أشخاص يدفعون ضرائبهم في وقتها»، لوحظ ارتفاع دافعي الضرائب.
لكنّ التغير الكبير الحقيقي جاء من جعل هذه العبارات أكثر دقة. ففي تجربةٍ لاحقة، لاحظ الفريق أنّ معظم الناس دفعوا ضرائبهم، ليس ذلك فحسب، بل إنّ مدفوعات الناس الذين يقطنون في المنطقة نفسها أي جيرانهم قد ارتفعت. ولوحظ أنّ إضافة عبارة تقول إنّ معظم المدينين بضرائب مشابهة دفعوا أيضاً ما عليهم، أدّت إلى زيادة إضافية في المبالغ التي تمّ تحصيلها.
كلماتٌ بسيطة أدّت إلى تغيير تصرّفات الناس. 26 كلمة أضافتها الحكومة البريطانية على الرسائل أدّت إلى رفع معدلات الدفع بنسبة 15 في المئة، أي ما يعادل 15 مليوناً و400 ألف جنيه إضافيّة خلال 23 يوماً.
يقول مايكل هالسوورث، الذي يعمل في «وحدة التنبيه والتحفيز» التابعة للحكومة البريطانية، «كنا نعتقد أنّ الناس يأخذون في الاعتبار جميع المعلومات المتوفرة من ثم يقدّرون كلفة الخيارات المختلفة وفوائدها، لكن تشير أدلة متزايدة خلال السنوات الأربعين الأخيرة إلى أنّ ذلك ليس صحيحاً».
وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون أنشأ في عام 2010 «وحدة التنبيه والتحفيز»، التي تضمّ فريقاً من العلماء وعلماء النفس وخبراء في السياسات تتلخص مهمتهم في استخدام هذه الطريقة لتحسين التعليم والصحة ووضع الإنفاق الحكومي.
يعتمد الفريق على تقنيّة تُسمّى «التدخل النفسي الحكيم»، والمعروفة بنحو شائع بـ «تقنيّة التنبيه والتوجيه». تعني هذه التقنية توجيه صناعة القرار في الاتجاه الصحيح عن طريق عدم إبقاء طريقة تفكيرنا مغلقة.
تستغرق كثيرٌ من التنبيهات دقائق معدودة فقط، لكن أثرها قد يستمرّ لأجيال. في إحدى الدراسات تبين أن إكمال تمرين واحد لمدة ساعة أدّى إلى تحسين درجات الطلاب لمدة ثلاث سنوات.
وفي دراسة أخرى طرح سؤالٌ على المواطنين عن دوافع تصويتهم في اليوم السابق للانتخابات. وكان لتغييرٍ بسيط في صياغة السؤال أثر على زيادة أعداد المشاركين في التصويت بنسبة 11 في المئة.
وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قدّرت دراساتٌ حجمَ الإنفاق على الإعلانات الانتخابية المتلفزة بأربعة مليارات دولار. وحتى بالنسبة لأولئك الذين يقضون معظم أوقاتهم في مقاعدهم، رفعت الإعلانات المتلفزة إقبالهم على المشاركة في التصويت بنسبة 10 في المئة فقط.
ومنذ عام 2016، أقيمت وحداتُ تنبيه وتحفيز في كلٍّ من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وسنغافورة وألمانيا.
(«بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد