كيف وقعت الجريمة وما هي الظروف المحيطة بها
كان الوزير اللبناني بيار الجميل متوجهاً للقيام بواجب تعزية في منزل عائد لـ آل داغر في الشارع الموازي للمكان الذي وقعت فيه الجريمة، وبالتالي، فإن مروره كان إجبارياً من أمام كنيسة مار انطانيوس. كان الجميل يقود بنفسه سيارة من نوع «كيا» (رقم اللوحة B201881) برفقة سمير الشرتوني ومرافق آخر من آل زينون، وهما عنصران في جهاز أمن الدولة. تجدر الإشارة إلى أن الجميل لم يكن يستخدم هذه السيارة عادة، ولم تكن هناك عناصر مواكبة أو سيارة أخرى للحفاظ على أمنه. هذا مع العلم أن قوى الامن الداخلي اللبناني كانت قد خصّصت سبعة من عناصرها، إضافة الى عناصر أمن الدولة المكلفين تأمين حماية الوزير الجميل. وكان وزير الداخلية اللبناني بالوكالة أحمد فتفت قد ذكر أمس أن الوزير الجميل رفض أن يرافقه عناصر قوى الامن في تحركاته يوم استشهاده.
الساعة الثالثة وأربعون دقيقة، سمع سكان المنطقة أصواتاً قالوا إنها تشبه أصوات مفرقعات نارية، تبعها صوت اصطدام سيارتين، ثم أصوات تشبه الأولى بعد الاصطدام. وتبين لاحقاً أنه عندما وصلت سيارة الـ«كيا»، التي كان يقودها الجميل، إلى مكان يبعد حوالى خمسين متراً عن كنيسة مار انطانيوس، ومباشرة أمام بناية جورج ماكوبجي، أطلق مسلح كان يستقل سيارة من نوع هوندا (CRV)، سوداء اللون، طلقات نارية من عيار 9 ملم من رشاش (MAC 10 او SCORPIO) على الزجاج الأمامي الأيسر للسيارة، فأصيب الجميل والشرتوني الذي كان يجلس في المقعد الأمامي الأيمن. حاول الجميل الفرار من مصدر النار بزيادة سرعة السيارة، فاصطدم بالهوندا من الخلف، هذا ومن الممكن أن يكون الجناة قد تعمدوا إيقاف سيارتهم أمامه من أجل إجباره على التوقف. فتراجعت الـ«كيا» من وقع الاصطدام، واصطدمت بها من الخلف سيارة من نوع «فيات» صغيرة تابعة لشركة تجارية. عندئذ، ترجل مسلحان من الهوندا وأطلقا النار بغزارة من الجهة اليسرى للسيارة. كما عمد أحدهما إلى إطلاق النار من الجهة اليمنى، حسب ما ذكر شاهدان. تأتي هذه الرواية، بالرغم من عدم وجود آثار لطلقات نارية على الباب الأيسر تفيد بوقوع إطلاق نار من الجهة اليمنى للسيارة. قد تكون إفادات الشهود دقيقة لأن الجناة كانوا قريبين جداً من السيارة، وكانوا يطلقون النار على أجساد الشهداء من مسافة قريبة جداً، وبالتالي، قد تكون كل الطلقات التي أطلقها أحد الجناة من يمين السيارة أصابت الشهداء فقط. في هذه الأثناء خرج المرافق زينون من المقعد الخلفي وحاول الاحتماء في محلّ للأدوات الصحية في البناية المجاورة. عندذلك، قام المسلحون بإطلاق النار باتجاه مكان احتماء زينون، فأصيب عامل من الجنسية السورية في محلّ لزجاج السيارات. توجه المسلحان بعدئذ، ركضاً، نحو سيارة الهوندا التي كانت قد سبقتهم إلى جوار محطة الوقود، قرب كنيسة مار انطانيوس في أعلى الطريق، فاستقلاّها وفرّا الى جهة مجهولة.
حصلت الجريمة في شارع مار انطانيوس الحكمة، في منطقة الجديدة، وهو الشارع الداخلي الذي يربط الجديدة بنهر الموت. الاتجاه الذي سلكته سيارة الهوندا يفضي إلى طرقات عديدة، أهمها أوتوستراد بعبدات، والطريق المؤدية إلى روميه أو للصعود إلى أعالي المتن أو لمعاودة سلوك الأوتوستراد البحري بالاتجاهين (الشمال أو بيروت).
- تجمّع سكان المنطقة حول مكان الاغتيال. توقّعوا بدايةً وقوع حادث سير عادي، وقد أفادنا بعض أهالي المنطقة، ممن يبعد مكان عملهم عن مكان الجريمة بحوالى 50 متراً، أنهم أكملوا أعمالهم كالمعتاد، كونهم لم يسمعوا غير صوت الاصطدام، وأصوات ناتجة من فرامل السيارات. كانت الطريق مزدحمة كالمعتاد. وبعدما تجمّع بعض الأهالي حول السيارة وتعرفوا على الوزير الجميل، قاموا بإيقاف سيارة رباعية الدفع من نوع Discovery ، أوصل صاحبها الوزير الجميل ومرافقه إلى مستشفى مار يوسف في منطقة الدورة. بعد دقائق قليلة، وصل عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني وأمن الدولة إلى موقع الحادث. بعد مرور أكثر من ساعة على وقوع الجريمة، تم وضع شريط أصفر حول المكان، وبدأ المحققون بوضع علامات طبشور على الارض لتحديد مكان استقرار الطلقات ومكان سقوط المغلفات، إضافة إلى إشارات كرتونية كتبت عليها أرقام لتحديد عدد الطلقات.
عمل في مسرح الجريمة أكثر من جهاز أمني لبناني: حضر من قوى الامن الداخلي عناصر من الشرطة القضائية وفرع المعلومات، ومن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني. هذا وقام عناصر من فوج المغاوير في الجيش بتطويق مكان الجريمة. كذلك حضر عناصر من جهاز امن الدولة. وتشارك في التحقيق المديرية العامة للأمن العام. هذا وتجري كل التحقيقات بإشراف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد الذي حضر الى مسرح الجريمة أول من أمس. كما حضر قاضي التحقيق العسكري الاول رشيد مزهر، وبقيا على اتصال بمدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا الذي زار مستشفى مار يوسف في الدورة حيث نقل الشهيدان الجميل والشرتوني، إضافة إلى الشاهد السوري الجريح.
أما بالنسبة للظروف المحيطة بعملية الاغتيال فينكن عرضها كما يلي:
أولاً: توقيت الاغتيال قبل ساعات من مناقشة مجلس الأمن مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم ومحاولات الاغتيال الأخرى التي كانت موضع أخذ وردّ، فجاء اغتيال الجميل ليحسم الأمر بإقرار المحكمة وتفويض الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان توقيع الاتفاقية مع الحكومة اللبنانية بعد إتمام المتطلبات الدستورية المحلية.
ثانياً: اختيار محلة الجديدة مكاناً لتنفيذ الجريمة، لكون أبناء تلك المنطقة معروفين بانحيازهم وتأييدهم للتيار الوطني الحر الذي كان على النقيض من الوزير الجميل وساجله إعلامياً في شكل شبه دائم في مناسبات عديدة. وانحيازهم أيضاً الى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ميشال المر الذي يتميز بخصومته السياسية لآل الجميل تاريخياً وخصوصاً في منطقة المتن الشمالي بسبب النزاع على النفوذ السياسي، واستقطاب المؤيدين والمناصرين. ويأتي هذا الاغتيال في مرحلة تتميز بشرخ واسع في الصف السياسي المسيحي الذي بدت بعض مؤشراته عبر إقدام البعض على إحراق صور النائب العماد ميشال عون في منطقة الأشرفية ليل أول من أمس،
ثالثاً: وقوع الجريمة على بعد مئة متر من بيت الكتائب ــ إقليم المتن ــ قسم الجديدة وفي وضح النهار، ما يوحي أن شباب حزب الكتائب غير قادرين على حماية قائد بحجم الجميل لكونه حزباً غير مسلّح وكأن في ذلك دعوة صريحة الى التسلحّ وأن تقوم كل فئة أو جهة بحماية نفسها بنفسها وانشاء دويلتها الخاصة.
رابعاً: إن اغتيال الوزير الجميل يندرج في إطار استهداف قيادات وشخصيات مسيحية منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكان ضحايا هذا المسلسل الصحافي سمير قصير، وجورج حاوي، والوزير الياس المر، والإعلامية مي شدياق والنائب جبران تويني، وما بين هذه الجرائم التفجيرات التي طاولت مناطق سكنية وتجارية وسياحية في المناطق التي تسكنها غالبية مسيحية.
خامساً: تأتي هذه الجريمة ترجمةً لتحذيرات أطلقها قياديون في «14 آذار» حذروا من اغتيال عدد من الوزراء لتفقد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة نصابها الدستوري بعد استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف وتصبح في حكم المستقيلة دستورياً، والتي أُتبعت بتحذيرات من اغتيالات قد تطال نواب الأكثرية لتطيير هذه الأكثرية من البرلمان، وخصوصاً ان اغتيال الجميل حصل بعد ساعة ونصف ساعة من إطلاق النار على مكتب الوزير ميشال فرعون في منطقة الأشرفية.
سادساً: كانت للوزير الجميل مواقف سياسية وخطابات وتصريحات وإطلالات إعلامية وضعته في صف «المتطرفين» في الدفاع عن قوى 14 آذار التي انحازت في العديد من المناسبات إلى سياسة الادارة الأميركية.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد