ما المطلوب من صنّاع الدراما السورية اليوم؟
في ظل المقاطعة الفعلية من قبل بعض الفضائيات العربية، التي أعلنت بشكل مباشر أنها لن تعرض مسلسلات سورية في رمضان القادم ولن تشارك بانتاج أي منها.. ما هو دور الدراما والفنان السوري اليوم؟
«من حق أي مخرج أو منتج أن يصرح عن مشاريعه وأعماله حتى لو لم تكن للأمد المنظور، هذا جزء من نشاط إعلامي مطلوب. ولكن يبقى الأمر رهنا بمصداقيته وبقدرته على الالتزام بتصريحاته، فلا يكون الهدف منها مجرد الاستعراض الإعلامي.
الدراما في سوريا جزء حميم من المجتمع السوري، وكانت تعكس غالباً خطابه الوطني والسياسي والإنساني، وصانعو هذه الدراما هم أبناء هذا المجتمع، يتأثرون بكل ما يتفاعل فيه. ومن هنا فإن انعكاسات الأحداث المؤلمة التي تشهدها سوريا اليوم تبدو واضحة على كل من يعمل في هذا المجال، كأي مواطن مخلص وشريف، سواء على مستوى قلقه الشخصي، أو على المستوى المهني، المتأثر بظروف الحرب الحقيقية والحصار اللذين يزيدان من صعوبة العمل: الأوضاع الأمنية، غياب التمويل وفرص التسويق، وانكماش رأس المال والمنتج المحلي.
من هنا، وكما كان للدراما التلفزيونية والسينما في سوريا دورهما الإيجابي والمؤثر في الماضي، يجب أن يستمر اليوم هذا الدور رغم اختلاف مستوى التحديات وتعقيداتها، في رسالة واضحة ومباشرة بأن الفنان أو المنتج السوري، صاحب انتماء وطني، وهو يحرص على استمرارية إنتاجه وعطائه وتضحيته، إذا تطلب الأمر، لبلد قدم له الدعم والرعاية، ولشعب أحاطه دائماً بالمحبة والتكريم.. تحديات اليوم تتطلب استجابة مختلفة سواء على مستوى طبيعة المواضيع التي سنعمل عليها، أو على مستوى الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يحدث. إن سلبية الانسحاب والتقوقع والهروب مرفوضة تماماً. كلٌ منا، مطالب من موقعه، وبأقصى إمكاناته، أن يتابع عمله. الدراما السورية في معظمها لم تكن ترفاً أو سلعة كمالية، كانت تعكس فناً وثقافة مبدئيين يقف خلفهما خيرة المبدعين السوريين والعرب، وهي تعبر عن حياة المجتمع السوري ونبضه، وهي ستستمر بذلك رغم الأزمة التي تمر بها، والتي أعتقد أنها سوف تزيد من جرعة التحدي والإرادة للاستمرار على نحو أفضل مما مضى.
خلال تجربتي الطويلة في الدراما السورية واجهتُ صعوبات وتحديات كثيرة، منها توقيف مسلسل لي خلال تصويره، ومنع مسلسل آخر من العرض، لكن هذا لم يدفعني يوماً إلى الهرب والتخفي على هيئة فنان مضطهد في وطنه، مستجدياً تعاطف الغرباء، كما فعل آخرون، بل دفعني لمزيد من العمل يقيناً مني بأنني أقدم فناً وطنياً خالصاً، من واجبي التمسك به والدفاع عنه حتى النهاية، ولكن من موقعي، داخل حدود بلدي، وفي إطار عملي الذي أعرف أنه لن يكون سهلاً.
«وفي خضم هذا الصراع المبدئي، كان أداء الإعلام الرسمي مؤسفاً، ودون المستوى المطلوب. أخفق، حتى اليوم، في الاستجابة والتحدي. إن سوريا، بما يحمله تاريخها من مواقف وطنية وقومية، تستحق إعلاماً آخر، شكلاً ومضموناً، أكثر كفاءة وأقوى وأشد فاعلية، إعلام مبادر وجريء ودقيق لا ينكمش فقط في حيز ردود الفعل، إعلام يتمكن من ترسيخ الخطاب الوطني بشكل مؤثر، ومن التعبير عن الصورة الفعلية لما نواجهه، وبالتالي ايجاد المناخ الضروري لمزيد من التلاحم الوطني والقدرة على المواجهة. أعتقد أن القائمين على الإعلام يتحملون مسؤولية هذا الإخفاق الإعلامي الذي ندفع اليوم ثمنه، والذي كرس قطيعة مع منابرنا الإعلامية بكافة أشكالها، سواء داخل سوريا أو خارجها، وهذا ليس رأيي وحدي، بل رأي الكثيرين. وإذا كان حال القضاء في كل المجتمعات مؤشراً على عافيتها، فإن حال الإعلام، مؤشر حاسم لقدرة هذه المجتمعات في الدفاع عن مبادئها وقيمها.. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، سوريا بحاجة إلى إعلام يقف خلفه رجال يدركون خطورة وأبعاد ما تواجهه من سياسة الإغراق الإعلامي، والحرب النفسية، وعمليات غسيل الدماغ الجمعي».
باسل الخطيب
المصدر: السفير
التعليقات
من هو المأزوم فعليا ؟
إضافة تعليق جديد