مخاوف غربية من الاستثمارات الخليجية
يسعى الاتحاد الاوروبي الى صياغة لوائح اجرائية لتنظيم عمل صناديق الثروات السيادية، اي محافظ الاستثمار التابعة لحكومات او قادة دول، قبل عطلات اعياد الميلاد وراس السنة.
وتدور مخاوف من عدم استثمار البلدان النفطية، وبينها الدول الخليجيةـ العائدات الضخمة في الاستثمارات طويلة الأمد.
واشار المفوض الاقتصادي للاتحاد الاوروبي، يواكين المونيا، الى ان المفوضية في بروكسيل ستتقدم بمقترحات قريبا جدا للبرلمان الاوروبي وحكومات دول الاتحاد الاوروبي بهذا الشان، لكنه لم يحدد موعدا ولم يفصل ما اذا كانت الاجراءات ستكون لها قوة القانون ام لا.
لكن مصادر المفوضية تؤكد ان المقصود هو تنظيم قانوني، بما يعني سابقة في دول اقتصاد مفتوح، تلزم صناديق الاستثمار الخاصة والمغلقة بوجوب اتباع اجراءات ولوائح بدلا من التوجه الشائع وهو وضع لوائح استرشادية غالبا ما يلتزم بها الجميع.
ومن بين المقترحات التي يدرسها الاوروبيون تطوير مدونة السلوك التي وضعها صندوق النقد الدولي بشأن الصناديق الاستثمارية الخاصة وصناديق التحوط وتحويلها الى اجراءات ملزمة لصناديق الثروة السيادية.
ويخشى البريطانيون من ان اجراءات كهذه، خاصة اذا كانت في شكل قوانين، ستضر بوضع حي المال والاعمال في العاصمة البريطانية (سيتي اوف لندن) كملاذ مستقر لمثل تلك الصناديق.
اذ عبرها تنساب اموال هائلة قادمة من اسيا والشرق الاوسط وروسيا وغيرها الى لندن، بما يضمن عمليات مالية واقتصادية بالمليارات تعود بالنفع على قطاع الخدمات المالية والاقتصاد البريطاني بشكل عام. واذا كانت المانيا هي القوة المحركة الرئيسية وراء تحرك بروكسيل، فانها تلقى دعما ايضا من فرنسا.
وتخشى المانيا من استحواذ تلك الصناديق على حصص كبيرة في شركاتها الوطنية، تمشيا مع توجه الماني واضح منذ سنوات، اذ يطلق الالمان على صناديق التحوط وصناديق الاستثمار المغلقة "الجراد الجشع" ويبذلون كل ما بوسعهم للحد من نشاطها في الاقتصادهم.
وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تمكنت العام الماضي من وقف صفقة تستحوذ بموجبها شركة روسية على نصيب من شركة الاتصالات الالمانية العملاقة دويتش تليكوم، كما عملت كل من برلين وباريس على صد محاولات بنك روسي لشراء حصة من اسهم مجموعة اي ايه دي اس للصناعات الجوية والدفاعية، الشركة الام لايرباص.
وتعكف المانيا الان على انشاء هيئة للتدقيق في عمليات الاستحواذ من خارج الاتحاد الاوروبي، كذلك سنت النمسا والمجر اجراءات لضبط عمليات الاستحواذ وشراء انصبة كبيرة من اسهم شركاتها الرئيسية.
ومع ان بريطانيا تملك حق الاعتراض على القوانين المالية في الاتحاد الاوروبي، فان قوانين السوق الموحدة تتخذ باغلبية مؤهلة من الاصوات ما يعني انه يمكن تمرير مثل تلك القوانين حتى مع اعتراض بريطانيا.
ويعرب المسؤولون في بروكسيل عن قلقهم من زيادة حجم استثمارات "صناديق لها اهداف سياسية". وتعول بروكسيل على نجاحها حتى الان في صد محاولات روسية وغيرها لدخول قطاع الطاقة الاوروبي وتريد تعميم تلك التجربة وصياغتها في شكل اجراءات لها قوة القانون للاتحاد الاوروبي ككل لغلق الثغرات التي قد تستغل عبر قوانين السوق الموحدة.
واذا كانت اوروبا قلقة اساسا من تنامي الاستثمارات السيادية من روسيا والصين بالاساس، الا ان تلك الاجراءات والقوانين ستؤثر بالتاكيد على عمليات صناديق من الشرق الاوسط اصبحت محل جدل وتعليقات في الاونة الاخيرة بشكل مثير.
وتتعرض الثروات الخاصة والثروات السيادية لحملة متصاعدة في الاونة الاخيرة تزامنت مع الانكماش الائتماني العالمي نتيجة انهيار سوق العقار وازمة الاقراض العقاري في الولايات المتحدة الامريكية.
وتشهد الدول الصناعية المتقدمة موجة قلق من الاستثمارات الخاصة، خصوصا تلك التي تعود الى "صناديق الثروة السيادية"، مثل هيئة الاستثمار الكويتية وهيئة ابوظبي للاستثمار وشركة الاستثمار الصينية.
ووصل الامر الى حد المغالاة بتصريحات سياسية ديماغوغية، على غرار ما قاله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: "اننا لم نخصخص المصالح المملوكة للدولة لنراها يعاد تاميمها على يد الاجانب".
وتكاد الدعوات في الولايات المتحدة لمواجهة تلك الصناديق تقارب الحشد المعنوي في الحملات الاعلامية للتخويف من "الارهاب".
وان كانت تلك التصريحات والدعوات لها اغراض سياسية للاستهلاك المحلي في الاغلب، لكنها تعكس الضغط من احل توجه يخشى منه كثير من الاقتصاديين والمتعاملين في الاسواق، وحتى بعض المسؤولين في السلطات الاقتصادية والمالية في الدول الغربية.
وحتى عدة اشهر مضت، لم يكن احد في العالم يعلم او يهتم بما تسمى صناديق الثروة السيادية تلك، لكنها اصبحت الان محل اهتمام بعد مناقشة اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية للدول السبع الصناعية الكبرى لها في اجتماعهم نهاية اكتوبر/تشرين الاول الماضي.
ومن بين نحو اربعين صندوقا للاستثمارات الوطنية التي تملكها حكومات دول، تكون نحو نصفها منذ سنوات طويلة كوسيلة لتحوط الدول التي يعتمد اقتصادها على تصدير المواد الخام للمستقبل.
ومن الامثلة الهامة صندوق البترول الحكومي النرويجي وهيئة الاستثمار الكويتية، والتي تهدف اساسا لتجنيب جزء من عائدات مبيعات الطاقة للاستثمار للاجيال القادمة وكملاذ امان في حالة تراجع عائدات البلاد التي تعتمد على صادرات سلعة الطاقة.
ولم تثر استثمارات تلك الصناديق أي مشكلة طوال سنوات عملها الطويلة، بل على العكس كانت في الاغلب عامل من عوامل زيادة نمو الناتج المحلي الاجمالي في الدول التي تعمل بها.
لكن دخول دول جديدة في دائرة صناديق الثروة السيادية، بتخصيص جزء من فوائضها النقدية من ميزانها التجاري الايجابي الهائل ومدخراتها من العملات الاجنبية.
بدأ ذلك بكوريا الجنوبية بعدة مليارات، لكن دخول سنغافورة عبر صندوق حكومة سنغافورة ويدير ما بين 200 و350 مليار دولار، ثم الصين بشركة الاستثمارات الحكومية التي تدير 200 مليار دولار على الاقل اثار المخاوف الحمائية تلك في الدول الغربية.
ومع انه يصعب تقدير اجمالي ما تديره صناديق الاستثمار السيادية تلك، تقدر وزارة الخزانة الامريكية والبنوك الاستثمارية العالمي الكبرى ما تديره تلك الصناديق بما بين 1.9 تريليون دولار و2.5 تريليون دولار.
لكن هل هذا مبلغ كبير؟ تعتمد الاجابة على المقارنة.
نعم كبير في حد ذاته، لكن مقارنة بما في سوق العالم من اموال واستثمارات فهو قدر ضئيل جدا.
ولا نقارن هنا بحجم الاقتصاد الامريكي البالغ 12 تريليون دولار، ولا بحجم التداولات المالية المقومة بالدولار مثلا والتي تزيد عن 50 تريليون دولار، ناهيك قيمة التداولات المالية العالمية التي تصل الى 165 تريليون دولار.
في هذه الحالة يكون ما تديره الصناديق السيادية قدر ضئيل جدا.
المشكلة، على ما يبدو، هى التوجهات الاستثمارية لتلك الصناديق الوطنية التي دأبت من قبل على الاستثمار في السندات الحكومية الامريكية بالاساس وغيرها من السندات السيادية للدول الصناعية الكبرى، اضافة الى صناديق الاستثمار الخاصة.
لكن دخولها الان في مجالات الاستحواذ والاستثمار في سوق السلع وغيرها من ادوات الاستثمار التي لا تريح الدول المتقدمة هو احد اسباب القلق منها.
واذا كان استثمار تلك الصناديق في السندات الحكومية يعوض عجز موازنات الدول الكبرى عبر شراء ديونها، فان الاستثمار في اسواق السلع والاستحواذ على الشركات يفيد الاقتصاد الكلي بزيادة النشاط الاقتصادي ومن ثم نمو الناتج المحلي الاجمالي عموما.
ويصعب تخيل ان تكون الدول الغربية تفكر في ان دول النفط ستنفق عوائدها الضخمة من ارتفاع اسعار النفط بذات الطريقة التي اتبعتها في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، اي استهلاكا وترفا وليس استثمارا طويل المدى.
قد تسعى الدول المتقدمة لسن لوائح وتشريعات لكنها لن تتمكن من فرضها وسيظل الالتزام بها من قبل صناديق الاستثمار الخاصة والسيادية اختياريا.
وحتى الان لا يبدو ان تلك الصناديق تعترض، بل هي تاخذ الامر بايجابية الى حد كبير وهي تدرك انه لا يمكن للغرب ان يستغني عن الحاجة اليها وتراهن على اهمية ما تضخه في اقتصاداته من اموال.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد