مصر: البابا يعود من عزلته ولا ينهي اعتكافه
عاد البابا تواضروس، بابا الأقباط الأرثوذكس في مصر، إلى الكنيسة بعد اعتكاف غير معلن دام لستة أيام في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، إلا أن أسباب الاعتكاف لا تزال قائمة في ما يبدو.
قرار البابا بالابتعاد عن القاهرة، جاء عقب الاشتباكات الدامية التي وقعت في محيط الكاتدرائية في العباسية خلال تشييع جنازة قتلى فتنة الخصوص، وهي الاشتباكات التي تعرضت فيها الكاتدرائية، لأول مرة منذ تأسيسها قبل أكثر من 40 عاماً، إلى إطلاق الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع من قبل قوات الشرطة.
البابا استأنف نشاطه بالذهاب أولاً إلى المستشفى القبطي وسط القاهرة، ليزور المصابين في أحداث الخصوص والكاتدرائية، قبل أن يستقبل عدداً من أسر قتلى الواقعتين في المقر البابوي في لقاء مغلق لم يحضره الصحافيون، واكتفت الكنيسة وحدها بتصويره «مراعاة لمشاعر أسر الشهداء»، بحسب ما قال مصدر في الكنيسة .
لقاء البابا بعدد من أسر الضحايا، لم يستغرق أكثر من ثلاثين دقيقة، قدم فيه واجب العزاء وبشرهم بالجنة التي تنتظر أبناءهم. كما أصدرت الكنيسة بياناً عقب اللقاء تحدثت فيه عن عودة البابا إلى إلقاء عظته الأسبوعية في موعدها المعتاد يوم الأربعاء من كل أسبوع، بعدما امتنع عنها الأسبوع الماضي، في إشارة إلى عودة الأمور إلى طبيعتها. لكن البيان أشار إلى تأجيل العزاء الذي كان مقرراً إقامته في الكاتدرائية اليوم، من دون أن توضح الأسباب أو الموعد الجديد، وهو ما فتح باب التساؤلات حول ما إذا كان هذا التأجيل بناء على رغبة الكنيسة، أم بناء على رغبة جهات أخرى في الدولة؟
مصدر في الكنيسة قال إن التأجيل جاء بناء على نصيحة من جهات أمنية، مضيفاً أن هذه الجهات طلبت من الكنيسة تأجيل العزاء، لأن المشاعر لاتزال ملتهبة، ولأن البلد لا يتحمل أي توتر جديد، إذ أن دماء المصابين والقتلى في اشتباكات الكاتدرائية لم يمر عليها سوى أسبوع واحد فقط، وخصوصاً مع توقعات بأن تشارك الكثير من الشخصيات العامة في تقديم واجب العزاء في الضحايا، وهو أمر يزيد من عبء تأمين الكاتدرائية، بما تضمه من شخصيات بارزة، من بينهم البابا تواضروس نفسه.
ومن الواضح أن الكنيسة ارتأت العمل بنصيحة الجهات الأمنية، من دون أن تعلن ذلك رسمياً حتى لا تضع هذه الجهات ومن خلفها الدولة في حرج، كونها أولاً لم تستطع القبض على المتورطين في واقعة إطلاق الرصاص على جنازة الأقباط أمام الكاتدرائية، بالرغم من توثيق صور هؤلاء عبر الفضائيات وكاميرات المصورين الصحافيين، الذين قاموا بتغطية الاشتباكات. كما أن الحديث عن عدم قدرة وزارة الداخلية على تأمين الكاتدرائية والبابا وضيوفه في العزاء، سيؤدي إلى مزيد من التوتر بين الكنيسة والداخلية نفسها، التي لم تعتذر حتى الآن عن واقعة غير مسبوقة تتعلق بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع داخل باحة الكاتدرائية.
لكن هل تعد عودة البابا الصامتة من عزلته، وتأجيله للعزاء، تراجعاً عن موقفه الذي ظهر أنه صدامي، عقب تصريحات حملت ضمناً الرئيس المصري محمد مرسي مسؤولية قتل الأقباط في الخصوص والكاتدرائية؟
كمال زاخر، الباحث والناشط القبطي وأحد أبرز الداعين إلى التيار العلماني القبطي، لا يرى في سلوك البابا تواضروس تراجعاً.
واعتبر أن الكنيسة لم تعلن بالأساس أن البابا معتكف، وأن ذهابه إلى وادي النطرون كان ضمن برنامجه العادي، مشيراً إلى أن الكنيسة، ومنذ مجيء البابا في تشرين الثاني من العام الماضي، قررت ألا تتعاطى السياسة، لكن أليس تأجيل استقبال المعزين سياسيا فعلاً؟
ويقول زاخر إن «تأجيل العزاء يتضمن رسالة إلى كافة الأطراف أن الأمور لا تتم بهذا الشكل النمطي، والعزاء الحقيقي يكون بإحالة الأمر إلى القضاء وتعقب الجناة، كما قال البابا في اليوم الثاني من الهجوم على الكاتدرائية في تصريحات تلفزيونية».
وبالرغم من أن مرسي طلب تقديم الجناة إلى الجهات المختصة، إلا أن ذلك لم يحدث. كما لم تتشكل لجنة لتقصي الحقائق في الواقعتين حتى الآن، إذ أن حوادث أقل تأثيراً من حيث الدلالات السياسية والدينية، تشكلت لها مثل هذه اللجان، فهل تحسن الكنيسة إدارة أولى الأزمات الكبرى بينها وبين الرئيس والإخوان؟
في هذا الإطار يؤكد زاخر أن «الكنيسة نجحت بامتياز في الخروج من فخ السياسة وجعل الأمر قضائياً وجنائياً بحتاً، وهكذا خرجنا من فكرة أن تكون الكنيسة هي الجهة الوحيدة المعبرة عن الأقباط».
هذا رأي ربما يعجب أهل العلمانية من الأقباط، لكنه غالباً لن يكون نفس رأي غالبية الأقباط الذين يريدون الثأر من قتلة أبنائهم.
والد هلال صابر (21 سنة) الذي قتل في فتنة الخصوص لم يقل بالأمس، عقب لقائه مع البابا، سوى خمس كلمات موجزة «أتمنى إن الناس تجيب حقه»، والأكيد أنه ليس وحده بين الأقباط الذين ينتظرون من الحق أن يأتي.
محمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد