مصر: هل بدأت موجة استهداف التماثيل بعد تكفير الفنانين؟
تبدو المواجهة بين الجماعات التكفيرية والوسط الفني والإبداعي في مصر، مسلسلاً من المعارك المتعاقبة بما ينذر بدقة المرحلة الراهنة وخطورتها على الفن والفنانين. وفي خطوة غير متوقعة، أقدم مجهولون مؤخراً على إحراق تمثال لرائد السينما المصرية المخرج الراحل محمد كريم، الموضوع في مدينة السينما في الهرم حديثاً، تمهيداً لاحتفالية بكريم في المدينة. بعدما رفض نائبان من حزبي النور (السلفي) والحرية والعدالة (التابع للإخوان المسلمين) اقتراح وزارة الثقافة برفع التمثال في الشارع أمام أكاديمية الفنون، التي يرأسها سامح مهران، بوصفه «صنماً يحمل دعوة للشرك بالله».
وتعليقاً على الحادثة، أصدرت «جبهة الإبداع» التي تجمع تحت لوائها مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين، (أطلقها المنتج محمد العدل)، بياناً استنكارياً جاء فيه: «استيقظنا على مأساة تعرض لها التمثال، ممن رأوا فيه صنماً. ويشهد الله أنهم هم صناع الأصنام من روح الدين، أو ممن رأوا في فن السينما أنه يشكّل ما هو محرّم، ولا يليق بنا ألا نكرّم أحد رواد هذه الصناعة. وعليهم أن يعوا أنه بفضل أشخاص مثل محمد كريم ومن تلوه، عرف العالم أن للعرب عقولاً وروحاً وإبداعاً، وأن هناك من المسلمين مبدعين يحترمهم ويجلهم العالم، في حين أن كل ما فعله أمثالهم من دعاة الظلام هو خلق حالة العداء المعروفة عالمياً».
وطرح رئيس جهاز السينما (مدير التصوير السابق) سمير فرج أمس فرضية حصول الاحتراق بفعل تعامد أشعة الشمس على التمثال الذي ألبسه الناحت السويري ملابس رسمية كاملة. ورد عليه خبير آثار بأن هذا الاحتمال مستبعَد، لأن الشمس تتعامد مرة واحدة في العام على معابد وأعمدة منطقة الأقصر الفرعونية فقط.
وتأتي خطوة إحراق التمثال، التي ردتها الصحف المصرية الى «جماعات سلفية»، بعد المحاكمة التي طالت الفنان عادل إمام، وما قيل عن رغبة سلفية في ممارسة الرقابة الدينية الصارمة على كامل الإنتاج السينمائي والتلفزيوني السابق، منذ بداية السينما العام 1927، والتلفزيون في الخمسينيات من القرن المنصرم. الأمر الذي دفع برئيس «اتحاد الكتّاب» محمد سلماوي إلى إصدار بيان أمس الأول، يدين فيه محاولة مصادرة الإبداع بأثر رجعي، داعياً جميع الفعاليات الرسمية والعامة لوقف هذا التوجه فوراً.
السؤال المطروح حالياً هو: هل بدأت معركة هدم التماثيل (على أساس أنها أصنام) في مرحلة التجاذب الحساسة بين الطرفين؟ وهل ينذر ذلك بأن المكان المستهدف في المرة المقبلة، سيكون «دار الأوبرا» على سبيل المثال، حيث توجد تماثيل للفنانين الكبيرين محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم؟ وماذا عن تماثيل أخرى لفنانين كبار ومثقفين في أمكنة أخرى؟ إنها مخاوف مطروحة بقوة هذه الأيام، خصوصاً أن من طالته «الأذية» الرمزية أولاً هو من رواد السينما الأوائل. فالمخرج محمد كريم أخرج أول فيلم مصري مقتبس عن رواية مصرية بعنوان «زينب»، للكاتب محمد حسين هيكل. وكان فيلماً صامتاً شارك فيه بهيجة حافظ وسراج منير. وهو الذي أقنع الموسيقار محمد عبد الوهاب بالتمثيل وأخرج له سبعة أفلام. كما كان أول عميد «للمعهد العالي للسينما» في العام 1959.
محمد خضر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد