مـن قصائـد الهنـود الحمـر للشاعـرة مارليـن دمونـت
ولدت مارلين دمونت في ضواحي ألبرتا/ كندا عام 1955، في وسط عائلي يعيش اختلاط اللغات ما بين الانكليزية وبين لغة القبيلة وهذا ما حفز لديها الانتباه إلى إيقاع اللغة الذي عبرت عنه في قصائدها وأسلوبها في الإلقاء. ورثت عن والدتها حب الرقص والموسيقى. عشقت الرسم ودرسته في معهد البرتا للفنون. حصلت على شهادة جامعية في علم الانتروبولوجيا من جامعة بريتش كولومبيا. اشتغلت في إخراج الأفلام وتدريس الكتابة الإبداعية. قصائدها تولي اهتمامها إلى الهوية الأصلية والهجينة بين القبائل الهندية وفيما بينها والعالم المحيط. وتجيد حس الفكاهة والسخرية كما في قصيدتها الى أمها وإلى السير جون ماكدونالد. في هذه القصيدة تكتب الشاعرة بعض الكلمات باللهجة المحلية وتعمد إلى تقطيع وتخريب الجملة بفواصل ونقاط لا تخضع لقواعد اللغة الانكليزية.
إن ترجمة وقراءة أدب الهنود الحمر تحتاجان في بعض الأحيان إلى بحث وتحقيق عن الأسماء والوقائع التي ترد في النص وتكون مألوفة لمن لديه اطلاع شامل على تاريخ وأحداث ومعارك الهنود الحمر والبيض. في هذه القصائد المختارة للترجمة كان لا بد لي من التحقق من عدة نقاط بغيرها يصبح وصول مضمون القصيدة إلى القارئ متعذراً إلى حد ما.
1-جون أ. ماكدونالد، أول رئيس وزراء كندي توفي عام 1891 هاجر إلى كندا مع والديه من اسكوتلندا عام 1815. عمل في السياسة والتشريع وكان من أوائل المتحمسين لاستقلال كندا عن بريطانيا وكان لجهوده الفضل الكبير في إعلان دولة كندا الاتحادية الحالية عام 1867. تخاطبه الشاعرة بعد موته فيما متهكمة من عمله وأفعال الذين ارادوا القضاء على سلالة السكان الأصليين.
2- لويس ريل، يعتبر من أهم متمردي وأبطال التاريخ الكندي. من قبيلة ميتس وقاد حركة مقاومة ضد حكومة كندا حين كانت تحت رئاسة جون ماكدنالد، وذلك للحفاظ على حقوق وتراث شعبه. كان ذلك في حقبة تمديد الخطوط الحديدية التي شكلت شقاقا أيضا بين كندا في شقها الانكليزي والآخر الفرنسي. نُفي لعدة سنوات إلى أميركا لكنه عاد ليشارك في النضال ويقود حركة تمردية أخرى انتهت بالقبض عليه ومحاكمته وشنقه. أطلق عليه بطل (تمرد غرب ـ شمال) عام 1885. قصته تعتبر حتى الآن من من المواضيع السجالية والملتبسة.
3- قصيدة «هيلين بتي اوزبورن» عن فتاة من الهنود الحمر، كان عمرها 19 عاماً حين تعرضت للخطف من قبل أربعة شبان من أهل المدينة، تم نقلها بالقوة في سيارتهم إلى احد البيوت وجرى تعذيبها بأبشع وأعنف الطرق، لكنها قاومت بشدة. بعد أن مزقوا ثيابها أخذوها عارية إلا من حذائها وجروحها لتموت في العراء بين الثلوج. وقعت الحادثة عام 1971. كادت تطمس آثار الجريمة، لولا أنها انكشفت عرضاً ومن قبل أحد أفراد العصابة. كانت الحادثة مدعاة إلى وضع تشريعات قانونية جديدة.
5- في قصيدة جلد ونايلون تستخدم الشاعرة السخرية المبطنة غير المباشرة من خلال نظرة الشخص إليها والمفارقة بين كلمتي الجلد الطبيعي الثمين والأصيل، وبين أقمشة النايلون الرخيصة. يذكر أن هذه القبيلة «ميتس» من السكان الأصليين ينظر إليها بدونية لكن الشاعرة في قصائدها المختلفة تعلن باصرار عن انتمائها، وكيف أصبحت هجينة.
رسالة إلى السير جون أ. ماكدونالد
مارلين دمونت
عزيزي جون: أنا ما زلتُ هنا، وهجينة
بعد كل هذه السنوات
أنتَ ميت، شيء مضحك،
السّكة التي أردتها بإلحاح
هناك شائعات منذ سنة
عن إقفالها
بل ان قسما منها أقفلَ
نهاراً واحداً على الأقل
«من البحر إلى البحر الوهّاج»
وهل تعرف، يا جون
بعد تلك الجهود لازاحتنا جانبا بغية توطين القادمين
ما زلنا هنا و«ميتس»
ما زلنا هنا
خلف بحيرة «ميش»
وهؤلاء ـ الهنود ـ غير الصالحين لأي شيء
يسيّرون القطار
يحجزون «مقاطع العربة/الصيغ الاسمية للتوطين،
/ ... يسرقون النحو/ والجملة الطويلة من تشوهاتها»
وهل تعرف جون، تلك السكة الحديدة، عليها لعنة الله، إطلاقاً لم تجعل هذه الأمة عظيمة،
لأن السكّة توقفت عن العمل
وهذا البلد لا يزال في نزاع من أجل الوحدة
وكذلك مات «ريل»
لكنه لا ينفك يعود
في كل ما يصرّح به «بيل ويلسون» عن الجديد والمفضّل
لكنك تعرف كما أنا أعرف
أننا سُحقنا
بين بعض خطوط الفولاذ التي لن تعمّر
ومن قبل بعض المستوطنين الذين لم يريدوا أن يستقروا
وانه لمن سخرية القدر، ما زلنا هنا ونقول عن أنفسنا سلالة هجينة.
1996
هيلين بتّي أوزبورن
بتّي، لو اتجهتُ لكتابة هذه القصيدة عنك
قد تتحول بدلاً من ذلك إلى كتابة عني
أو عن أي امرأة أخرى
من نساء عائلتي
قد تتحول لتصبح
كتابة عن هذه الصبية الهندية الشابة
التي تكبر في ضواحي ألبرتا
في قرية فيها هنود قلائل
ومعلومات أقل عن الهنود،
في قرية تقع تحديداً إلى الجنوب من «أمة أريان»
قد تتحول لتصبح
كتابة عن آن ماي اكواش، دونالد مارشال أو راشيل كاردينال،
ويمكن أن تنقلب لتكون
كتابة عن جداتنا
جنيات أعباء تجارة الفرو
يسلخن الجلد، يكشطنه، يجهزنه للتخزين،
يدعنه خلفهن لـ«المرأة البريطانية الشابة النموذجية»
يدعنه للمرأة البيضاء بجلدها الرائق
وليس لأي امرأة سمراء ولو قليلاً
يدعنه هنا في هذه البراري، هذه المستعمرة.
بتّي، إذا بدأتُ كتابة قصيدة عنك
قد تتحول لتصبح
كتابة عن فصل الصيد،
عن «فصل مفتوح» من حياة النساء الهنود
قد تتحول لتصبح
كتابة عن وجهكِ... الشاب المعبأ بالأمل
يحدق إلي من بعيد... مقدسٌ هو الآن
عبر الصفحة البيضاء والسوداء
وقد تصبح كتابة عن أبناء المدينة (كلمة ناعمة)
أبناء المدينة الذين اعتقدوا أن «البنات الهنديات سهلات»
و«الاحتمال ضعيف بأن يمتعضن إذا انقلب التحرش الجنسي إلى عنف»
بتّي، لو أكتب هذه القصيدة!
1996
ارشادات إلى أمي
إطلاقاً، لا تعدي مشاكل أخوتي وأخواتي الثمانية
قبل أن تسمعي مشاكلي.
ببساطة، هزي رأسك وقولي «هم هم ممم»
قولي «انني أسمعكِ» جداً
وفي الأوقات الأخرى لا تقولي شيئاً
عندما أكون مريضة،
لا تحصي أوجاعكِ المزمنة،
قبل أن أخبركِ عن أوجاعي. بدلاً من ذلك
اسأليني إن كنتُ أريد شرشفاً أو كتاباً
ودعيني آكل قوالب الآيس كريم مغطسة بالشوكولاتا.
لا تعدي أبدأً
أسماء أخواتي جميعهن
قبل أن تنطقي اسمي.
عندما أشكّ في موهبتي
تجنبي تلاوة مواهب أخوتي، أولاً.
بدلاً من ذلك، ابحثي عن دفتر الاسكتشات عندما كنت في الصف العاشر
وابحثي عن رسائل حنيني إليك
وقولي لي، كم كانت ممميزة
وكم جعلتكِ تبكين.
أبداً، لا تقولي لي،
انني أصبحتُ رمادية
بل قولي ان الحكمة في جلدي،
وإنني حادة الذهن حتى العظم
حكيمة وجميلة كحال النساء المسنّـات.
1996
جلد ونايلون
هذا، وأنا أشرب القهوة مع رجل يسكن هناك في الشمال رحنا نضحك من مجانين «ليسوا من السكان الأصليين» في هذه المدينة. المحادثة دارت ووصلت إلى السؤال «من أين أنت؟» كما يحصل في اللغات ـ الاندرغراوند. إنها الطريقة غير المباشرة لمعرفة مكانة الشخص دون سؤاله أو علمه. أقول: أنا «ميتس» كما لو أنني أعتذر، وهو يجيب «اممممم» كما لو أنه يسامحني، كما لو أنه صاحب قلب كبير بينما قلبي يضخ دماً محللاً. ومن صوته يبدو أنه ضاق ذرعاً عند هذا الحد، ويبدو الصوت نحيفاً فيما هو يلقي نظرة أخرى عبر الغرفة ثم يعود وفي وجهه «هذه النظرة» التي تقول أنه الجلد الطبيعي وأنا نايلون.
ترجمة وتقديم/ جاكلين سلام
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد