ملتقى استنبول للدراسات الدينية المقارنة
تنظم كلية العلوم الإنسانية في برلينDas Wissenschaftskolleg zu Berlin ضمن برنامج «أوروبا في الشرق والشرق في أوروبا» مؤتمراً لمدة عشرة أيام بين 2 و12 ايلول (سبتمبر) 2007 في اسطنبول يلتقي فيه 22 باحثاً يشتغلون بالدراسات الإسلامية من أنحاء العالم لمناقشة الدراسات القرآنية ودراسات العهدين القديم والجديد ويشرف على المؤتمر عددٌ من الأساتذة العرب والأوروبيين منهم أنجيليكا نيورث ونصر حامد أبو زيد وشتيفان فلد.
والهدف من عقد هـذا المؤتمر مزدوج. فهو أولاً يرمي إلى إتاحة الفرصة للمشتغلين بالإسلاميات لتقديم بحوثهم الجديدة في حقول الدراسات القرآنية والتوراتية والإنجيلية ومناقشتها، ويرمي ثانياً وبصفة خاصة إلى التركيز على قضايا المناهج البحثية وتأثيرها في النتائج المقدمة خلاصةً للبحوث، خصوصاً في المسائل ذات الحساسية التي تتعلق بالأديان والحضارات.
ويأتي المؤتمر المشار إليه بعد 30 سنة من نشر كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد وهو الكتاب الذي غيّر الحوار الأكاديمي في حقولٍ شتى منها الإسلاميات وبعد بدء ظهور تغيرٍ (ارتفاعٍ) ملحوظٍ في نسبة المشاركين في الدراسات الإسلامية في جامعات الغرب من أصول عربية وإسلامية ومن المسلمين الغربيين. صحيحٌ أن عدداً كبيراً من هؤلاء الباحثين من أصول عربية وإسلامية ومن المسلمين الغربيين هم أنفسهم نتاج أكاديمي غربي في الغالب لكن عدداً منهم على الأقل درس في معاهد إسلامية مع أساتذة ذوي شأن.
ولم يكن كتاب سعيد أول كتاب يتـنـاول قضيـة تأثير المنـاهج البحثـيـة في نتـائـج البحوث (فقد سبقـتـه تـقـاليد غربية طويـلة في هذا الميدان) ولا أول كتـاب أصرّ على أهمية تذكر العـلاقة بين الاستشراق والاستعمار عند تناول بحوث الغربيين في الدراسات الشرقية، فقد سبقه كثيرون منهم محمود أحمد شاكر (1996) الذي أصرّ على ربط الاستشراق والاستعمار والتبشير المسيحي في البلاد الإسلامية، لكن الأكاديميين الغربيين بدأوا يصغون عـنـدمـا كتـب الكلام بلغة غـربـية يفهمونها وساعدت على إبراز القضية عوامل أخرى منها التوقيت وبراعة سعيد في العرض ومنظوره الفلسفي وغير ذلك.
ويرى كاتب هذه السطور (وهو أحد المشاركين في مؤتمر اسطنبول المشار إليه) أن الحوار بين المثقفين العرب والغربيين لا مناص منه فالحوار (مؤيداً بممارسة الكتابة والتدريس) وإن اعترته النقوص أحسن من الصياح والتأوه من الهجوم على ثقافة الإسلام والعروبة وتراثهما، فإن ذلك الصياح الذي يكاد يبرع فيه بعض المشتغلين والمشتغلات بالدراسات العربية والإسلامية في جامعات الغرب (ومنهم - منهن أذكياء وذكيات) يدعم دعاوى التافهين من أمثال دانييل بايبس وغيره الذين يمارسون الهجوم على الدراسات الشرقية والإسلامية في الجامعات الأميركية، خصوصاً باعتبارها صارت مجالاً للمتطرفين من المفكرين أصحاب النزعات المعادية للولايات المتحدة. والصياح أيضاً يضيّع على الطلاب الغربـيـيـن فرصـةً ثمينـةً ليتعلموا جديداً عن التاريخ والآداب العربية والإسلامية في إطارٍ من الهدوء والسكينة.
ويمكن القول إن الهجوم الذي تولاّه أمثال بايبس وكريمر على الدراسات الشرقية والإسلامية في الجامعات الأميركية قد فشل في تحقيق هدفه الأكبر إذا كان الهدف دفع الدراسات الإسلامية نحو الدعم المبسط للفكر الموسوس الخائف من كل مدح للإسلام وتاريخه. لكن يكون من الخطأ أن يقال إن هذا الهجوم لم يخلق جواً من الترقب وسوء الظن يتبادله الطلاب والأساتذة وأكثر ما يغيظني فيه تضييع الوقت الذي يسببه لأن أساس عملية التعليم تركيز الطاقـة في تجـاوز عـقـبـات البـحث كتعلم اللغـات المختـلفـة للتعامل مع المصادر بلغاتها الأصلية، والتنقيب عن المصادر النادرة، والتدريب النظري والفلسفي أو المنهجي (وهذا يرمي إلى التغلب على مشكلات تتعلق بالثقة في المصادر في شكل طبيعي)، لكن إنفاق الوقت في ترقب الخديعة من شركاء البحث والمناظرة أو الهجوم على الأقران والأساتذة - في رأيي -قتلٌ للوقت يكاد يسوّي ممارسة البحث بممارسة شيء آخر تماماً.
الحق هنا وسط بين طرفين، فالانسياق وراء الرغبة في مصارعة ذوي الخصومة إثمه أكبر من نفعه إذا سلمنا بأن فيه منفعةً وتجاهل التحيزات والمواقف المبدئية التي تجعل البحث انعكاساً مباشراً لآراء كوّنها الباحث أو الدعيّ من دون رغبةٍ صادقة في الفهم أيضاً خطأ والمطلوب إصرار الأكاديميين على القيام بوظيفتهم وهي التعلم والتعليم وإن أضاع هذا عليهم فرص الشهرة وإرضاء لذات الانتصار والخصومة مع استهجان التحيزات كلها بصفة مبدئية من غير انفعال وانخراط في تفنيدها.
أحمد عاطف أحمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد