ممدوح حمادة و الليث حجو... من "ضيعة ضايعة" إلى "الخربة"

15-09-2011

ممدوح حمادة و الليث حجو... من "ضيعة ضايعة" إلى "الخربة"

الحمل - باسل محمد يونس : أسا افتح القوس... أسا سكر القوس... 3 نقط... 3 إشارات تعجب... 3 إشارات استفهام.. بعروبتي... بقرة معلم أكرم .. لسا من يومين قاريها بالجريدة... مش طالع من حلقي قلك ياها... ياقي... بروليتاريا... الكومبرادورييه..... الخ عبارات جديدة و كثيرة أضيفت و ترسخت في قاموس الكوميديا ووجدان الجمهور السوري بشكل خاص والعربي على العموم.
تدور أحداث المسلسل في قرية قديمة اسمها "الخربة" لا تزال تعيش حالة فطرية تتصف ببساطة العيش وطيبة الشعب، و منازل جميلة بحجارها البازلتية السوداء، المسلسل يستعرض حالة من الكوميديا الحقيقية مزجت بين المقالب والواقعية، مناكفات وحيل بين بونمر القعقوري زعيم عائلة (بو قعقور) وبين بو نايف زعيم عائلة (بو مالحة)، يقوم بها الاثنين من خلال الكثير من القصص الممتعة والمقالب الطريفة أدت الى خلق حالة من المتعة لدى المشاهد.
ثنائي الخربة بو نمر وبو نايف، يتنافس كل طرف في إخضاع أبناء عائلته لرغباته، يفترقان في كل شيء، لكنهم يلتقون على العادات والتقاليد القديمة التي تدعم مكانتهم، يرمز ذلك إلى المجتمع الذي يتحكم تاريخه بحاضره. فيتبادل كل منهما الأدوار في "طق برغي للآخر" وعرض عضلاته أمامه، رافضاً البوح بالضعف أو الانكسار مهما كانت النتائج، كيلا يجلب له شماتة إحدى عائلتي الخربة... صراع بو نمر و بو نايف يرمز إلى صراع النفوذ في الخربة، لكن لا يوجد ما يمنع تحول هذا التنافس إلى تحالف واتحاد في حال شعرا بخطر يهدد مصالحهما ومكاسبهما، أو إذا دعتهم الظروف في مواجهة خطر خارجي... عندما يتحدا ضد المصطبة بعد سماعهم تقرير أبو يوسف "بائع الزيت".
مسلسل الخربة، يظهر صعوبة تآلف الجيل القديم مع تكنولوجيا العصر من "خلوي و فيسبوك و سكايب"، جيل يجد صعوبة في استخدام الخلوي (حجة الجيبة الغير مدروزة لبو نايف، أو بو نمر الذي يفضل هاتف بو قرص)، الجيل الشاب المتسلح بأدوات العصر، ومنهم غطاس والدكتور عاطف، اللذين سافرا وعادا بأفكار جديدة إلى القرية. كما يعكس موقف الجيل الثالث والثوري من خلال إصرار هؤلاء المثقفين على أن يكونوا رأس حربة في مواجهة الرأسمالية والبرجوازية والإمبريالية، وتمسك آخرين بمفاهيم وقناعات مثل العروبة، حيث يحلف جوهر دائما "الفنان المتميز محمد خير الجراح" بعروبته لإثبات مصداقيته.
العمل له طابع كوميدي اجتماعي مع عصرنه سياسية واضحة من خلال إيحاءات متعددة، يتدارس بو نمر بو قعقور وبو نايف بو مالحة، الخطوات الواجب اتخاذها للتعبير عن امتعاضهم على سلوك مدير الناحية، يجري التفكير بتوقيع عريضة، ثم تتطور الفكرة إلى تظاهرة. وبالفعل يحشد زعيما العائلتين مجموعة من الأطفال، في إشارة تهكمية واضحة إلى استخدام الأطفال في التظاهرات.
تبدأ التظاهرة في الطريق إلى المكان، يعيد الرجلان التفكير، بو نمر وبو نايف، تكون البداية مع "الشعب يريد تغيير المحافظ"، ولكن سرعان ما يخفف السقف إلى شعار "الشعب يريد تغيير رئيس البلدية" إلى "تغيير أبو طارق" أحد المتنفذين في المنطقة. لكن ينتهي الأمر إلى شعار "الشعب يريد ميكروفون"، كون غياب ميكروفون القرية يضطرها الاعتماد على ميكروفون المصطبة "القرية المجاورة".
تتأزم الخلافات في القرية بسبب مسائل كثيرة، منها اختيار مختار الخربة بعد أن أصبحت مستقلة إدارياً عن المصطبة، بفضل مظاهرة إسقاط مدير الناحية، فتصل الأمور إلى اتفاق بو نايف وبو نمر إلى تقسيم الخربة كي يتزعم كل على حارته وعائلته بالإضافه لتعمدهم إشعال المعارك بين العائلتين، بهدف إعادة اعتبارهم كي تسمع كلمتهم من جانب القعقورين والموالحة، في إيحاء واضح من قبل الكاتب لاعتبار هذا الخلاف بين العائلتين بمثابة الحرب الأهلية في حالة إسقاطية أدخلت الأحداث التي تشهدها المنطقة كخلفية لأحداث الخربة.
لعل أكثر مشاهد المسلسل بلاغة وتأثيرا، ذلك المشهد الذي يتخلص فيه بو نايف وبو نمر، تحت ضغط الأهالي من صراعهم السخيف على زعامة الخربة، ويقررا العودة إلى الصواب لإصلاح ذات البين بينهما وترميم ما انكسر وانهار على كافة الصعد في خربتهم، فيلتقيا على عجل بعد أن نسيا معاركهم الضارية، ثم يقررا التوجه فوراً إلى ساحة "الخربة" ليصطفـّا على رأس الدبكة التي كان يؤديها شباب القرية في عرس التمرد على العادات و التقاليد القعقورية والموالحية. لكنهما وصلا متأخرين، ليجدا أن العرس الذي قررا المشاركة فيه وقيادته على رأس دبكته قد تجاوزهما وانفض، ولم يبق أحد في الساحة. وهذا المشهد بالطبع كناية واضحة عن انتصار الإرادة في وجه العادات و التقاليد التي عفا عنها الزمن.
في مشهد آخر يتسبب أبو يوسف "تاجر الزيت" في إشعال فتيل أزمة و مشاكل بين زعيمي "الخربة"، في إشارة واضحة على التدخل الخارجي، يحاول الطرفين إدخال الخربة في هذا الصراع، لكن وعي الأهالي أدى إلى توحيد صفوف القرية... الموقف الأهم في رمزيته، تمثل في رفض أهالي الخربة تقسيم القرية بين عائلتي بوقعقور وبومالحة بناء لتوصية وجهيّ القرية، و اعتبار التقسيم بمثابة سايكس بيكو جديد، فانتصرا للوحدة والتآلف، و في مشهد له دلالات كثيرة يطلب من ملحم "ممثل المعارضة" أن يشارك الأهالي في إعادة اللوحة الأصلية الموحدة للخربة، بعد أن قام بو نايف وبو نمر بوضع لوحتين "خربة بو مالحة و خربة بو قعقور"، يرفض "ملحم" كون قيادة حزب المعارضة أعطته أمر عدم المشاركة و عدم المخاطرة في مواجهة زعيمي "الخربة" كي لا تتأثر قاعدتهم الشعبية و حفاظاً على مصالحهم، كما أظهر المسلسل خيبة أمل "جميل" رفيق درب "ملحم" في النضال ضد الإمبريالية، عندما وقف حزبه المعارض للسلطة، ضد زواج ابنته مع "طارق"، "أحد المنتسبين الشبان القلائل للحزب"، و اعتبار الزواج مناقض لمصالح الحزب في خضوع تام من قبل حزب المعارضة، لأبو نمر وبو نايف زعيمي "الخربة"، علماً أن حزب المعارضة نفسه، يدعي أنهما رمز الجهل والتخلف ويجب محاربتهم والنضال ضدهم"، تكتمل خيبات "جميل" عندما يكتشف أن جميع الأحزاب لا تختلف عن بعضها، أي مجرد شعارات، حضور الأحزاب في دراما الخربة استثنى، الدكنجي "عبودي الكاذية" الذي يبحث أولاً وأخيراً عن مصالحه التجارية، لذلك رفض الدخول في أي حزب كي لا تتأثر تجارته في القرية و فضل الحياد.
"جوهر" العروبي أيضاً يتعرض لخيبة أمل في مستقبله السياسي و يقوم بتكسير جميع الصور التذكارية التي كان يأخذها في المهرجانات الخطابية و التدشينات، و زادت خيبة أمله عندما يقول له "أبو طارق" أنه لم ينتبه لغيابه عن المهرجانات الخطابية برغم أن مدة الغياب وصلت لستة أشهر و أن سبب استفقاده كان لأمر خاص، و لم يكن لأنه اكتشف غياب الرفيق جوهر عن مهرجانات التدشين و الخطابات.
لقد برع الممثلين، فأجادوا في تجسيد "كاركترات" الشخصيات و لعب أدوارهم، ما شكل عملاً متقناً، بعيداً عن التهريج، إنها كوميديا الموقف التي نجح فيها، باسم ياخور بأقواسه وعلامات التعجب وإشارات الاستفهام التي يطلقها بالمفرد والجملة رشاً ودراكاً... ومحمد حداقي الذي برهن علو كعبه وبراعته، من دور لآخر، من أبو شملة الى فياض... ومحمد خير الجراح الذي الذي كان يريد كتابة مذكره عن قصة حياته النضالية ومهرجاناته وتدشيناته ومستقبله السياسي، فينتهي به الأمر إلى الإحساس أنها مذكرات طرطور في التداشين ومذكرات لقلوق في حجر الأساس ليقول:

(لا للتدشين لا لحجر الأساس لا للتصفيق نعم للعمل نعم لزقزقة العصافير) و كل خربة و أنتم بخير..

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...