مواسم التخفيضات في دمشق: فخ الشراء بأسعار ملتهبة
ما ان تبدأ مواسم التخفيضات في محال الألبسة والأحذية والبضائع المشابهة في العاصمة السورية دمشق، حتى يسارع الناس إلى حجز نصيبهم من بضاعة الـ«سايل» ، أو «الأوكازيون»، كما تسمى عموماً، فتخفيض الأسعار يعني إمكانية شراء كميات أكبر من البضائع، لاسيما بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود، أو العائلات الكبيرة، التي بالكاد يكفيها مردودها قوت يومها.
إنها «فرصة لا يجوز تفويتها»، بحسب تعبير الطالبة الجامعية، كاترين، التي تعتبر نفسها «زبونة مواظبة» لأحد المحال الشهيرة في موسم التخفيضات، فالواجهات الزجاجية التي تحمل النسب المئوية العالية والحملات الدعائية المكثّفة للتخفيض، والصور الإعلانية التي تملأ الشوارع، كلها عوامل جذب تهدف إلى «جرّ» الزبون نحو فخّ الشراء.
ولا شكّ أن العبارات التي تستخدم في الأسواق في مواسم التبديلات الموسمية، لجذب الزبائن، هي عبارات مدروسة، وتشكل عاملاً هاماً من إستراتيجيات التسويق والترويج وزيادة نسب المبيعات، حتى أن كيفية استخدام الأرقام لعرض سعر السلعة، يحمل تأثيراً قوياً في نفس المشتري، ولو كان الفارق بين السعر الأصلي والسعر بعد التخفيض بسيط جداً. لكن هل حقاً تلك التخفيضات حقيقيّة، وهل تلك الأرقام واقعية ومنطقية؟
في بداية كل موسم تجاري جديد في دمشق، تطرح الوكالات تشكيلتها من السلع الجديدة، بأسعار شبه خيالية، لا تتناسب منطقياً بأي شكل من الأشكال مع القيمة الحقيقية للسلعة.
وفي بداية انطلاق الموسم، ينكفئ الناس قليلاً عن الشراء بانتظار الإعلان عن «الأوكازيون»، وعندما تبدأ الشركات بتخفيض أسعارها التي كانت غير حقيقية أساساً، يسارع الزبائن إلى الشراء بالسعر المخفّض، وهم يرون فيه فرصة بعد إن ينزل إلى النصف أو أكثر!
ولكن، هل سيتغير رأي الزبون إن عرف أن سعر قطعة واحدة في إحدى المعارض بلغت ما يقارب ثلث راتب موظف من الدرجة الأولى في موسم التخفيضات؟ حسناً قد يقول قائل إن تلك البضائع ليست موجهة إلى هذه الفئة من المجتمع، لكن لغة السوق تفرض حسابات أخرى، فحتى محال بيع البضائع محلية الصنع في دمشق رفعت سقف أسعارها.
«ما حدا أحسن من حدا»، هكذا يجيب تاجر لدى سؤاله عن سبب ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، بالرغم من شعارات التنزيلات التي يعلقونها على واجهات محالهم.
ترتبط أسعار الوكالات بشكل مباشر بسعر صرف الدولار وفرق الصرف مقابل الليرة السورية، ومن البديهي أن تنتج علاقة تناسب طردي بين الاثنين، لكن المثير للتساؤل لماذا لا تتأثر الأسعار بانخفاض سعر الصرف حال حدوثه كما يحصل عند ارتفاعه؟!
تجيب موظفة في إحدى الوكالات على هذا التساؤل قائلة: «هل تدركين حجم العائدات والربح الذي قد تجنيه الوكالة من هذا الفرق؟».
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن السعر الأساسي كان مقابل سعر الصرف قبل ارتفاعه، أي أن الوكالة لم تتكلف أي زيادة في التكلفة تستدعي رفع الأسعار أساساً، وعملية مراقبة الأسواق من قبل التموين ولجان المحافظة لا تطبّق على هذه المنشآت، على اعتبار أن أسعار السلع تحدد من قبل الشركة الرئيسية خارج القطر، ومسؤولية المحافظة عليه وضبطه تنحصر في سلامة دخولها من معابر الجمارك، ثم مقارنة الأسعار بالنشرات المرفقة، وبإخطارات الشركات برفعها عند حدوث ذلك.
المفاجأة الكبرى كانت في أحد أجنحة العرض لإحدى الوكالات، حيث خُصّص هذا الجناح لعرض القطع التالفة جزئياً بسعر أقل، لكن هذا السّعر تجاوز سعر القطعة الجديدة من نوع الصناعة المحلية بضعفين!
حماسة الشراء في موسم التخفيضات يدير عجلة التجارة في الأسواق، وهذه نقطة إيجابية، لكن الفائدة الكبرى من هذه العملية تعود للشركات الأجنبية، ولعلها بالدرجة الثانية ترضي رغبات شخصية بحب الشراء والتبضع لدى شريحة واسعة من الناس.
سناء علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد