موريتانيا: جدل بشأن زواج القاصرات

23-08-2013

موريتانيا: جدل بشأن زواج القاصرات

تشهد الساحة الموريتانية حالياً استقطاباً بين مبادرة الحقوقيين المعارضين لزواج القاصرات، والتيارات الدينية المشجعة له، فيما تبقى الفتاة الموريتانية رهينة العقلية الاجتماعية المحافظة وعرضة لنتائج وخيمة قد تنجم عن تزويجها بالإكراه.
لم تكن الفتاة جميلة منت محمد الأمين، البالغة من العمر 14 عاماً، تدرك معنى أنها ستزف إلى زوج عندما حملتها إحدى قريباتها في سيارة أجرة إلى منزل متواضع في أحد الأحياء الشعبية النائية في ضواحي العاصمة الموريتانية نواكشوط، لتسلمها إلى رجل بلغ عقده السبعين.
شعرت الفتاة التي تعيش يتيمة مع والدتها وجدتها بصدمة كبيرة، حين وجدت نفسها مع ذلك الرجل، بعدما أخبرتها خالتها وجدتها أنه سيصبح زوجها.
ببراءة طفولية، أوضحت جميلة «لم أكن على معرفة سابقة به، ولم أتحدث إليه قبل الزواج، لكنني سمعت من إحدى الجارات قبل تزويجي بيومين، أنه رجل طيب وصاحب تجارب في الحياة. وفي ليلة عقد القران كنت نائمة وعندما استيقظت أخبرتني أختي الصغرى وابنة خالتي بأنني أصبحت زوجة تاجر مواش». وأضافت «قبل أن أستوعب معنى أن أكون زوجة، تمّ تسليمي إليه في الليلة الموالية من قبل قريبتي. وعندما بقينا وحدنا داخل منزل من الخشب منحني ألف أوقية. وحين همّ بالاقتراب مني رفضت بعنف، فأخذ يهددني».
بيد أن الفتاة عمدت في اليوم الرابع من الزواج إلى وضع سم الفأر في الشراب لكي تتخلص من زوجها المسن «لكي يموت وأتخلص منه إلى الأبد، فأصيب بتسمم وشكاني لدى الشرطة بحجة محاولة القتل، فاحتجزوني لمدة أيام ومن ثم أطلق سراحي».
وتختم الفتاة حديثها «لا أعرف لماذا أطلق سراحي، أخبروني فقط بأنه يمكنني العودة إلى منزل أهلي فعدت برفقة ناشطات حقوقيات أخبرنني بأنهن يدافعن عني للحصول على حقوقي».
حالة جميلة ليست سوى واحدة من الحالات العديدة التي تدافع عنها مبادرة منع زواج القاصرات ورابطة النساء معيلات الأسر في المجتمع الموريتاني، حيث تمّ رصد 783 حالة خلال العام الجاري، و450 حالة في العام الماضي، لفتيات تتراوح أعمارهن من سبع إلى 14 سنة، بحسب ما أفادت الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار، وهي قيادية في مبادرة منع زواج القاصرات ورئيسة منظمة تدافع عن النساء ضحايا العنف المنزلي.
وقالت منت المختار إن «ما يدفعنا إلى تبني مبادرة منع تزويج القاصرات هو استمرار انتشار هذه الظاهرة في موريتانيا بسبب التمسك بالتقاليد التي تدفع بعض الأسر المحافظة إلى تزويج بناتها لحماية الشرف. فيما تلجأ أسر أخرى إلى تزويجهن بسبب الفقر. وهذا أشبه بعملية الاتجار بالبشر، إذ يتم بيع القاصر إلى رجل يكبرها بعشرات السنين في مقابل مبلغ مادي زهيد كما حصل مع جميلة».
وأضافت أن «التيارات السلفية والإسلامية تساهم في الترويج لفكرة تزويج البنت القاصر، من دون النظر إلى التداعيات الصحية والعقلية والاجتماعية التي تنجم عن مثل هذه الزيجات التي غالبا ما تنتهي بالطلاق، حيث وصلت نسبته في موريتانيا إلى 72 في المئة».
واستطردت الناشطة الحقوقية في الحديث عن عدم وجود قوانين واضحة تحدد سن الزواج المبكر في موريتانيا، لأنه إذا كان حدد بـ18 عاماً، فقد «أدرج في مدونة الأحوال الشخصية أنه يسمح لوكيل القاصر بتزويجها في سن الـ16 في ظروف خاصة دون تفصيل تلك الظروف ولا شرح الآليات والمعايير التي يتم بها. هذا كله يمهد لانتشار الظاهرة ومن ثم التمهيد لانحراف وفساد أطفال الأم القاصر لأنها ليست قادرة على تحمل مسؤولية الأسرة ولا تربية الأطفال، فضلاً عن تعرضها للموت بسبب عدم نضجها جسدياً وعقلياً».
موقف مبادرة الحقوقيين الرافضين لزواج القاصرات أثار جدلاً اجتماعياً ودينياً داخل المجتمع الموريتاني، حيث اعتبرته التيارات الدينية المحافظة «تحريماً لما أحل الله وتطاولا على الدين الإسلامي»، وقد طالبت «جماعة تطبيق الشريعة الإسلامية» في موريتانيا التي انطلقت قبل أربعة أشهر في نواكشوط بالحث على تزويج القاصرات لما له من فوائد أخلاقية ودينية واجتماعية.
وقال الأمين العام للجماعة يحظيه ولد داهي «نحن مع زواج القاصرات أو الزواج المبكر لفوائده الصحية والاجتماعية والتي تتمثل في معالجته لبعض الأمراض النفسية للأطفال. كما أنه يحصن المرأة من الانحراف ويعودها على زوج واحد حتى لا تفسد عقليتها، بالإضافة إلى الإخصاب وتجنب الأورام الخبيثة وقلة الإجهاض وفوائد أخرى». كما اعتبر أنه «لو كانت له أضرار صحية لما ورد في الشريعة الإسلامية ما يبيحه، لأن الأصل في الشريعة أن كل ما يضر يمنع».
واختتم بالقول إن «الأمم المتحدة تحدد سن الطفولة عند ثمانية عشر عاماً. هذا مخالف لكل القوانين الدولية، لأن سن الزواج في جميع القوانين الدولية أصغر من ذلك. فمثلاً فرنسا تحدده بالنسبة إلى البنات عند سن الخامسة عشرة، وفي الديانة اليهودية عند الثانية عشرة».


(عن «دويتشيه فيلله»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...