موريتانيا في دوامة الانقلابات: العسكر يستعيدون السلطة

07-08-2008

موريتانيا في دوامة الانقلابات: العسكر يستعيدون السلطة

دخلت موريتانيا مجدداً في نفق الانقلابات العسكرية، بعدما أطاح جنرالات الجيش، أمس، الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، معلنين تشكيل »مجلس دولة« لقيادة تلك الدولة العربية الصحراوية، التي غرقت مؤخراً بأزمة سياسية حادة.
وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الموريتانية عبد الله ممدو با إنّ وحدات من الحرس الجمهوري اعتقلت ولد الشيخ عبد الله، حيث تمت مصادرة الهواتف الشخصية لعائلته وقطع الاتصالات عن مقر إقامته، واصفاً ما يجري بأنه »تمرّد عسكري يقوده ضباط مقالون«، فيما أعلنت القوات المسلحة الموريتانية أنّ الرئيس المطاح »موجود حالياً رهن الاعتقال داخل ثكنة عسكرية تابعة للحرس الرئاسي«.
كذلك، اقتحمت وحدات من الشرطة مقر »حزب العهد الوطني للديموقراطية والتنمية« الحاكم (عادل)، الذي شهد خلال الأشهر الماضية سلسلة من الانشقاقات، كان آخرها انسحاب ٤٧ نائباً وشيخاً من أعضاء غرفتي البرلمان، فيما تحدثت معلومات عن اعتقال رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد، ورئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي أحمد ولد سيدي الباب، المقرّب من الرئيس.
وأذاع التلفزيون الموريتاني الرسمي بياناً عسكرياً مقتضباً جاء فيه أنّ »مجلس الدولة برئاسة الجنرال (قائد الحرس الرئاسي) محمد ولد عبد العزيز قد قرر أنّ المرسوم الذي أصدره الرئيس السابق بإقالة قائد أركان الجيش الوطني وقائد أركانشاحنة عسكرية امام اذاعة موريتانيا في نواكشوط، أمس الحرس الرئاسي وقائد الدرك، أصبح في حكم الإلغاء«.
وكان الرئيس الموريتاني قد أقال قائدي الجيش الجنرال محمد ولد غزاوي والحرس الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وذلك قبل ساعات من الانقلاب، كما شملت الإقالة قيادة أركان الحرس والدرك، إضافة إلى تشكيلات واسعة في المؤسسة العسكرية.
ومع بث »البيان رقم ١« نزل بعض أنصار الرئيس الموريتاني إلى الشارع مطالبين بإعادة الشرعية الدستورية وحاولوا الوصول إلى القصر الرئاسي، فيما انطلقت مسيرات مساندة للعسكر وجابت بعض شوارع العاصمة قبل أن تنتشر قوات الأمن وتوقف المسيرتين.
وتعليقاً على هذه التطورات، قال الباحث في »مجموعة الأزمات الدولية« اسّندر العمراني لـ»السفير« إنّه »من المرجح أن يكون الرئيس الموريتاني قد أقال هؤلاء الضباط بسبب دعمهم للبرلمانيين الـ٤٧ الذين أعلنوا انسحابهم قبل أيام من الحزب الحاكم، بما يمثل ذلك من أزمة للحزب«، لافتاً إلى أنّ من بين هؤلاء الضباط أحد قادة انقلاب العام ،٢٠٠٥ في إشارة إلى ولد عبد العزيز.
ورأى العمراني أنه من المبكر الحديث عن تداعيات هذه الخطوة الانقلابية أو تحديد الجهات الخارجية التي يمكن أن تكون متورطة فيها، لافتاً إلى أنّ الصورة قد تتضح في الأيام المقبلة.
ويعتبر الجنرال ولد عبد العزيز أحد أكثر الضباط نفوذاً في موريتانيا، وقد برز اسمه في عام ٢٠٠٣ كأحد أبرز المدافعين عن الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، ضد مجموعة من ضباط الجيش كانت تخطط للانقلاب عليه، حيث بدأ منذ ذلك التاريخ نسج علاقات سياسية وعسكرية ومالية وأمنية، قبل أن يقرّر في أيار ٢٠٠٥ قيادة الانقلاب على ولد طايع بمساعدة مدير المخابرات العسكرية آنذاك محمد ولد الغزاوي، علماً أنه وراء إقناع ولد الشيخ عبد الله بالترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، متعهداً بدعمه.
بدوره، أوضح المحلل الصحافي الموريتاني أحمد ولد محمد عبد الله المصطفى لـ»السفير« أنّ الانقلاب »يأتي بعد أزمة سياسية بدأت بانسحابات من الحزب الحاكم في حزيران الماضي، بإعلان أمينه العام ومجموعة من قيادييه انسحابهم منه... قبل أن يتطوّر الأمر ليصل إلى خسارة الحزب الغالبية البرلمانية«.
وعن ردود الفعل المحلية، أشار المصطفى إلى أنه كان لافتاً مساندة »تكتل القوى الديموقراطية«، أبرز أحزاب المعارضة الموريتانية، للانقلاب، واعتباره »حركة تصحيحية كان من الضروري وقوعها«، فيما عارضت قوى أخرى ما جرى، حيث اعتبر »اتحاد قوى التقدم« اليساري الانقلاب »اغتيالاً لتجربة ديموقراطية رائدة أعطاها الشعب الموريتاني ثقته«.
أمّا »التحالف الشعبي التقدمي« بزعامة رئيس الغرفة الأولى في البرلمان الموريتاني فاعتبر أن ما حدث »يمثل انقلابا خطيرا على الشرعية الدستورية«، داعيا الجنرالين إلى التراجع الفوري عن الانقلاب وإعادة الرئيس إلى منصبه، فيما أدان »التجمع الوطني للإصلاح والتنمية« الإسلامي هذه »الخطوة الأخيرة، التي تعيد البلاد إلى مربع سبق أن تجاوزته«.
أمّا أنصار ما يعرف بـ»مبادرة حجب الثقة عن الحكومة«، التي تضم نواب الغالبية الذين انسحبوا من الحزب الحاكم، فرأوا في الانقلاب »عملية تصحيح للمسار وتداركاً للبلاد قبل أن تقع في ما لا تحمد عقباه«.
وفيما لم يتضح بعد شكل مجلس الدولة الذي شكله الانقلابيون، أشار المصطفى إلى معلومات غير مؤكدة تحدثت عن تشكيل مجلس من رئيسي غرفتي البرلمان، إضافة إلى زعيم المعارضة الموريتانية، على أن يرأسه ولد عبد العزيز، مشيراً إلى أنّ هذه المعلومات توقعت إجراء انتخابات رئاسية خلال شهرين بعدها يسلم العسكر الرئاسة لمن ينال ثقة الشعب.
وفي ردود الفعل الدولية أدانت الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية الانقلاب، مطالبين بإعادة الرئيس، فيما لوّح الأوروبيون بتوقيف المساعدات إلى نواكشوط، فيما اكتفت فرنسا بالدعوة إلى الحفـاظ على الاستقرار.
ويشير المصطفى إلى أنّ الموريتانيين يتشاءمون من يوم الأربعاء لأن كل الانقلابات وقعت فيه، كما أن هذا هو ثاني انقلاب يقع في شهر آب، إذ سبق أن قام الجنرال محمد ولد عبد العزيز نفسه بانقلاب في الثالث من آب ٢٠٠٥ مع عدد من رفاقه العســـكريين، وسلموا السلطة للرئيس الذي انقلبوا عليه أمس.

وسام متى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...