هانز كريستيان أندرسون أمير قلوب الأطفال على مر التاريخ

15-02-2012

هانز كريستيان أندرسون أمير قلوب الأطفال على مر التاريخ

وُصفت حياة أندرسون المبكرة من قبل الدارسين, بأنها كانت مليئة بالحزن الذي لم يكن يبدده سوى والده الحنون, الذي كان يقرأ له يومياً قصة, في تمام الساعة الثامنة مساءً, لينام على أثرها بمخيلة مفعمة بعوالم جميلة.

الأمر الذي بذر في أعماق كاتب المستقبل, حب «فن القص والسرد الروائي», الذي تطوّر لاحقاً إلى منهج أدبي وفني أفضى به إلى كتابة قصص للأطفال والكبار، تناول فيها حكايات الجن، والعفاريت في الأرض المسحورة, التي حققت له لاحقاً نجومية لم يحظ بها أي من أدباء الدانمرك, السابقين أو اللاحقين. ‏

صنع أندرسن لنفسه مسرحاً صغيراً على شكل لعبة, وكان يمضي جل وقته في المنزل, يصنع ثيابا لدماه, ويقرأ كل المسرحيات التي تقع تحت يده؛ كان أبرزها مسرحيات لودفيغ هولبرغ, أو ويليام شكسبير. ‏

كان أندرسن قد نشر أولى مجموعاته القصصية, حتى قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية، وكانت بعنوان «شبح قبر بالناتوك»، عام 1822. ‏

سقط الكاتب هانز أندرسون, من سريره, وهو يغط في نوم عميق في عام 1872, فتعرض لإصابات شديدة, ظل يعاني منها إلى أن فارق الحياة في الرابع من شهر آب عام 1875, عن عمر ناهز السبعين عاماً, بعد أن منح العديد من الأطفال السعادة بمجموعة كتبه الضخمة, التي قدمها لهم في شكل سلس جميل, حبب القراءة إلى نفوسهم. ‏

ترك هانز أندرسون إرثا أدبيا طفوليا خالدا, توارثته الأجيال المتلاحقة بمعظم لغات العالم, ويكاد يجمع النقاد والدارسون لأدب أندرسون, على أن كل القصص التي كتبها كانت تهدف إلى إدخال المتعة, مقرونة برغبته العارمة في إدخال الفرحة التي حرم منها طفلا إلى قلوب جميع الناس, وعلى وجه الخصوص, أطفال العالم. ولعل قصة عين القرصان أصلح ما يمكن تناوله للدلالة على عذوبة أسلوب الكاتب, ومقدرته الفذة على ولوج عوالم الطفولة في أي مكان من العالم ترجمت أعماله فيه. ‏

تقول الحكاية: ‏
كان أحد الملوك يتجول برفقة وزيره على شاطئ بحر, فشاهد صياداً عجوزاً يقذف بشبكته فوق سطح الماء, ثم يستردها فيجدها فارغة, فرقّ قلب الملك لحاله ولعجزه, وأراد أن يقدم له هدية تساعده على قضاء شيخوخة مريحة, فاقترب منه وقال له: هيا أيها الصياد. ألق بشبكتك وسأعطيك وزن ما تصطاده ذهباً. ‏

فرح الصياد العجوز بفرصة العمر التي هبطت عليه، فاقتحم مياه البحر بساقيه الناحلتين قدر ما استطاع, وبكل ما تبقى لديه من قوة, ألقى بشبكته, راجيا متوسلا ربه, أن يسحبها ممتلئة بالأسماك, لكنه لسوء حظه لم يجد فيها غير عظمة رقيقة مجوفة, مثقوبة, فألقاها على الرمل لاعناً حظه البائس, متحسراً على الفرصة التي ضاعت من بين يديه. ‏

لكن الملك ازداد رأفة بحال العجوز البائس, فأصر على مساعدته قائلا له: سأعطيك ما يعادل وزن العظمة التي خرجت بها ذهباً، فأنا قلت ما ستصطاده, ولم أقل سمكا, فهيا معي إلى القصر. ‏

أمر الملك بوضع العظمة في كفة ميزان, وأن توضع في الكفة الأخرى حفنة من ليرات ذهبية, مقرراً أن يهبها للصياد. حتى لو زاد وزنها عن وزن العظمة. ‏

لكن الملك فوجئ بأن كفة العظمة لا تزال راجحة, فأمر بوضع حفنة ثانية وثالثة, وهو مندهش مما يرى. فالعظمة الرقيقة, المجوفة, الخفيفة الوزن, لاتزال راجحة مقابل كفة مليئة بالذهب. ‏

أمسك الملك العظمة وراح يتفحصها بين يديه, فوجدها خفيفة, ما زاده اندهاشاً واستغراباً, وتساءل: ‏

كيف تكون خفيفة في اليد, ثم تصبح ثقيلة جداً مقابل الذهب. الأمر الذي جعله يفكر في ضرورة اكتشاف السر الكامن خلف هذا الأمر. ‏

أعلن الملك الأمر للناس, وحدد جائزة كبيرة لمن يكتشف السر الذي يجعل عظمة رقيقة خفيفة في اليد، ثقيلة جداً إذا ما وضعت مقابل الذهب. ‏

جاء حكماء يدّعون المعرفة والفهم من بلاد قريبة وبعيدة, طامعين بالجائزة, مدعين قدرتهم على كشف السر، لكنهم عادوا خائبين, أمام الامتحان. وظل الملك حائراً بين تنفيذ وعد قطعه, ولا يستطيع تنفيذه, وبين رغبة ألحت عليه في اكتشاف السر, ومعرفة الحقيقة. ‏

بعد طول انتظار طرقت امرأة عجوز محنية الظهر, بلغت من العمر عتيا, باب القصر بعصاها التي تتوكأ عليها, وقالت للحراس: قولوا للملك إنني أملك سر ما يريد معرفته. ‏

فرح الملك ودعاها للدخول, وبهدوء وضعت العجوز, العظمة في كفة الميزان, ووضعت في الكفة الأخرى حفنة من تراب. وبين دهشة الملك, ودهشة جميع الحاضرين واستغرابهم, رجحت كفة التراب, وارتفعت كفة العظمة إلى الأعلى. ‏

سأل الملك مستغرباً فرحاً: ما هذا يا امرأة؟ ماذا وراء الأمر؟ ‏

قالت المرأة: هذه عظمة عين قرصان يا مولاي. وعين القرصان لا يروي نهمها إلا التراب. عين القرصان لا يملؤها كل ما تملكه من ذهب, ولا حتى ذهب ملوك الأرض مجتمعين. ‏

سأل الملك: وكيف عرفت ذلك يا امرأة؟. ‏

قالت المرأة العجوز: حين كنت طفلة صغيرة أيها الملك, جرت معركة بحرية هنا في الدانمرك, بين قراصنة, وأهل المدينة. ‏

كان القراصنة يريدون غزو المدينة ونهبها, ولكن أهلها الشجعان, تصدوا لهم وقتلوا منهم قرصاناً, غاصت جثته في أعماق البحر, ولم تطفو أبدا على السطح. ‏

مرت سنوات طويلة, نسي الناس على مايبدو تلك المعركة، وحين سمعت بما حدث بينك وبين الصياد, قدرت أن العظمة المجوفة, قد تكون عظمة عين القرصان المقتول, وقد صدق تقديري. ‏

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...