هدر «فاحش» في مشروع إعادة تأهيل صالة الركاب بمطار دمشق

16-07-2008

هدر «فاحش» في مشروع إعادة تأهيل صالة الركاب بمطار دمشق

لم أكن أعلم ان المعلومات الأولية العامة التي كشفها لي منذ عدة أشهر موظف في مؤسسة الطيران المدني تخفي هذه الخطورة.. وهذا الهدر «الفاحش» في أموال سيدفعها كل مواطن من جيبه ولعدة سنوات..

واستخدمت كلمة هدر في وصف ما سوف نستعرضه معاً لاحقاً، بدلا من عبارات أخرى أشد قسوة كـ «سرقة، اختلاس، تلاعب.. الخ» لأنني لا أريد اطلاق أحكام عامة بل سأترك المهمة لتحقيقات الجهات الرقابية التي أتمنى ان تتحرك سريعاً.. وتكشف خفايا ما يجري وتحدد مسؤولية من تسبب بهدر المال العام.. ‏

محور مادتنا الصحفية هو العقد الموقع بين مؤسسة الطيران المدني وشركة موهيبة الماليزية لتنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتحديث بناء صالة الركاب الموجودة وتشييد طرق ومواقف للسيارات والطائرات في مطار دمشق الدولي وهذه هي التسمية الحرفية لطبيعة المشروع تبعاً لما ورد في صيغة العقد، فيما العبارة الشائعة حالياً تطوير مطار دمشق الدولي المستخدمة في الاشارة الى ذلك العقد عامة وفيها كثير من الاحتمالات ونحن هنا لن ندخل في التفاصيل التي قادت الى هذا العقد ودخول القرض المقدم من ماليزيا على خط المشروع إنما سندخل مباشرة لتفاصيل ملحق العقد العامة وطبيعة التجهيزات التي ستورد وأسعارها «التي هي في واقع الأمر للجنون واحدة بواحدة».. ‏

- يتضمن جزء كبير من أعمال العقد ان لم نقل جميعها في المرحلتين الأولى والثانية من إعادة تأهيل و تحديث بناء صالة الركاب الموجودة حالياً عمليات اسمنت، بناء، أبواب ونوافذ، أعمال هدم، حماية الحرارة والرطوبة.. الخ وهي أعمال لا أعتقد انها بحاجة لخبرات خارجية ومكاتب وشركات دراسات تحصل على الملايين لقاء ما تقدمه من أعمال ليست بـ «المعجزة»، في الوقت الذي تقدم شركات البناء الوطنية أعمالاً معمارية مهمة كبناء رئاسة الوزراء الجديد أو القصر العدلي أو بناء محافظة ريف دمشق.. الخ أما الجزء الثاني من الأعمال والتي هي أعمال تخصصية ميكانيكية وكهربائية فهي تشتمل على أعمال تكييف وتهوية وتمديدات صحية، نظام للوقاية من الحريق، نظام كهربائي، نظام قبول وتسجيل الركاب، نظام عرض معلومات الرحلة، نظام كاميرات المراقبة بالفيديو، نظام معالجة الحقائب.. الخ، وهذه أيضاً ليست بالأعمال التي تتطلب تدخلاً خارجياً أو بالتجهيزات غير المتوفرة في سورية عبر الموردين والشركات المتخصصة بالتجهيزات الكهربائية والميكانيكية.. ‏ قبل ان ندخل في شرح بسيط لبعض الأنظمة «المرعبة» سعرياً نشير الى أن أولى المراحل التمهيدية للمشروع والمتعلقة بتجهيز إدارة الموقع، مكاتب الادارة، مكاتب المتعهد الثانوي، مكان للسيارات، تجهيزات المساحة، مخططات البناء والتجهيزات، عينات ومواد، اسعافات أولية، اجراءات الوقاية، بطاقات الطيران، إنارة نصب سقالات، إزالة قمامة.. وغير ذلك من البنود الثانوية التي لا علاقة لها مباشرة بعمليات إعادة التأهيل.. هذه رصد لها نحو 317 مليون ليرة سورية بالتمام والكمال، أي ما يكفي لبناء 211 شقة سكنية على أساس سعر الشقة 1.5 مليون ليرة!! لكن المبلغ السابق سوف يصرف أو صرف على مكاتب للإدارة والمتعهدين وكأن القرض الذي تتجاوز قيمته ثلاثة مليارات ليرة لن يسدد!!.. ‏

نبدأ عرض مهزلة الهدر في المشروع بنظام تسجيل وقبول الركاب الذي يشير ملحق العقد «الضبابي» الى أنه يتكون من 45 جهاز كمبيوتر ذات مواصفات طبيعية «هارد 80 GB ـ ذاكرة 512 MB ـ شاشة 17LCD وهذه الأجهزة يصل سعرها لنحو 190.594 ألف يورو أي ما يعادل نحو 13 مليون ليرة سورية، .. وأرجو أن تؤجلوا صدمتكم لحين معرفة سعر الحاسب مع بقية المستلزمات، إذ يبلغ سعر 45 طابعة عادية و 25 طابعة لصاقة مع لوحات مفاتيح للحواسب و 25 ubs و 7 قارئ براكود وفق ملحق العقد الماليزي نحو 1.243 مليون يورو أي ما يعادل تقريباً 89.550 مليون ليرة سورية.. مع ان العديد من هذه الاجهزة متفرة في المطار ولم تمضي فترة طويلة على استثمارها.. وأيضاً أتمنى تأجيل صدمتكم لفقرة أخرى تتعلق ببرنامج النظام الذي سيباع لنا بنحو 185.480 ألف يورو أي 13 مليون ليرة سورية ولا تقل أجور التركيب والفحص والوصل ما ورد بعنوان «أعمال أخرى» لثمانية أجهزة حاسب ومستلزماتها عن البنود السابقة إذ إنها تبلغ نحو 724.650 ألف يورو أي ما يعادل 52.173مليون ليرة سورية.. أما المستغرب في هذا النظام فهو إعلان الجهة الموردة للحواسب نيتها بيع الطيران المدني «كاتلوك» أو دفتر الصيانة المتعارف عليه انه يقدم مجاناً مع الأجهزة على اختلاف وظائفها.. واحزروا كم ستكون قيمة دفتر الصيانة؟! فقط نحو 74.591 ألف يورو أي ما يعادل 5.370 ملايين ليرة سورية.. ومع بقية البنود الأخرى تصل قيمة هذا النظام «المبارك» لنحو 3.694 ملايين يورو أي ما يعادل 266.035 مليون ليرة سورية.. وهكذا يصل ثمن كل جهار حاسب مع مستلزماته وبرامج التدريب والصيانة ودفتر الصيانة إلى 5.122 ملايين ليرة.. وعليكم أعزائي القراء أن تتخيلوا نوعية هذا الجهاز وقدراته التكنولوجية ونرجو من أصحاب المهنة أن «يفتوا» لنا بهذا السعر.. ويقولون لنا: هل يوجد جهاز في العالم بالمواصفات العائمة المحددة بالملحق بهذا السعر؟! وكم شبكة حاسب يمكن أن نقيم بهذا المبلغ البالغ 266 مليون ليرة؟! ‏

- النظام الثاني الذي نختاره لتأكيد نظرية «هدر المال العام» الجاري تطبيقها بمشروع مطار دمشق الدولي يتعلق بنظام كاميرات المراقبة البالغ عددها نحو 46 كاميرا ليلية نهارية و38 كاميرا متحركة وهذه تبلغ قيمتها وفق المشروع الماليزي نحو 560.162ألف يورو أي ما يعادل نحو 40.331 مليون ليرة سورية يضاف إليها وفق ما هو وارد بالملحق تحديداً مبلغ 313.522 ألف يورو أي ما يعادل 22.5 مليون ليرة، تشغيل النظام نحو 208.064 ألف يورو أي ما يعادل 15 مليون ليرة، تدريب 8.551 ألف يورو أي ما يعادل 6 ملايين ليرة، دعم 210.896 ألف يورو أي ما يعادل 15 مليون ليرة!!! وليكون مجموع ما سوف يكلفه نظام المراقبة وفق المشروع الماليزي نحو 1.301 مليون يورو أي ما يعادل 93.686 مليون ليرة سورية...!!! ‏

إذا سلّمنا وقبلنا بأسعار الكاميرات، وهذا من سابع المستحيلات وسنقول لماذا لاحقاً، فهل هناك من يفسّر لنا ماذا يعني تركيب الكاميرات حتى تكلّف العملية 22.5 مليون ليرة؟! وهل تشغيل النظام يحتاج لنحو 15 مليون ليرة؟! ثم ما هذه الكذبة التي ترد في كل نص وبند واسمها.. دعم وتدريب!!. ‏

وفق المواصفات الواردة في عرض الشركة التي ستورده وفق العقد الماليزي، وحصلت «تشرين» على نسخة منه تم طلب عرض من قبل شركة خاصة في سورية بهذه التجهيزات تماماً مع زيادة بعدد الكاميرات الليلية النهارية بنحو عشر كاميرات فكانت قيمة العرض نحو 9.5 مليون ليرة سورية (مقابل 40 مليون ليرة في المشروع الماليزي)، فيما كانت الخيارات المتممة للعرض على الشكل الآتي: ‏

ـ أجور تركيب النظام والبرمجة والتدريب 250 ألف ليرة (في المشروع الماليزي تبلغ تكلفة هذه البنود نحو 44 مليون ليرة سورية)!!! ‏ ـ أجور الصيانة لمدة عامين 950 ألف ليرة (في المشروع الماليزي سنفترض أن بند الدعم يقصد به الصيانة وبالتالي تكلفته نحو 15 مليون ليرة سورية)!!! ‏

ويمكن للجهات المعنية والرقابية ـ التي نأمل أن تأخذ على عاتقها التحقيق في هذا العقد وما تحقق منه بشكل موضوعي وتحديد المسؤوليات ومعاقبة الأشخاص المتورطين في هدر المال العام ـ أن تتحقق من هذه المعلومات بزيارة بسيطة لكثير من وكلاء كاميرات المراقبة وتتأكد من العروض للكاميرات ذاتها.. إلا إذا كانت الكاميرات التي ستركب لدينا صنعتها الشركة الصانعة ثم كسرت القالب!!. ‏

‏ - نصل الى النموذج الثالث في هدر المال عبر الأسعار غير المنطقية، وهنا نتطرق الى نظام عرض معلومات الرحلات وهذا تبلغ تكلفته نحو 1.438 مليون يورو أي ما يعادل نحو 103.562 مليون ليرة سورية منها 25 مليون ليرة قيمة شاشات متنوعة الحجم.. طبعاً هي ليست شاشات خارقة، بل توجد في كثير من منازل السوريين وبعضها لا يتجاوز سعره في أفضل الأحوال 80 ـ 100 ألف ليرة ومن أفضل الماركات، والى جانب هذا المبلغ الضخم هناك 6.8 ملايين ليرة سورية ستخصص لكابلات التوصيل...!!! وهناك أيضاً 17.5 مليون ليرة ثمن البرنامج الذي يمكن لأي عقل سوري من الشباب والمبرمجين السوريين أن ينجزه بأقل من هذا المبلغ بكثير، طبعاً لن ننسى ذكر بند التركيب والتشغيل وتدريب العاملين الذي تتجاوز تكلفته 628.051 ألف يورو، أي ما يعادل 45.219 مليون ليرة.. وهو كغيره من بنود التأهيل والتدريب والتشغيل حلّقت أجور تكلفته عالياً وبشكل يزيح العقل من مكانه، إلا إذا كان هناك أحد من القرّاء يمكنه تفهّم هذه الأرقام وتقديم المبررات التي تدعم جهات مؤسسة الطيران المدني!!!. ‏

ونحو مزيد من الصدمات «المذهلة» عليكم أن تتصوّروا ما تعتزم الشركة تنفيذه، فهي أوضحت في ملحق العقد أنها ستورد حماما (فردياً وليس حمامات عامة) بقيمة 40 ألف يورو أي ما يعادل 2.888 مليون ليرة سورية... بهذا السعر علينا أن نطلق خيالنا لنتصوّر من أية مواد سيصنع هذا الحمام «والعفو منكم»؟!. ‏

يبقى أن نقول لكم: إن هذه المبالغ والاعتمادات المرصودة وفق ملحق العقد لا تتضمن قيمة الرسوم والضرائب التي يجب على الحكومة السورية تحمّلها، وليس الشركة المنفّذة.. فكم سيكون حملنا ثقيلاً يا سادة.. يا كرام؟! ‏

‏ - ما ذكر سابقاً ليس إلا غيضاً من فيض المتاهات والتساؤلات الكثيرة التي يطرحها عقد استقدام عمال عاديين لأعمال بسيطة جداً (طينة ـ دهان ـ بناء...) من خارج البلاد، وما نتمناه أن تبادر الجهات الرقابية للتحقيق في هذه المعلومات وتزويد الرأي العام بحصيلة نتائجها التي سنكون متحمسين أكثر من أي وقت لنشرها مهما كانت، وإذا وجد البعض مذنبا ويتحمل مسؤولية ذلك الهدر فليكن القانون فاصلاً مهما علت التسميات والمهام!!. ‏

وربما كانت الصورة ستكون أوضح لو أن ملحق العقد قدم أسعاراً تفصيلية ككل عمل وبند وقطعة سيتم إنجازها أو توريدها، لكن يبدو أن الأمر ترك عمومياً لغاية في نفس يعقوب... وآخرين!! ‏

زياد غصن

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...