هكذا تعاطت أقنية تونسية مع الأحداث الأخيرة
أنهت المذيعة التونسية اتصالها مع الطيار محمد بن كيلاني، والتفتت إلى ضيفها على قناة «حنبعل» قائلة: «إنه الطيار الذي رفض تهريب «العائلة». سألها الضيف متخابثاً: «أية عائلة؟ فأنا لدي عائلة وأنت أيضاً». ردت المذيعة مبتسمة: «سامحوني، البوليس ما زال في رأسي».
قبلها بدقائق، كان المذيع على شاشة «تونس 7» غارقا في ارتباكه، القناة الحكومية لم تعتد البث بلا «نظام»، والشاشة طوال اليوم لم يطل عبرها سوى المذيع نفسه ببذلة زرقاء شبه رسمية. وقد انتهز فرصة اتصال محمد الغنوشي بالقناة، وكان يومها رئيساً للبلاد «ليوم واحد». ولما انتهى الاتصال التفت المذيع إلى ضيف لا يقل عنه ارتباكاً، وبدأ في وصلة جديدة من النفاق تناسب مرحلة «التغيير»: «إنه شيء جميل أن يتصل «الرئيس» ببرنامج تلفزيوني، وأن يتواصل بنفسه مباشرة مع الناس والإعلام». ظن المذيع الرسمي أنه بذلك يواكب الثورة والرئيس معاً، ويحافظ لقناته على صلاتها الرئاسية. ولكن ذلك لم يستمر طويلا، فالرئيس المؤقت أجرى أيضاً اتصالات بكل قناة ممكنة. كما أن صحافيا تونسيا اتصلت به القناة كي يدلي برأيه باتصال «الرئيس»، لكنه اعتذر قائلاً: «عفواً.. لم أكن أشاهد قناة «تونس 7».
هذا الصحافي ليس وحده، فالتونسي، كأي مواطن عربي، يتجه إلى الفضائيات والوكالات الدولية ليتابع أخبار بلاده، قبل أن تضيف «الجزيرة» نافذة عربية ذات مصداقية. وكعادتها بدأت «العربية» ملاحقة الأحداث، ثم غلبت توجهاتها السياسية مجدداً، فركزت على «انتشار الرعب والفوضى».
قبل التلفزيون، كان المواطن العربي يدير مؤشر الإذاعة بعيداً إلى «لندن»، وبعد البث الفضائي تراوح مؤشر «الريموت كونترول» بين الشاشة القطرية والشاشات الغربية. لكن ربما تنجح تونس في تغيير ذلك. في ذلك اليوم المشهود، كانت الشاشات التونسية بمثابة وثيقة، تجربة عملية لتغيير الأنظمة «على الهواء مباشرة». ولأن قناة «حنبعل» كانت صاحبة السبق في تأسيس الإعلام التونسي الخاص، ولأنها أبدت في السابق نجاحاً نسبياً دفع المتنفذين في الشاشات الحكومية لسرقة بعض برامجها وإعلامييها بالإكراه، فلم يكن غريباً أن تكون الشاشة الأكثر تعبيراً عن التونسيين عبر حس متحرر، ويكاد يكون انتقامياً أحياناً، إذ أفردت مساحة من البث في الأيام السابقة لتبيان ما تعرضت له من قمع إبان حكم بن علي.
أما قناة « تونس 7 » ـ على عادة الحكومات العربية ـ فإن تغيير اسمها إلى «التلفزة الوطنية التونسية» سيعالج مشكلاتها. لكنها على الرغم من رحيل المتنفذين فيها من عائلة الطرابلسي، فإنها لا زالت شاشة باردة تحاول الحفاظ على رسمياتها.
وبين هذه وتلك وقعت قناة «نسمة» في المنطقة الوسطى. بدت كمن يراقب. وفي يوم استقالة الرئيس المؤقت والوزير الأول من الحزب الذي كان حاكماً، كانت «نسمة» تبث مباراة كرة قدم مسجلة، من الدوري الفرنسي!
علي محروس
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد