هل خرجت القلمون من معادلة الحرب؟
معركة القلمون في ريف دمشق وصلت إلى خواتيمها، بعد أن شغلت الرأي العام ووسائل الإعلام فترة طويلة، لا سيما في سوريا ولبنان نظراً لمحاذاتها الحدود بين البلدين، حيث تقدم الجيش السوري يوم أمس بسرعة قياسية، باسطاً سيطرته على آخر معاقل الفصائل الإسلامية المتشددة والمجموعات المسلحة، حتى وصل إلى مدينة معلولا، «واسطة العقد» في القلمون، نظراً لأهميتها التاريخية وطابعها الأثري، من دون أن يتوقف عندها، بل تابع تقدمه إلى جبعدين وعسال الورد وحوش عرب والجبة.
انهيار أحجار الدومينو، هو الوصف الأنسب لما حدث أمس في القلمون. وبرغم أن النتيجة كانت متوقعة منذ تمكن الجيش السوري من الحسم في مدينتي يبرود ورنكوس، اللتين تعتبران أقوى وأهم معاقل المسلحين في المنطقة، إلا أن الانهيار المفاجئ الذي أصاب الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، ترك تساؤلات عديدة حول مصير آلاف المسلحين الذين يتبعون هذه الفصائل، وكانوا على مدى عامين يتحصنون في مدن وقرى القلمون. إلى أين اتجهوا بعد انكفائهم من القلمون؟
وجاءت سيطرة الجيش السوري على معلولا كنتيجة حتمية لسيطرته على بلدة بخعة التي كانت تعتبر بالنسبة للمسلحين خط الدفاع الأخير عن معلولا. وتحدثت مصادر إعلامية مقربة من «جبهة النصرة» أن المسلحين انسحبوا فجر أمس من بخعة بعد أن أحكم الجيش السوري سيطرته على التلال المحيطة بها، ومنها الجروف الشرقية لمعلولا وجروف «دنحا» القريبة، نافيةً حدوث اشتباكات عنيفة قبيل دخول الجيش السوري إلى معلولا، في تكذيب للرواية التي تداولتها «وكالات الإعلام التابعة للنظام» بحسب قولها.
لكن هذا الحديث عن الانسحاب يتناقض بشكل واضح مع تصريحات سابقة للمتحدث باسم «جبهة النصرة في القلمون» عبدالله عزام الشامي، الذي كان يهدد بـ «مفاجآت» تنتظر الجيش السوري و«حزب الله» عند محاولتهما اقتحام بلدتي الصرخة وبخعة، وهو ما لم يحدث. والجدير بالذكر أن الناشط الإعلامي عامر القلموني ذكر قبل أيام في حديث مع صحيفة «المدينة» السعودية أن «الجيش الحر يستخدم صواريخ ميلان الفرنسية ضد قوات النظام وعناصر حزب الله في القلمون».
في المقابل، تحدثت مصادر «الدفاع الوطني» التي تدعم الجيش السوري عن معارك طاحنة دارت على محور عين التينة ـ معلولا في وادي الصليب، بالتزامن مع معارك مماثلة على محور الصرخة. وتحدثت هذه المصادر عن سقوط عشرات «الإرهابيين» قتلى وجرحى جراء المعارك.
وكان فندق السفير المشرف على معلولا من أول الأماكن التي تمركز فيها الجيش السوري بعد سيطرته على سلسلة التلال الشرقية مقابل بلدة رنكوس، قبل أن ينحدر باتجاه معلولا ويستعيد المدينة بما فيها دير مارتقلا ودير القديسين، حيث أشارت الصور والمشاهد التي بثتها وسائل الإعلام عقب دخول الجيش السوري إلى معلولا، إلى تعرّض الكنائس والأديرة لأضرار كبيرة، كما دلّ فقدان جميع محتوياتها وموجوداتها إلى تعرضها لعمليات نهب وسرقة ممنهجة.
وبسيطرته على معلولا، أصبح الجيش السوري يسيطر على كل الطريق الممتد من يبرود إلى رأس العين والصرخة ومعلولا باتجاه جبعدين وعلى كافة التلال المحيطة، وهو ما يجعل الطريق السريع الواصل بين دمشق والساحل السوري في منأى عن قدرة المسلحين على قطعه، كما سبق لهم أن فعلوا أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، عندما اندلعت الاشتباكات في كل من دير عطية والنبك.
يُشار إلى أن «جبهة النصرة» وحلفاءها، كانوا قد سيطروا على مدينة معلولا منذ كانون الأول الماضي، في أعقاب عملية انتحارية نفذها «انتحاري» أردني الجنسية من «النصرة» استهدفت حاجز الجيش السوري الذي كان متمركزاً على مدخل المدينة. وكان من أهم تداعيات هذه السيطرة اختطاف الراهبات الـ 13 حيث اقتادتهنّ «النصرة» إلى معقلها في يبرود، قبل أن يجري إطلاق سراحهن في آذار الماضي بعد تسوية جرت بوساطة كل من رئيس الاستخبارات القطري ومدير الأمن العام اللبناني.
وكان الجيش السوري بدأ في تشرين الثاني الماضي، عملية عسكرية واسعة لخوض «معركة القلمون» استهلّها بالسيطرة على بلدة قارّة، لتكرّ من بعدها حبّات السبحة مروراً بدير عطية والنبك في كانون الأول العام 2013، ومن ثم يبرود ورأس العين خلال آذار الماضي، ليستكمل العملية بسيطرته على رنكوس الأربعاء الماضي، ثم الوصول بها إلى نهايتها يوم أمس من خلال سيطرته على بخعة ومعلولا وصولاً إلى جبعدين التي سيطر عليها تلقائياً بعد معلولا.
وأشارت آخر المعطيات الواردة من القلمون إلى تقدم الجيش السوري وسيطرته على المرتفعات الشرقية لبلدة الجبّة المحاذية للحدود اللبنانية - السورية، وذلك بالتزامن مع اشتباكات عنيفة تدور رحاها في كل من بلدتي عسال الورد وحوش عرب، اللتين من المتوقع أن تكون السيطرة عليهما مسألة وقت قصير، لاسيما بعد الانهيار الكبير الذي تعرضت له تحصينات المسلحين ومعنوياتهم، وفقدانهم أي أمل بأن يكون لهم موضع قدم في منطقة القلمون.
وإقفال «معركة القلمون» على هذا النحو، من شأنه أن يجعل الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان، بدءاً من تلكلخ عند حدود لبنان الشمالية، مروراً بجبال القلمون، ووصولاً إلى أطراف القنيطرة، تحت مرمى نيران الجيش السوري، وبالتالي إخراج الحدود اللبنانية من دائرة الاهتمام والاستنزاف الدموي، بما قد يمكن الجيش السوري من الالتفات أكثر إلى حدوده مع كل من تركيا والأردن.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد