هيلاري مانتل أول امرأة وبريطانية تفوز ببوكر مرتين
رفض أكثر من ناشر الجزء الأول من ثلاثية هيلاري مانتل قائلين إنها أثقل من قدرة القارئ الذي يفضّل عملاً مسلياً عن النساء في أرديتهن الطويلة في الحقبات الماضية. لكن «وولف هول» نالت مان بوكر، أهم الجوائز الأدبية البريطانية، وها هو الجزء الثاني «ارفع الجثث» يفوز بها بعد ثلاثة أعوام. « تنتظر مان بوكر عشرين عاماً» قالت مانتل « وإذا باثنتين تأتيان دفعة واحدة. إنها فعل إيمان ومنح للثقة». هي المرأة الأولى والكاتبة البريطانية الأولى التي تربحها مرتين بعد الجنوب أفريقي ج م كوتسي والأسترالي بيتر كيري، وأول من يفوز أيضاً عن جزءين من ثلاثية. فضّلتها اللجنة الحكم على «وولف هول» ومدحت تحكمها بالمنهج، واقعيتها الكبيرة في فصل الماضي والحاضر، والوصف الحيوي للمشهد والشخصية الإنكليزيين. رئيس اللجنة السير بيتر ستوذارد، محرّر الملحق الأدبي في «ذا تايمز» ذكر أن مانتل أعادت كتابة قواعد الرواية التاريخية في «ارفع الجثث» ، وأن «أكبر كتّابنا الحداثيين تعيد رواية ركائز إنكلترا الحديثة». مدح قدرتها على حكاية إحدى أكثر الحقب التاريخية المعروفة والمطروقة، لافتاً إلى مناخ الالتباس الأخلاقي واللاستقرار السياسي في عملها. وردّاً على التشابه مع «العرّاب» قال إن ثمة عنصراً من دون كورليني في توماس كروموسل بما في ذلك التشوش الأخلاقي.
رجّحت مكاتب المراهنات فوز الإنكليزي الآخر ويل سلف عن «مظلّة» التي تناولت مرضى مصح وطرق علاجهم، وتنقل السرد فيها بين السبعينات والحرب العالمية الأولى. لكن «ارفع الجثث» التي طالت أكثر من ستمئة صفحة باعت أكثر من مئة ألف نسخة لتتفوّق على روايات اللائحة الطويلة مجتمعة. ضمّت القائمة القصيرة ثلاثة رجال وثلاث نساء نصفهم إنكليز والنصف الآخر من دول الكومنولث. كان الماليزي تان توان إنغ (40 سنة) أصغر المرشحين عن «حديقة الضباب الليلي»، ورافقه في اللائحة الهندي جيث ثاييل عن «ناركوبوليس» والبريطانية الجنوب أفريقية ديبرا ليفي عن «السباحة إلى الديار» والإنكليزية أليسن مور عن «المنارة» إضافة إلى مانتل وسلف. نالت الفائزة خمسين ألف جنيه استرليني، إضافة إلى ألفين وخمسمئة ينالهما المرشحون على اللائحة القصيرة، وهي موعودة مع الناشر فورث إستيت بزيادة المبيعات. باعت «وولف هول» أكثر من ثلاثمئة ألف نسخة، وبقي التاج مع الكندي يان مارتل الذي بلغ مبيع روايته الفائزة «حياة أبي» أكثر من نصف مليون نسخة.
مارغريت أتوود، الكاتبة الكندية التي فازت ببوكر عن «القاتل الأعمى» مدحت حس الابتكار والمهارة اللغوية لدى مانتل. وقالت «واشنطن بوست» إنها تحرّك التاريخ بحدة سياسية ونفسية تضاهي حدّة ليو تولستوي في «الحرب والسلم». أعجبت بمرحها الساخر خصوصاً في المشاهد التي تظهر جين سيمور، خليفة آن بولين، فيها وتُبدي ذكاء يخالف الانطباع السائد. لفتت إلى تعاطف خشن مع الأشرار ولا سيما كرومويل، الذي يبرّر الجثث التي كدّسها بكونه إنساناً عادياً. تدوّن مانتل في ثلاثيتها حياة توماس كرومويل، ابن الحداد الذي بات مستشار الملك هنري الثامن، وشارك في صهر تاريخ إنكلترا إرضاء لنزواته. علّقت لوحة له في منزلها في ديفن، غرب إنكلترا، ووقفت تحدّق فيه كلما أجهدتها الكتابة وعصتها. بدأت كتابة الجزء الأخير من الثلاثية «المرآة والنور» الذي يتابع حياته حتى إعدامه في 1540.
تدور أحداث «إرفع الجثث» في 1535 حين يواجه كرومويل أزمة كبيرة جديدة. مهمته الدائمة الحفاظ على وظيفته وسلامة البلاد، وإرضاء الملك الغاضب من آن بولين التي حنثت بوعدها إنجاب وريث ذكر. كانت شقيقتها ماري من عشيقاته، وتعلمت درساً حين رماها جانباً كغيرها. أبعدته عن فراشها، وأعادته مراهقاً يرسم قلوباً تخترقها السهام ويكتب حريق جسده في رسائل حمقاء. كان هنري الثامن ملكاً ورعاً، مثقفاً، نحيل الخصر حين دخلت البلاط للمرة الأولى في 1521. تزوج الأميرة الإسبانية كاثرين، أرملة شقيقه، التي كبرته سبعة أعوام، بعدما صرّح بحبها. نفر منها لإجهاضها المتكرّر، وجذبته آن بولين، وصيفة كاثرين، التي كانت أمضت أعواماً في البلاط الفرنسي وتعلمت فيه فنون الإغواء. استعان بكرومويل للانشقاق عن الفاتيكان الرافض طلاقه من كاثرين، وأسّس الكنيسة الأنغليكانية التي جعل نفسه رئيسها. هدّد البابا هنري بالحرم الكنسي الذي يبرّر غزو بلاده، وعزلت أوروبا إنكلترا. حتى مارتن لوثر، مؤسّس المذهب البروتستنتي الإصلاحي، رفض مباركة زواجه من آن التي كانت حاملاً في شهرها السادس، ولقبت «عاهرة الملك».
اجتهد كرومويل في وضع المكائد حتى حين انقسمت البلاد بين عدوين: الكاثوليك والأنغليكانيون. ارتدت آن، الحقودة الغيورة، فستاناً أصفر عند وفاة كاثرين، لكنها أجهضت مولوداً ذكراً يوم جنازتها، وقيل إنها تآمرت لتسميمها وابنتها ماري، الملكة اللاحقة. أحاطت نفسها بشبان سخرت معهم من ملابس الملك، سلوكه في الفراش، وافتقاره إلى المهارة الجنسية. اتهمها عندما ضجر منها بخيانته معهم والنوم حتى مع شقيقها جورج، لكن الضربة القاضية أتت من كرومويل. يكفي أن تفكر آن المكروهة وزمرتها الشابة بقتل الملك لتتهم بالخيانة العظمى وتُقاد إلى برج لندن. قبل أن يفصل الجلاّد رأسها عن جسدها لمست رقبتها قائلة إنها صغيرة. وهبته جين سيمور الوريث الذي عصاه، وتوفيت من تعقيدات في الولادة. تزوج بعدها ثلاث نساء أخريات قطع رأس إحداهن بتهمة الخيانة.
مودي بيطار
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد