.. ورمونا في البئر
هل تذكرون إخوتنا يخرجون من خندق رملي في «عاصفة الصحراء»؟
أكثر من 20 سنة مرت عندما توسلوا غزاة «اليانكي» ألا يقتلوهم.
من منا لم ينكسر شيء في داخله في ذلك اليوم العربي الأسود. ليس مهماً دمك. سواء كان كويتياً أو عراقياً. كانوا عرباً، وجنوداً، يجري إذلالهم، وأمام الغرباء..
بالأمس، داهمتنا صورة من خان العسل... وكأن كل الدم السوري المسفوك أمامنا منذ عامين ليس كافيا... وكأنه صار لزاماً علينا أن نرى عيني المذبوح قبل أن يعتلي دمه صمتنا؟!
شيء ما في داخلنا كان قد رممه الزمن، عاد وانكسر بالأمس..
ليس سهلا أن ترى الموت في عين أخيك... أن تتوسل فيه بقية من شرف.
أن تراهن، في لحظة أخيرة قبل الرصاصة الأولى على رأسك، على رحمة من فوهة مسدسه، أو ربما على أمل مستحيل، على ذاكرة، على انتماء، على مقعد دراسي ربما تشاركتما فيه.. على مائدة طعام أو جيرة، ربما جمعتكما يوماً، أو على دفتر مذكراتك لعله يقرأها فيكف عن شيطنتك قبل ذبحك ورفاقك.
خمسون نظرة أخيرة، خمسون صرخة أم في مخاض الولادة، خمسون قصة. حبيبات ينتظرن، وصور لنا على الجدران، وسرير في بيت الأهل وحارة لهونا وزعرناتنا في شوارعها.
لم يسألنا زوار ليلتنا الأخيرة عمّا إذا كانت لنا أمنية جميلة وأخيرة.. رسالة وداع أو عتاب، نكتبها إلى من نشاء. رجال الحكم، قادة الجيش، معارضو الداخل، معارضو الخارج والمنافي الخليجية، قادة العواصم الممولة والداعمة للسلاح والموت.. أو ربما يكون خاتماً نبعثه إلى عزيز، طالما سنموت في حفرة مهملة أمام احتفال عدساتكم.
نحن ككل المقتولين في سوريا. ربما لم نشاهد إخوتنا في «عاصفة» الغزاة قبل ربع قرن... وكنا نظن أن قتلتنا اليوم تربوا على «سورة يوسف»، لكنهم لم يفعلوا.
ها نحن، خمسون اسماً، أو يزيد، نفجع قبل فاجعة رحيلنا الأخير: إخوتنا أكثر قسوة من الغرباء... رمونا في البئر من دون وصايا ولا أمنيات.
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد