يعيش في إحدى مغاور كورنيش اللاذقية ولا يأكل إلا من صيده

18-03-2009

يعيش في إحدى مغاور كورنيش اللاذقية ولا يأكل إلا من صيده

في إحدى مغارات الكورنيش الجنوبي بـ"اللاذقية"، وفي أسفل الزاوية الجنوبية الغربية منه، وعن طريق المصادفة تفاجأنا برجل لم نتخيل بوجوده إلا في العصور الوسطى أو ما شابهها... فالمكان الذي يعيش فيه وخيمة أبو قدور على كورنيش اللاذقية الجنوبيطبيعة مظهره الخارجي، وأيضاً طبيعة المكان الذي ينام ويجلس...كله يدعوك للدهشة والتساؤل هل أنا على الكورنيش الجنوبي!!

 «اعتدت على أكل السمك الذي أصطاده، ولكنني بين الحين والآخر أذهب إلى محل قريب من منطقة إقامتي لأشتري بعض الخبز ولوازم بقائي على قيد الحياة».

هذا ما قاله شيخ صيادي اللاذقية والملقب بـ"أبي قدور" واسمه الحقيقي هو "عبد الله الهندي" ذو الأصول الأروادية، والذي يعيش في خيمته المستندة بصعوبة على عمق الصخر البحري البارد والرطب..

التقينا العم فريد "الهندي" يوم الجمعة الموافق لـ13/3/2009 وبطريق الصدفة، وذلك بعد دعوته لنا أثناء جولتنا لاكتشاف منطقة على الكورنيش الجنوبي والتي يصعب للإنسان الوصول إليها بسهولة لوعورتها وشدة انحدارها وانغمارها الكامل بالماء.

حدثنا الشيخ المتعب عن حياته اليومية، ومسيرة عمره الطويل، وكأنه كان ينتظر أي أحد ليجالسه وليروي له بطولاته البحرية على مدار ثلاثين عاما قضاها على شطئان البحار.

فقال:  «أنا من مواليد عام 1940 أحببت البحر، وكنت أهجره مرات كثيرة ولكني أعود إليه لأنه كثيراً ما كان يشدني إلى حياته ومغامراته، لم أستيقظ يوما إلا على أصوات أمواجه تضرب شبابيك بيتنا  في جزيرة "أرواد"، أتيت "اللاذقية" في
الخمسينيات من القرن الماضي، لأعمل بالصيد على طول الشريط الساحلي في "اللاذقية" وبصحبة العديد من أصدقائي الهواة للصيد البحري، تعودت العيش فيها، وأحببت ضيافتها لي، أردت البقاء فيها في زمن كان الصيد وفيراً والخير عميما، انتقلت في وقت من الأوقات للعمل ضمن خانات المرفأ في أول مراحل إحداثه، فعملت كثيراً في البواخر والبوابير والسفن التجارية التي كانت ترسو على ميناء "اللاذقية"، كنت شاباً أهوى الاستكشاف والبحث والمغامرات، أجازف بالعديد من الأحداث، إذ كنت أبحر في ظروف جوية قاسية وفي كثير من الأحيان كنت أبحر لوحدي على متن مركب صغير وبدون سند أو مساعد غير الله».من داخل بيت أبو قدور البحري

وتابع حديثه بلسان مرتجف ويدين أنهكهما التعب: «لم يحصل وأن تثاقلت على أحد من الناس، لي بيت في وسط "اللاذقية" يعيش فيه أخي وأولاده، تركتهم يعيشون وأتيت إلى حضن الصخور متشرداً في بردها ورطوبتها وبين نتوءاتها، صانعاً في جوفها وكما ترى خيمة صغيرة أنام فيها وأمارس كامل طقوس حياتي اليومية معتمداً على حصيلة صيدي كل يوم من السمك؛ لأبيعه لبعض الناس الذين يقصدون هذا المكان المقفر والبعيد، وبالتالي أعتمد على ما أبيعه من السمك في حياتي لكي أبقى على قيد الحياة إن صح التعبير».

"أبو قدور" الاسم الذي يطلق على شيخ صيادينا في اللاذقية" لم يتزوج، وعند سؤالنا عن السبب الذي منعه من الزواج ورغم وصوله إلى عامه السبعين قال وبنفس عميق مفعم بالثقة:

«لا، لم أتزوج بعد، مازلت أعزباً»

وأضاف: «ظروف الحياة هي التي منعتني من خوض المغامرة الأقسى في حياتي وهي المجازفة بالزواج، لأني لا أستطيع أن أكون زوجاً وبحاراً في آن معاً».من  داخل بيت أبو قدور البحري

جواب الحكيم البحار ورغم تلكؤ لسان العجوز أوعز لسامعيه مدى حبه وتعلقه العميق بالبحر وحياته المليئة بالأسرار والخبايا.

وعن سر السفينة الغارقة بقرب بيته البحري الصغير، إن كان يعلم بها أم لا وسيرتها مازلت إلى اليوم لغز يصعب تخيله بسبب الأساطير التي لازمت حكايتها وسر غرقها على شاطئ "اللاذقية"، وعلى ألسنة العوام من أهلها فضحك "أبو قدور" حين ذكر السفينة الغارقة وقال: «في عام 1982 وبينما كنت جالساً في مكاني هذا رابني صوت شديد اختلط بالأمواج القوية وكأنه صراخ بشر، خرجت لاستفهم السر، فرأيت سفينة تتراوح بين عباب البحر وعلى متنها البحارة تتقاذفهم الرياح وتتخبط بهم الأمواج، خرجت إلى البحر في البداية وحدي أحاول إنقاذ من أستطيع إنقاذه من بحارة السفينة التي علمت فيما بعد أنهم صينيون وعددهم 40 ملاحا، وبمساعدة الدفاع المدني بـ"اللاذقية" ورجال الأمن وبعض البحارة الصيادين، أنقذنا 39 ملاحا فيما توفي ملاح واحد».

«أذكر تلك الأيام جيداً، كانت ليلة صعبة، أصواتهم مازالت في ذاكرتي لا أستطيع نسيانها، لقد كانوا يستغيثون من هول العاصفة التي أغرقت السفينة بسبب خطأ ملاحي رهيب، أنا من أرشدهم إليه وبدون دراسة أكاديمية تخولني إلى معرفة الخطأ».

يبقى أن نشير إلى أن وسائل الصيد التي يعتمدها "أبو قدور" في صيده هي متعددة ومتنوعه فبدأ بالشرك البلاستيكي الطويل ومن ثم تحول إلى الصيد بالأقفاص الصغيرة التي يضعها في عمق البحر بواسطة مركب صغير قام على صنعه وملئه بالفلين ويسميه بـ"الحسكة".

غزوان يوسف

المصدر: موقع eSyria

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...