حول تعديل البنود غير الديمقراطية في الدستور
الجمل ـ عبد الله علي: تضمنت خطة العمل الوطني المطروحة للنقاش والمشاركة، بنداً يتحدث عن تعديل البنود غير الديمقراطية في الدستور السوري. وسوف تتركز هذه المساهمة مني على مناقشة نطاق التعديل الدستوري الذي يتطلبه البند المذكور.
عند الحديث عن تعديل البنود غير الديمقراطية، سوف يتبادر إلى الذهن فوراً نص المادة الثامنة من الدستور التي تبنت مبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع لأنها أكثر المواد شهرة من حيث مخالفتها لمبادئ الديمقراطية الغربية ومن حيث كثافة المطالبات المنادية بضرورة إلغائها. وقد ينصرف التفكير أبعد قليلاً إلى نص المادة 84 التي تحصر حق ترشيح رئيس الجمهورية بالقيادة القطرية باعتبار هذه المادة من تطبيقات مبدأ الحزب القائد المنصوص عليه في المادة الثامنة. وقد يجتهد البعض في إبراز مواد أخرى من الدستور يرى أنها لا تتوافق مع منهج الديمقراطية ومستلزماتها، وسوف ينجح في تعداد الكثير منها دون شك. لأن الحكم على نص دستوري ما، هل هو ديمقراطي أم لا؟ هو موضوع خلافي وقد تتعدد الآراء حوله، وبإمكان كل شخص أن يدلي بدلوه فيه.
لكنَّ إمعان النظر قليلاً في موضوع التعديل الدستوري المطروح على أساس المعيار الديمقراطي، سوف يقودنا أبعد كثيراً مما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى ولن يقف عند المادة الثامنة أو غيرها، بل من شأنه أن ينسف الدستور الحالي من أساسه ويتطلب منا العمل على وضع دستور جديد للبلاد يتوافق مع مقتضيات الديمقراطية. فالمادة الثامنة في الدستور الحالي ليست نصاً غريباً تمَّ إقحامه في مجموعة النصوص الأخرى، كي يستبدَّ عليها من خارج السياق، وإنما هي – أي المادة الثامنة - مجرد خاصيّة من خصائص الديمقراطية الشعبية التي تبنتها المادة الأولى من الدستور واعتبرتها بمثابة الهوية السياسية للدولة السورية حيث تقول "الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية".
والديمقراطية الشعبية هي عبارة عن منظومة متكاملة من المبادئ والأفكار والقواعد، قامت في مواجهة الديمقراطية الغربية، وقد أسست بناء عليها الكثير من نظم الحكم في دول العالم ولاسيما منها تلك التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق. ومن أهم خصائص الديمقراطية الشعبية هي كما قلنا سابقاً: الحزب القائد أو الحزب الواحد (بحسب اختلاف الدول)، إضافةً إلى: أولوية البنى التحتية على الحقوق والحريات، والاشتراكية والتخطيط، ووحدة السلطة.
عند هذا الحد، يفترض أن يكون قد ظهر لنا مدى حجم التعديل المطلوب إجراؤه لدى الحديث عن تعديل المواد غير الديمقراطية، وأنه أوسع كثيراً مما نعتقد، حتى يغدو الحديث عن مجرد تعديل على بعض المواد، أمراً غير ذي جدوى. وسوف نبين ذلك فيما يلي.
الدستور يقوم على أساس الديمقراطية الشعبية التي تعتبر بمثابة حجر الأساس للبناء الدستوري بكامله، والمادة الأولى من الدستور التي تبنت مبدأ الديمقراطية الشعبية هي بمثابة الروح لهذا الدستور، وباقي النصوص الدستورية ليست سوى تطبيق لمجموعة المبادئ والقواعد التي ينطوي عليها مفهوم الديمقراطية الشعبية. وبالتالي لا فائدة من تعديل جزء من بناء الجسد الدستوري طالما أن الروح نفسها تسري في باقي الأجزاء، بعبارة أخرى يغدو التفكير في إلغاء المادة الثامنة وغيرها من المواد أمراً عديم الجدوى في ظل الاستمرار في تبني مبدأ الديمقراطية الشعبية، وبالتالي نجد أنفسنا، ونحن نناقش تعديل المواد غير الديمقراطية، ملزمين منطقياً بتحطيم حجر الأساس، المتمثل بالديمقراطية الشعبية، الذي يقوم عليه الدستور وهدم بنائه بالكامل، أي أمام مهمة مختلفة كلياً، إذ شتان ما بين التعديل الجزئي وبين التغيير الكلي.
***
وتتبدى لنا أهم ملامح التغيير المذكور آنفاً، في النقاط التالية:
أولاًـ إقرار مبدأ فصل السلطات: لأن أهم سمات الديمقراطية الشعبية هي أن السلطات فيها تقوم على أساس الاندماج النسبي.
والاندماج النسبي بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) يتحقق عندما تكون الهيئات الحكومية المختلفة تخضع بصورة كبيرة إلى هيئة واحدة تملك سلطة البت والفصل في جميع الشؤون. اي أن هيئة واحدة تملك السلطة في الواقع، أما الهيئات الأخرى فتعمل باسمها أو وفق توجيهاتها. ووفق الدستور الحالي فإنَّ الحزب القائد هو الهيئة الحاكمة التي تملك السلطة الفعلية في الدولة، أما باقي السلطات التشريعية والتنفيذية فإنها تمارس وظائفها تحت إشراف الحزب أو وفق توجيهاته.
وبالتالي فإن إقرار مبدأ فصل السلطات في الدستور الجديد، يقتضي إنهاء حالة التبعية التي تربط كافة مؤسسات الدولة ولاسيما القضائية منها والتشريعية بالسلطة التنفيذية التي هي بدورها تابعة للقيادة القطرية عملاً بمبدأ الحزب القائد. وإعادة صياغة العلاقة بين السلطات الثلاث على أساس مبدأ الفصل بين السلطات الذي يمنع أي سلطة من السلطات الثلاث من تحقيق السيطرة الكاملة، بحيث تختص كل سلطة بوظيفة خاصة بها تقوم بها بمنأى عن تأثير باقي السلطات. لكنَّ الفصل لا يعني الافتراق النهائي وإنما يوجب التعاون بين هذه السلطات لذلك تضع الدساتير التي تتبنى هذا المبدأ بيد كل سلطة أداة رقابية تمكنها من مراقبة عمل السلطة الأخرى، فالسلطة التشريعية لها أداة مسؤولية الوزارة أمامها، والسلطة التنفيذية لها أداة حق حل السلطة التشريعية.
ومن البديهي القول أن تبنّي مبدأ فصل السلطات يتطلب إلغاء الكثير من المواد المتعلقة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وإضافة مواد جديدة تنسجم مع غاياته وأهدافه.
ثانياًـ الاعتراف بانتهاء عصر الاشتراكية وإقرار ذلك دستورياً بعد أن تم إقراره عملياً من خلال تبنّي اقتصاد السوق الاجتماعي. وبالتالي إلغاء جميع المواد التي تتحدث عن النظام الاشتراكي كنظام اقتصادي للدولة السورية وإلغاء جميع مستلزمات هذا النظام، وإقرار اقتصاد السوق الاجتماعي أو أي نظام اقتصادي آخر في الدستور الجديد وإضافة المواد التي يستلزمها هذا النظام.
ثالثاًـ الإقرار بأولوية الحقوق والحريات على البنى التحتية: وهذه الأولوية تلقي الضوء على الترتيب الذي يقوم عليه الدستور السوري الحالي من حيث محتواه. فهو لا يبدأ بإعلان المبادئ المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم كما تفعل الدساتير في النظم السياسية الغربية ومنها الدستور السوري لعام 1950 على سبيل المثال. بل يبدأ بتعريف البنى الاقتصادية والاجتماعية. والدستور السوري الحالي يفرد ثلاثة فصول متوالية لتعريف النظام السياسي فالنظام الاقتصادي ومن ثم المبادئ التعليمية والثقافية. ولا يتحدث عن حقوق الأفراد وحرياتهم إلا في الفصل الرابع.
وهذا الترتيب ينبغي أن يلقى التغيير بحيث تأتي المواد المتعلقة بالحقوق والحريات في مستهل الدستور وبابه الأول.
رابعاًـ إلغاء الديمقراطية المركزية التي يقوم عليه مبدأ وحدة السلطة التي هي من خصائص الديمقراطية الشعبية، والعمل في الدستور الجديد على الحد من هذه المركزية قدر الإمكان.
***
وختاماً، أرجو أن يكون غدا واضحاً، ما عنيت قوله في هذه المقالة، من أن الحديث عن مجرد تعديل لمواد غير ديمقراطية هو اقتراح يتناقض مع بناء الدستور الحالي الذي يقوم بكامل نصوصه على أساس فكرة الديمقراطية الشعبية، وأن المنطق يقتضي هجر هذه الفكرة بعد أن ثبت عدم صلاحيتها للمرحلة الحالية، واستبدال الدستور بدستور جديد يقوم على أساسٍ من الديمقراطية الغربية. مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة سوف تضعنا أمام تحدٍّ آخر هو اختيار نظام الحكم الذي نريده وفق هذه الديمقراطية الجديدة: هل نريد نظاماً نيابياً أم نظاماً رئاسياً؟ لأن كلا النظامين يختلفان في الكثير من التفاصيل الدستورية بين بعضهما البعض، لذلك يكون من الأجدى أن نحسم العناوين الكبيرة في خياراتنا قبل أن نفكر في التفاصيل.
التعليقات
شكرا لك... قبل اي شيء.مقالة
ديمقرا مين؟؟؟
ايه والافضل يصير اسم الدولة (
أرجو عدم نسيان المادة الثالثة من الدستور
ليه ماتم نشر ردي؟؟ طيب مو
لأ اخي فراس .. بحسب الجزيرة
اضافة تعليق
إضافة تعليق جديد