«أنفٌ أوروبي كبير» إلى المريخ
بعد 13 عاما على إطلاق مركبة «مارس اكسبرس» غير المأهولة الى كوكب المريخ، تعود اوروبا مجددا الى استكشاف هذا الكوكب الأقرب إلى الأرض، في مهمة «اكزومارس» بالتعاون مع روسيا. يعتمد هذا البرنامج على مركبتين غير مأهولتين مهمتهما الاستقصاء عن وجود اي اثر للحياة على سطح المريخ. فهذا الكوكب كان في تاريخه السحيق يضم مسطحات مائية، وكانت حرارته أكثر اعتدالا، وهي عناصر تثير لدى العلماء الاشتباه الكبير بأنه كان يضم شكلا من اشكال الحياة.
المركبة الاولى هي «تي جي أو»، التي وصلت الى جوار الكوكب الاحمر، ضمن المرحلة الاولى «اكزومارس 2106» من البرنامج الأوروبي ـ الروسي المشترك. وهي ستبدأ العمل في مطلع العام 2018، بحثًا عن الغازات الموجودة في الغلاف الجوي، والتي قد تؤشر الى وجود حياة حالية أو سابقة، لاسيما غاز الميثان. أما المركبة الثانية فتنطلق من الارض ضمن المرحلة الثانية «اكزومارس 2020» لتهبط على السطح وتبدأ العمل هناك، وتحفر على عمق مترين وتستخرج عينات وتحللها.
توصلت مهمات سابقة في المريخ الى ان غلافه الجوي يضم شيئا قليلا من غاز الميثان، ويثير هذا الأمر حيرة العلماء وتساؤلاتهم حول مصدره. ففي الغلاف الجوي للارض، يتأتى 90 في المئة من هذا الغاز من النشاط البيولوجي، وخصوصا تحلل المواد العضوية. لذا، يشتبه العلماء في ان يكون الميثان في المريخ مؤشرا على وجود حياة جرثومية حالية، لأن هذا الغاز لا يبقى كثيرا في الجو، وسرعان ما يتبدد.
ستحاول المركبة «تي جي او» التثبت من وجود هذا الغاز هناك فعلا، وتحليله لمعرفة ما ان كان ذا مصدر عضوي او انه ناجم مثلا عن الحركة الجيولوجية للكوكب. لذلك يشبّه العلماء المركبة بأنها «انف كبير في الفضاء» يشم روائح الغازات.
يبدأ المسبار «سكياباريلي» هبوطه على سطح المريخ بعد الانفصال عن المركبة «تي جي او»، والهدف من ذلك اختبار المقدرات الاوروبية في انزال مركبة على سطح الكوكب الاحمر بسلام وهدوء. وسبق ان انزلت اوروبا مسبارا على سطح «تيتان» أحد اقمار زحل في العام 2005، كما حققت في العام 2014 نجاحا فريدا من نوعه اذ انزلت المسبار «فيلاي» على سطح المذنب «تشوري».
سيعمل «سكياباريلي» لبضعة أيام فقط على سطح المريخ، الى حين نفاد بطارياته، وسيرصد فيها الاحوال الجوية ودرجات الحرارة وسرعة الرياح والضغط الجوي، وايضا الحقول المغناطيسية هناك لأول مرة في تاريخ غزو الفضاء.
عرف البرنامج في السنوات الماضية مطبات كثيرة، لكن المسؤولين في قطاع الفضاء الأوروبي ابدوا تصميما كبيرا على تذليلها. فقد كانت الولايات المتحدة هي الشريك في هذا البرنامج، الا انها خرجت منه في العام 2011 لاسباب مالية. عندها استدارت اوروبا الى روسيا، وعقدت الشراكة معها، وأوكلت اليها مهمة تصميم الصواريخ القاذفة «بروتون»، وعدد من الاجهزة، والمنصة التي ستهبط عليها المركبة في المرحلة الثانية 2020.
بلغت نفقات هذه المهمة 1,5 ملـــيار يورو، وشــهد البرنامج عقبات مالية اضطرت المســؤولين عنه الى تأجيل المرحلة الثـــانية من العام 2018 الى العام 2020، وما زال يحتاج الى مزيد من التمويل.
وسيكون هذا الموضوع على طاولة البحث في المؤتمر الوزاري للدول المشاركة في وكالة الفضاء الاوروبية المقرر عقده في كانون الاول، وسيطلب من الدول الاعضاء مساهمة اضافية بقمية 300 مليون دولار.
(أ ف ب)
إضافة تعليق جديد