«استقالة» الإبراهيمي: تهويل بالفراغ؟
استقال المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، لم يستقل؟ لا جواب واحداً على الاستقالة التي أصبحت العنوان الوحيد، الذي يتم فيه تداول اسم الإبراهيمي، منذ أسابيع، خصوصاً بعد فشل الجولة الثانية من جنيف في شباط الماضي، وطي صفحتها إلى حين جلاء غبار المعارك الديبلوماسية حول أوكرانيا.
ذلك أن المهمة التي انتدبته لها الأمانة العامة للأمم المتحدة والجامعة العربية، وضعت على الرف، منذ أن انتقل الملف السوري الذي كلف به، إلى حيز الاهتمام الأميركي - الروسي الثاني، وتقدم الملف الأوكراني عليه.
هل استقال الإبراهيمي؟
لم يستقل، ولم يودع رسالة خطية بيأسه من تحقيق معجزة تعيد الملف السوري إلى مركز الاهتمام الدولي. لكن الإبراهيمي ابلغ الكثير من الديبلوماسيين حوله، وفي الأمم المتحدة، بأنه لم يعد يرى قبساً من الضوء، ولا نهاية لنفق جنيف الطويل، وكرر أكثر من مرة انه سيغادر منصبه، إذا لم يتحقق أي تقدم نحو استئناف جولات التفاوض في جنيف.
لكن الوسيط الدولي لم يتقدم بأي استقالة رسمياً بحسب ما أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، وكان يطمئن المعارضين السوريين ممن يلتقي بهم على الدوام، وانه مستمر في مهمته، وأبلغ من التقاهم مؤخراً، انه سيذهب إلى نيويورك مطلع أيار المقبل، وسيحاول في الأيام العشرة الأولى منه تقديم تقرير عن جهوده والأوضاع في سوريا، وسيعود إلى استئناف لقاءاته بهم منتصف الشهر المقبل.
لكن الإبراهيمي يستخدم التسريبات الإعلامية والديبلوماسية، والتخويف بالفراغ الديبلوماسي، وسيلة من وسائل الضغط لدفع الأميركيين والروس إلى إخراج جنيف من الثلاجة، وانتزاع مهمته من اختصارها الطويل.
صحيح أن الأميركيين بشكل خاص، لا يستعجلون إنزال «جنيف 2» عن رف النسيان، وكان وزير خارجيتهم جون كيري قد أجاب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، انه لا وقت للحديث عن سوريا، وانه منشغل حصراً بأوكرانيا، عندما دعاه الأسبوع الماضي إلى اجتماع رباعي يضمه إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف، والإبراهيمي للبحث بالعملية السياسية حول سوريا.
والصحيح أيضاً أن الروس يحاولون وحدهم إحياء جنيف، بحسب كل من التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو مؤخراً، لا سيما موفدي «الائتلاف الوطني» المعارض رضوان زيادة، و«سفيره» في باريس منذر ماخوس، الذي أكد أن الروس يريدون العودة إلى جنيف، فيما لا يكترث الأميركيون له حالياً.
لكن الصحيح أيضاً أن التخويف بالفراغ الديبلوماسي، قد يحرج الأميركيين والروس والأمم المتحدة، وينسف القليل جداً مما أنجز في مسارات جنيف. ورغم ذلك جرت محاولات في الأسابيع الماضية، وفي ذروة الاكتئاب الديبلوماسي في جنيف، لإيجاد بديل عن الوسيط العربي والدولي، فيما لو حزم أمره فعلياً وقرر الاستقالة.
وبحسب مصادر ديبلوماسية في نيويورك فقد جرت محاولات لاستطلاع إمكانية استبداله بديبلوماسي عربي. وتم ترشيح كمال مرجان، للحلول محله. ويبدو أن الأمم المتحدة تراجعت عن اسمه، من دون أن تتخلى عن البحث عن بديل آخر للإبراهيمي. وكان مرجان قد عمل مندوباً لتونس لدى الأمم المتحدة في التسعينيات، قبل أن يحتل على التوالي منصبي وزير الدفاع والخارجية في حكومات الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. ويقول مصدر ديبلوماسي إن احتلال كمال مرجان هذين المنصبين في تونس بن علي، جعلا الأمين العام للأمم المتحدة يعزف عن اقتراحه.
لكن إذا ما تأكد اتجاه الإبراهيمي إلى الاستقالة، فإن مصدرا ديبلوماسيا في الأمم المتحدة قال، إن اسم خليفته المطروح في أروقة الأمم المتحدة هو الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي خافيير سولانا.
وتدليلا على قدم تداول استقالة الإبراهيمي، من دون الإقدام عليها بشكل حاسم، كان السوريون قد وضعوه ضمن حساباتهم، منذ مطلع آذار الماضي، واعتبروا أن فراغ المنصب الديبلوماسي الأممي أمر سيؤدي إلى تعزيز الرهان على الخيار العسكري والمصالحة الداخلية بديلا عن جنيف. فأمام البرلمان، قال وزير الخارجية وليد المعلم، مطلع آذار الماضي، إنه «في حال استقال الإبراهيمي ولم توجه الدعوة إلى جنيف جديد فالمنطق يقود إلى شيئين، هما الاستمرار بإنجازات قواتنا المسلحة، ومواصلة الحوار مع مختلف مكونات المجتمع السوري والمعارضة الوطنية لإطلاق حوار وطني واسع تحت سماء الوطن».
وأعلن المعلم أنه سيتم العمل أيضاً على تشجيع «المصالحات الوطنية» التي تجري في أكثر من منطقة، وتعميمها على باقي أرجاء الوطن لأن من شأنها التخفيف من نزف الدم السوري».
الى ذلك، فجّر المسلحون، وسط صيحات «أللهُ أكبر»، معمل «تاميكو» للأدوية في بلدة المليحة في ريف دمشق، حيث تدور اشتباكات ضارية بين القوات السورية، مدعومة بـ21 غارة جوية، والمسلحين، فيما تواصلت المعارك في حلب، حيث تحاول مجموعات متشددة السيطرة على مناطق إستراتيجية فيها.
وفي ريف درعا، شنت القوات السورية عملية لاستعادة منطقة تل الجابية، قرب بلدة نوى التي توصل درعا والقنيطرة، فيما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن 40 مسلحاً، غالبيتهم من «جبهة النصرة» وبينهم 3 من الجنسية الأردنية والسعودية، قتلوا خلال المعارك.
وحذرت موسكو من مواصلة فبركة اتهامات ضد القوات السورية باستخدام مادة «الكلور» ضد مناطق يسيطر المسلحون عليها، مؤكدة أن لديها أدلّة تفيد أن اتهامات واشنطن وباريس و«الائتلاف الوطني السوري» المعارض لدمشق «خاطئة»، ومحاولة جديدة لإيجاد «ذريعة لتدخل عسكري» في سوريا.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد