«الثورة المضادة» تطل من باب الفتنة الطائفية:244 قتيلاً وجريحاً في مواجهات في إمبابة
أطلت «الثورة المضادة» في مصر، يوم أمس، برأسها من باب الفتنة الطائفية، حيث قتل وأصيب العشرات في مواجهات دامية بين أقباط ومسلمين في القاهرة، عندما دفعت شائعة عدداً من المسلمين للتوجه إلى كنيسة للأقباط في ضاحية امبابة بحثاً عن فتاة قيل إنها اعتنقت الإسلام واحتجزت هناك.
وذكر التلفزيون المصري، نقلاً عن مسؤولين في وزارة الصحة، أن 12 شخصا قتلوا وأصيب 232 آخرون بجروح في المواجهات، موضحاً أن القتل هم أربعة مسيحيين وستة مسلمين فيما لم يتم التعرف على جثتين.
ووقعت المواجهات الرئيسية، ليل أمس الأول، في محيط كنيسة مار مينا في حي امبابة، التي هاجمها مسلمون سلفيون بعد تردد شائعة عن احتجاز شابة قبطية تدعى «عبير»، اعتنقت الإسلام، وكان قد سبقها ظهور الشابة القبطية كاميليا شحاتة، التي أثار اختفاؤها خلال السنة الماضية جدلاً بين الإسلاميين المتشددين والأقباط، على قناة فضائية لتنفي شائعة اعتناقها الإسلام.
واستخدم الطرفان في المواجهات الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف والحجارة، فيما قام مجهولون بإشعال النيران في كنيسة العذراء في الحي ذاته، ثم لاذوا بالفرار، ما أدى إلى احتراق كل محتوياتها.
وسعت قوات الجيش والشرطة إلى احتواء الموقف بإطلاق النار في الهواء، واستخدام الغاز المسيل للدموع للفصل بين الجانبين، لكن التراشق بالحجارة استمر حتى الليل في الشوارع الواقعة قرب الكنيسة. وأدى انقطاع الكهرباء إلى غرق المنطقة في الظلام ما جعل من الصعب على قوات الأمن إخماد أعمال العنف. وبحلول أرسل الجيش دبابات إلى الشوارع المحيطة، متخذاً إجراءات أمنية مشددة. وحدث إطلاق للنار لفترة قصيرة، أمس، في امبابة، الذي فرضت عليه السلطات حظراً للتجوال حتى الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم.
ويعد هذا الاشتباك الطائفي الأسوأ منذ مقتل 13 شخصا في أعمال عنف في التاسع من مارس آذار الماضي، في القاهرة بسبب حرق كنيسة في قرية اطفيح، إلى الجنوب من العاصمة، كما يمثل تحديا جديدا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ إطاحة الرئيس حسني مبارك.
وفي وقت شهدت شوارع القاهرة حالاً من القلق والترقب، وقعت مواجهات بين عشرات الشبان المسيحيين والمسلمين، بعد ظهر أمس، في ميدان عبد المنعم رياض في وسط القاهرة. وقال شهود عيان إن عشرات المسيحيين تجمعوا أمام مكتب النائب العام في وسط العاصمة المصرية، ثم قاموا بمسيرة في اتجاه مبنى التلفزيون الواقع في قلب العاصمة أيضا، إلا أن العشرات من الشباب المسلمين المقيمين في حي بولاق أبو العلا الشعبي المجاور اعترضوا المسيرة ووقع تراشق بالحجارة بين الطرفين.
واستغرق هذا التراشق نصف ساعة ثم تفرق الشبان المسلمون، فيما توجه المتظاهرون المسيحيون ناحية مبنى التلفزيون حيث انضموا إلى مئات آخرين من المعتصمين هناك احتجاجا على ما حدث في امبابة. وقام الأقباط بإغلاق الطريق أمام مبنى ماسبيرو في الاتجاهين ما تسبب بوقف حركة المرور بشكل كامل.
وطالب المتعصمون بإلقاء القبض على من سموهم بالمتهمين الحقيقيين لأحداث أمبابة وتطهير الاعلام المصري من فلول النظام السابق. وأثناء تجمعهم دخلت مجموعة كبيرة من المسلمين وهتفت «مسلم ومسيحي إيد واحدة».
وفي مدينة الإسكندرية الساحلية شارك مئات المسلمين والمسيحيين في تظاهرة تدعو للتهدئة. وردد المتظاهرون هتافات تقول «مسلم ومسيحي إيد واحدة» و«لا لا للإرهاب» و«مسلمين مسيحيين.. كلنا واحد مصريين». ورفعوا لافتات كتبت عليها عبارات «الشعب يريد إخماد الفتنة» و«لا للتعصب الأعمى» و«لا للفتنة الطائفية».
وحذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية من خطورة ما يتعرض له الأمن والاستقرار في مصر. وأكد المجلس، في رسالة نشرها في صفحته على موقع «فيسبوك»، انه «لن يسمح لأي شخص أو تيار أو فئة بالمساس بأمن ومستقبل مصر، مشدداً على أنه لا بد أن يعود الاستقرار للبلاد مهما كان الثمن».
وأشار المجلس العسكري إلى أن «مصر تشهد ظرفا استثنائيا بمثابة المصير والحسم لمستقبل الوطن»، مؤكداً أنه «لن يسمح للعابثين بمستقبل البلاد على إذكاء الفتنة الطائفية أو الوقيعة بين قوات الجيش والشعب المصري العظيم»، وأنه «سيتم التصدي لأية مخططات خارجية تهدف إلى الوقيعة والفتنة». كما أكد المجلس أن «القانون سيأخذ مجراه وبكل حسم تجاه الخارجين عن القانون في أحداث امبابة، لأن ما يحدث يمس وحدة وسلامة الوطن واستقراره».
وأعلن الجيش المصري أنه قرر «إحالة جميع من تم إلقاء القبض عليهم في أحداث أمس وعددهم 190 فردا إلى المحكمة العسكرية العليا لتوقيع العقوبات الرادعة».
وأكدت الحكومة المصرية، برئاسة عصام شرف، أنها ستطبق إجراءات صارمة لمواجهة العنف الطائفي. وقال وزير العدل محمد عبد العزيز، إثر اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، إن الحكومة قررت تفعيل المواد الخاصة بمكافحة الإرهاب في القانون المصري، مضيفاً أنها ستنفذ «بكل حزم قانون البلطجة»، الذي تصل العقوبة القصوى فيه إلى الإعدام، وستنشر قوات الأمن المركزي في مناطق البلاد المهددة.
وأضاف وزير العدل أن الحكومة قررت تنفيذ القوانين ذات الصلة «بما يضمن الضرب بيد من حديد على كل من يعبث بأمن الوطن»، مشيراً على أن مجلس الوزراء سيبقى في حال انعقاد دائم «لمتابعة تداعيات الأحداث المؤسفة التي وقعت في امبابة».
وقرر شرف تأجيل زيارته إلى البحرين والإمارات، التي كانت مقررة أمس، لمتابعة الموقف واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تكرار أي مواجهات طائفية.
من جهته، طالب مفتي الجمهورية المصرية علي جمعة بعقد مؤتمر عاجل وفوري يجمع كافة التيارات والأطياف الدينية والثقافية لحل ملابسات الخلاف وإزالة سوء الفهم بينها، محذراً من مغبة الانزلاق إلى غياهب الفتنة الطائفية الذميمة، وقيام حرب أهلية على اثر محاولات بعض المغرضين الخارجين عن الشرعية بالتعدي علي سيادة القانون وهيبة الدولة.
ورحبت جماعة «الإخوان المسلمين» بتحويل المتهمين في أحداث إمبابة إلى محاكمات عسكرية عاجلة، محذرة من أن «هناك قوى خارجية وفئات داخلية أطاحت ثورة الشعب المصري المباركة مصالحها، أو لا تزال تهدد هذه المصالح، وهي تبذل كل جهودها لإجهاض الثورة».
وطالب رجال دين مسلمون ومسيحيون، خلال اجتماع عقدوه برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب، بسرعة القبض على الجناة المسؤولين عن حادث كنيسة مار مينا، كما قرروا تشكيل لجنة لتقصى الحقائق من الأزهر والكنيسة الكاثوليكية والأرثوذوكسية في ما حدث في امبابة وما تبعها من تطورات.
وأعلنت الكنيسة الأرثوذكسية الحداد ثلاثة أيام على ضحايا المواجهات، فيما ترأس أسقف عام الجيزة الأنبا ثيودوسيوس وسكرتير البابا شنودة الأنبا يوانس الجنازة على أرواح ثلاثة من ضحايا الحادث في مقر مطرانية الجيزة.
واستنكرت جماعة «الدعوة السلفية» الأحداث الدامية التي وقعت في إمبابة. وحذرت الجماعة مِن دفع البلاد إلى هاوية الفتنة، مشددة على أهمية التعايش السلمي بين المسلمين والأقباط»، كما استنكرت زج السلفيين في مشاكل ليست مِن صنعهم»، مشددة على خطوة «الاستقواء بالخارج»، في إشارة إلى ما تردد عن توجه عدد من الأقباط للاعتصام أمام السفارة الأميركية طلباً للحماية الدولية.
من جهته، طالب ائتلاف شباب الثورة «المعتدلين والمتنوريين مسلمين وأقباطا بأن يجتمعوا ويقوموا بدور قوي وفعال في هذه اللحظات لترسيخ القيم الدينية العليا الصحيحة والحفاظ على ثورتنا العظيمة».
وفي التأثيرات الاقتصادية للحادث، أنهى مؤشر البورصة المصرية الرئيسي تعاملات جلسة أمس على انخفاض قدره 1,19 في المئة، ليغلق عند مستوى 4878,41 نقطة وهو أدنى مستوى للمؤشر منذ 24 كانون الثاني الماضي.
المصدر: وكالات
التعليقات
ثورات الفيس بوك
إضافة تعليق جديد