«روسيا اليوم» تلاحق «النهود الثائرة»
من أوكرانيا إلى باريس فتونس وإسبانيا، ترصد كاميرا «روسيا اليوم» من الداخل، حياة ناشطات حركة «فيمن» المثيرات للجدل، في فيلم وثائقي بعنوان: «النهود الثائرة» (25 دقيقة).
يبدأ الفيلم لحظة اقتحام الشرطة الأوكرانية لمقر الحركة في كييف، واكتشافها أسلحة، ما أدى إلى إغلاق المقرّ. تقدم إحدى الناشطات تعريفاً مختصراً للحركة: «إلهنا المرأة، رسالتنا الاحتجاج، سلاحنا الصدر العاري». يتابع الفيلم مع مشاهد لتدريب الناشطات، حيث تقول إحدى المُدرِّبات: «يجب أن تكون وقفتك عدوانية، لا تبتسمي بل اصرخي، لا تخافي الصدام مع أعدائك». تتتالى بعد ذلك مشاهد صاخبة، وقاسية، من تظاهرات الحركة، وما يتخلّلها من تحطيم، وتخريب، واعتقال وتعنيف على يد الشرطة. تنتقل الكاميرا إلى باريس، المقرّ الجديد للحركة بعد فرار الناشطات الأوكرانيات من بلادهن، وتصورهنّ يشتكين من «سوء الظروف المعيشية في باريس»، لكنها تبقى «أفضل من السجن»، على حدّ تعبيرهنّ.
يركّز الفيلم على الاهتمام الذي توليه الحركة لوسائل الاتصال الجديدة، ومواقع التواصل الاجتماعي، والدعاية. وعند سؤالها: «على ماذا تحتججن؟»، تجيب إحدى المؤسسات: «ضدَّ الديكتاتورية، والشمولية، والاغتيالات السياسية، وصناعة الجنس، والدين». تعيدنا الكاميرا إلى مشهد تحطيم أحد الصلبان الخشبية في أوكرانيا، وقرع الناشطات عاريات الصدر على أجراس كاتدرائية نوتردام في باريس. كما يعود الشريط إلى قضية أمينة السبوعي، إحدى الناشطات التي سجنت في تونس إثر نشر صورها عارية الصدر. ولاحقاً اتّهمت أمينة بخيانة حركة «فيمن»، لاعتراضها على أسلوب الاحتجاجات التضامنية معها، حين أقدمت الناشطات على محاكاة حركات الصلاة أمام السفارات التونسية حول العالم، واعتبرت أن ذلك انعكس سلباً عليها واصفةً إياه بـ«العمالة الغبية».
يكتسي فيلم «روسيا اليوم» بطابعٍ موضوعي، إلا أنَّ مقاصده السياسية جليّة، كونه يقدِّم رداً مبطناً على الاهتمام الإعلامي الغربي المكثّف باحتجاجات أوكرانيا، والحديث عن عودة مظاهر «الثورة البرتقالية»، و«أنشطة المجتمع المدني السلمية». يبدأ الفيلم بلقطة الأسلحة المكتشفة في كييف، ويُختتم في دقائقه الأخيرة على لسان إحدى المؤسِّسات للحركة، وهي تقول: «ثورة النساء في مجتمعٍ أبوي لا يمكن أن تتم من دون عنف»، كما لو أنّه يدلل على الاتجاه المتطرف الذي تتخذه «فيمن».
يمكن تلمّس التفاوت في التعاطي الإعلامي مع «فيمن» خلال الأشهر القليلة الماضية، من خلال المقارنة بين وثائقي «النهود الثائرة»، وتقرير مصوّر بثّته «فرانس 24» الشهر الماضي (2/11/2013)، ضمن برنامج «مراسلون». بدت القناة «أكثر تعاطفاً» مع الحركة، تزامناً مع الاحتضان السياسي لمكتبها الجديد في باريس. فإلى جانب تصوير فعالياتها، تركّز القناة على الأبعاد الفكرية والسياسية للحركة، من خلال اللقاء بصحافيات ومختصّات بالفكر النسوي، للإيحاء بعمق و«لااعتباطية» نشاطها. يتمّ التركيز كذلك على جراح الناشطات والعنف الذي يتعرضن له من رجال الشرطة. وبالرغم من أنّ القناة تفسح المجال لنقد الحركة من قبل بعض المنشقّات عنها، أو الرافضات لها، إلا أنّها تعود للردّ على المشكّكين بمصادر تمويل «فيمن»، مبرزةً الرواية القائلة أن الحركة تعتمد على بيع الثياب الممهورة باللوغو الخاص بها، على الإنترنت.
الانشغال الإعلامي بظاهرة «فيمن»، يكتسي طابع التسطيح لبعض القضايا النسويّة الكبرى، لاختصارها بعراك بين النساء عاريات الصدر، ورجال الشرطة. ورغم اختلاف المقاصد بين وسائل الإعلام تبعاً لتوجهاتها، إلا أنّها تتشارك في حصر «فريق الرافضين للحركة» برجال الدين، والنساء الملتزمات التقليديات، والشرطة، متجاهلة المرأة المناضلة لنيل حقوقها، والتي لم تجد في «فيمن» ما يستقطبها، أو يختصر مطالبها كـ«إنسان» منتهك الحقوق. التركيز الإعلامي على استخدام الجسد الأنثوي العاري، كوسيلة للاحتجاج على «تسليع المرأة»، يأتي بنتيجة معكوسة... محاولة وضع الجسد في بؤرة الاهتمام، تحوِّله إلى سلعة ممهورة بشعاراتٍ جديدة.
الوثائقي كاملاً
www.youtube.com/watch?v=F8TQa5JTprg
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد