«غنّيلي تا منتجلك».. شاطر يا علُّوش
لا أحدَ يعلم على وجه الدّقة متى بدأ أول نشاط مخابراتي في تاريخ البشريّة. كذلك؛ لا يبدو أن ثمّة معلومات واضحة عن أول نشاط مماثل في عالم الفن. الثابت أنّ أسلوب عمل الاستخبارات قد وجد، منذ زمن طويل، سوقاً رائجةً في كثير من الأوساط الفنيّة والإعلامية، العالميّة منها والعربية على حدّ سواء. في السنوات الأخيرة، وفي ظل موجة «الرّبيع العربي»، ازدهرت هذه السوق في منطقتنا العربيّة.
لم يقتصر الأمر على «اللوائح السوداء» ونظيرتها «البيضاء»، بل تطوّر ليُسهم في إرساء معايير جديدة لـ «تقييم النتاج الفني وصاحبه»، حتى صار المعيار الأشد فاعليّة هو «فلان من جماعتنا»، و«علتان» ليس منها. ولأن للفكر «المخابراتي» أسسه وقواعده، لم يكتفِ التصنيف في عالم الفن بتقييم المواقف المُعلنة للفنّانين. هناك من أخذ على عاتقه البحث والتمحيص في ما يدور في المجالس الخاصّة، أو استعراض مسيرة هذا وذاك للتأكّد من «إخلاصه» للمسار. تبدو حكاية الفنّان السوري عزيز نصوح مع برنامج «غنّيلي تغنّيلك» الشهير، مثالاً ناصعاً في مجال «المسيرة والمسار». الحكاية بدأت، كما يقول نصوح حينَ «دعاني الفنّان علي الديك (مُعد ومُقدم البرنامج على قناة «الجديد») للمشاركة والغناء في حلقة تحتفي بعيد الجلاء (الاستقلال السوري)». قبل نصوح الدعوة بسعادة، وذهب في الموعد المحدد مصطحباً ابنه الذي يتميز بصوت جميل أيضاً، وفقاً لما اتفق عليه مع الديك. شارك الأب وابنه مروان (11 عاماً) في تسجيل الحلقة، التي استضيف فيها أيضاً الفنان اللبناني جورج الرّاسي. أُنجز تسجيل الحلقة، ثمّ بدأ تلفزيون «الجديد» ببث الإعلان الترويجي لها «حطّوا دعايتها على 3 أيام، وظهرت فيها» يقول نصوح. ويضيف: «بعدَها، فوجئتُ بإيقاف المحطة للإعلان، وبث آخر بديل منه لحلقة سابقة». ظنّ نصوح أن سبباً فنيّاً أو تقنيّاً قد أدّى إلى تأجيل عرض الحلقة، والاستعاضة عنها بواحدة قديمة. ويبدو أنّه كان محقّاً في ما يخص السبب «التقني». بعد فترة، عُرضت الحلقة مع تعديلات تقنيّة «مونتاجيّة» أطاحت بنصوح منها، وأبقت على ابنه مروان. «استغربت الأمر. على امتداد الحلقة لم يعرضوا أيّاً ممّا صوّرته، ولا من الأغنيات التي قدّمتُها، وبعضها كان لسوريا والجيش بما يتلاءم مع المناسبة (الجلاء)». يشرح عزيز نصوح أنّه حاول التواصل مراراً وتكراراً مع مُقدّم البرنامج الديك للوقوف على الأسباب، «بعد أكثر من أسبوعين تمكّنت من الحديث معه، قلت له: أنت استضفتَني وأهنتني! لماذا استضفتني إذا كنتم ستحذفون مشاركتي؟». كانت إجابة علي الديك مفاجئة: «انت من زمان مغنّي قصيدة ضد النظام يا عزيز»!. فوجئ نصوح بالإجابة، بخاصّة أن «الديك يعرف موقفي ممّا يدور في سوريا. والقصيدة التي يتحدّث عنها غُنيت في ظروف قاهرة». يشرح الرّجل الظروف: «حدث ذلك في بدايات الأزمة السورية. أنا من قرية البارة (ريف إدلب). في أيّار (مايو) 2011، بدأ المسلّحون بفرض نفوذهم في منطقتي. وراحوا يجبرون الناس على المشاركة في المظاهرات وما إلى ذلك. ولأنني لم أشارك، فقد وجّهوا إليّ التهمة المعهودة: شبّيح». ويضيف: «عقاباً لي اختطفوا أحد أبنائي، وطبعاً حاولت التفاهم معهم. لأجد نفسي في مواجهة مجموعة من المسلّحين، يشهرون السلاح في وجهي ويطالبونني بتقديم دليل يؤكد أنني لست شبيحاً. وكان الدليل الذي طلبوه أن أُغني مقطعاً ضد النّظام. فعلت ما أعتقدُ أن أي أب يمكن أن يفعله للحفاظ على حياة ابنه وحياته. وبعد فترة، تمكنت من مغادرة المنطقة نهائيّاً». يقول نصوح إنّه شرح للديك هذه الملابسات في المحادثة الأخيرة بينهما، فأجابه الأخير: «خلص ما تزعل، ان شاء الله رح زبطلك لقاء مع رابعة»!. تبقى الإشارة إلى أن استعراض الحلقة المذكورة سيكون كفيلاً بإثارة الإعجاب بعملية المونتاج المُتقنة، إذ خلت من أي ظهور لوجه عزيز. وحتى حين كان يشارك في أداء بعض الأغنيات، ظهرَ من الرجل كتفُه، ويده فقط. بينما لم يعرف المشاهد شيئاً عن الطفل مروان سوى أنه طفل «صوتو حلو». حتى اسم عائلته لم يُذكر، وسبب ذلك أنّه استضيف في الأساس بوصفه «ابن الفنان عزيز نصوح» قبل أن يقوم سيف المونتاج بالمهمّة.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد