«كبداية» لخضور وجبري.. طرب فوتوغرافي

13-07-2016

«كبداية» لخضور وجبري.. طرب فوتوغرافي

ثنائية بصرية لافتة حققها كل من الفنانين الشابين عمار خضور (دمشق ـ 1991) وجلال الدين جبري (دمشق ـ 1989) في معرضهما الضوئي المشترك «كبداية» (المركز الوطني الفنون البصرية ـ 12ـ 30 تموز الجاري) حيث جاء المعرض مفارقاً من جهة توظيفه لفن التصوير الضوئي كقيم تشكيلية حاكت بقوة مشهدية الحرب الدائرة في البلاد، سواء عبر فوتوغرافيا الشارع التي عمل عليها (خضور) منذ العام 2011، موثّقاً للقطات تسجيلية نادرة في كل من دمشق وطرطوس والسويداء، أو حتى عبر تلك المزاوجة الذكية التي لعب عليها (جبري) من من أعمال الفنان جلال الدين جبري في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشقخلال مقاربة فن التصوير الضوئي بفن الحفر، وصولاً إلى فضاء تشكيلي رحب لشخوصه الرمادية.
لطخات الزمن
 مختبران طليعيان طرِبا للطخات الزمن التي تلتقطها الكاميرا، حيث نشاهد في أعمال خضور مرور الوقت وتراكم الصور على جدار عبر «اللقطة الصدفة» كما يسمّيها الفنان الذي لا يُخفي تأثّره بأسلوب التشكيلي الإسباني أنطوني تابييز (1923ـ 2012) فعبر أربعين عملاً (أحجام مختلفة) جعل خضور من سطوح المعدن الصدئ وصور النعوات الممزقة على جدران الأبنية والمحال ومواقف الحافلات العامة مادة لكاميراته الديجتال المنزلية ـ (16 ميغا بيكسل)، منتقلاً بسلاسة من جدار إلى آخر، ومدوّناً من جديد تلك الشتائم التي أُزيلت أو تمّت تغطيتها بطرق مختلفة، جنباً إلى جنب مع تلك الشعارات السياسية الممحوّة أو المسموح بها، فالفنان بذلك يعيد إنعاش ثقافة بصرية محايدة ومطموسة، كتبتها يدٌ جماعية شاركت بصياغة خطوط وسطوح معدنية منسيّة، وصولاً إلى عمل فني غير مؤطر، لتكون الكاميرا أداة لحتّ وتعرية وتوضيب هذه اللقطات الشعبية ورفعها إلى مصافٍ تشكيلية خالصة، يغلب عليها حضور الأخضر والبني المحروق والأصفر، أو كل تلك الملامس المحلية الداكنة والمعتّقة ليوميات الطريق وصخبه وعفويته.
تكوينات
 بالمقابل نلمس مباشرةً في أعمال جبري التي بلغت ثلاثين عملاً ضوئياً قياس (50× 75 سم) تلك المهارة في اللعب على السرعة البطيئة لفتحة العدسة أو ما يُسمّى بتقنية: ( SHUTTER SPEED) وصولاً إلى تكوينات لشخوص نسائية التقطتهم الكاميرا في تجاور بين الظل والنور القويين، مخلّفةً تدرجات الرمادي بكل ما فيه من غِنى بصري، سعى للحصول على الحركة ضمن اللقطة، مقترباً من أسلوب الحفّار، وطرق موازنته بين خامتي الأبيض والأسود، فالسطوع القوي والظلال الراشحة عن عدسة (جبري) جعلت التفكير بالصورة قبل التقاطها وبعده محترفاً تشكيلياً موازياً، تتلامح فيه صور الموديل، فتبتعد وتنأى، تاركةً نسخاً متنوعة من نيغاتيف تلك الشخصيات الشبحيّة الموشاة بكربون الضوء والمنتقاة بعناية العدسة، وذلك حين تنظر عين الفنان خلالها في لحظة لاصطيادها وتجميدها ضمن كادر مرة واحدة وإلى الأبد.
المعرض الذي شاركت فرقة «مخمل» للموسيقى الصوفية في حفل افتتاحه أمس؛ جاء ليجدّد اعترافاً بقرابة فن التصوير الضوئي من المختبر التشكيلي للبلاد، كان قد بدأ مشواره منذ ما يزيد على ثلاثة عقود مع (جمعية نادي فن التصوير الضوئي السوري) مع الفنان والناقد الراحل (طارق الشريف ـ 1935ـ 2013) أحد أبرز مؤسسي هذا النادي الذي تراجعت أنشطته اليوم، ليسعى اليوم الفنان (غياث الأخرس) كمدير لـ (مركز الفنون البصرية) إلى إعادة الوهج لفن التصوير الضوئي وفنون عديدة أخرى، مستلهماً ذلك من طاقات شابة ربما لم تقرأ كتاب رولان بارت الرائع (الغرفة المضيئة)، لكنها استقت وبشفافية خبرتها وجرأتها الفنية من سنوات الحرب المنصرمة، ومن قدرة المخيلة الجديدة على تحقيق ذلك الطرب الفوتوغرافي ـ إن جاز التعبير ـ من خلال فن الصورة وبلاغتها الوثائقية النادرة.


سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...