«مطاعم القلب» لا تنقذ 8 ملايين فرنسي
أول ما تمناه الممثل الفكاهي الفرنسي ميشال كولوتشي الملقب بـ «كولوش» للمؤسسة التي انشأها مع عدد من زملائه في عالم الفن وأطلق عليها «لي ريستو دو كور» (مطاعم القلب) لتقديم وجبات غذائية مجانية الى المحتاجين هو أن يكون مصيرها الزوال.
كان ذلك في العام 1985 حين أراد كولوش الذي عُرف بمواقفه الاستفزازية ان يفضح التبذير في مجتمع استهلاكي يدمّر الفائض لديه من الإنتاج والمحاصيل بدلاً من توزيعها على المعدمين.
وتمكن كولوش ومَنْ تعاون معه من فنانين من جمع كميات من المواد الغذائية يوزعها مجاناً في مراكز متعددة بمساعدة نحو 5 آلاف متطوع، مراهناً على إمكان انحسار ظاهرة الفقر في بلد ثري مثل فرنسا عبر توزيع أكثر عدلاً للثروة.
لم يعمّر كولوش طويلاً، اذ توفي في حادث دراجة نارية بعد عام تقريباً على انشاء مؤسسته. ولم يتسنَ له الوقوف على التوسع المذهل لمؤسسته التي أرادها موقتة، وباتت متواجدة في حوالى 117 منطقة فرنسية، وارتفع عدد المتطوعين العاملين لديها إلى 60 ألفا.
لم يعمّر طويلاً ليفجع بسير الأوضاع في بلده باتجاه مناقض تماماً لما أمل به، وبارتفاع عدد الذين يتوافدون على مراكز مؤسسته بنسبة 25 في المئة على مدى السنوات الثلاث الماضية نتيجة الأزمة الاقتصادية، وبأن وجود هذه المؤسسة أصبح يلبي حاجة اجتماعية ملحة بسبب تزايد الفقر.
هكذا، وللعام الـ27 على التوالي عادت «مطاعم القلب» لتفتح أبوابها مجدداً مع بداية كل شتاء لتوزع الوجبات والمواد الغذائية على المتوافدين إليها من الفقراء الذين يقول المرصد الفرنسي لعدم المساواة إن عددهم ارتفع الى نحو ثمانية ملايين.
والمقلق في هذه الظاهرة ليس فقط الأرقام بل اتساعها لتشمل فئات اجتماعية جديدة كانت بمنأى عنها، ومنها مثلاً الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، والذين أشارت دراسة إحصائية صدرت عن هيئة الإغاثة الكاثوليكية الفرنسية إلى ما يرغمهم على إهمال دراستهم، وتخصيص بعض وقتهم للعمل أو قطع دراستهم والسعي الى العمل نظراً الى افتقارهم لسبل العيش.
وأفادت دراسات إحصائية أخرى أن الفقر بات يشمل ايضاً الأشخاص العاملين والمتقاعدين الذين لا تتعدى مداخيلهم الشهرية 950 يورو، وهو مبلغ زهيد بالنسبة الى مستوى المعيشة في فرنسا.
وفي الإطار ذاته، أشارت المحكمة التجارية الفرنسية الى تفاقم ظاهرة إغلاق المتاجر الصغيرة خصوصاً في العاصمة باريس التي تتوزع على غالبية شوارعها لافتات تحمل عبارات «متجر للبيع» او «متجر للإيجار»، ولا تجد من يشتري او يستأجر في حين أن المتاجر الأخرى المتبقية شهدت تراجعاً في أعمالها بنسبة تراوح بين 15 و 20 في المئة نظراً الى تآكل القدرة الشرائية.
وتواكب هذه الأوضاع المثقلة حوادث متفرقة تكاد تكون مبكية ومضحكة في آن معاً منها مثلاً اعتقال عجوز في الـ73 من العمر لإقدامه تكراراً على سرقة مواد غذائية من أحد المتاجر بدافع الفقر، بعد إنفاقه أجر التقاعد الذي يتقاضاه. وفصل أحد العاملين في متجر غذائي لإقدامه على جمع بعض الخضار أُلقيت مع قمامة المتجر بعد الدوام.
ولا يبدو في الأفق ما يحمل على توقّع تحسّن الأحوال في ضوء التصاعد المستمر في عدد العاطلين من العمل الذي سجّل قفزة جديدة في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي بلغت 1.2 في المئة، ما يرفع هذه النسبة على مدى السنة الحالية الى 4.9 في المئة، علما ان تقديرات منظمة التعاون والتطور الاقتصادي تحدثت عن نمو لن يتجاوز نسبة 0.3 في المئة في فرنسا السنة المقبلة.
آرليت خوري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد