«هدنة» الجنوب القلقة: مفتاح اتفاقات أستانا
في خطوة لافتة أتت قبيل يوم واحد من انطلاق الجولة الجديدة من محادثات أستانا، أعلن الجيش السوري هدنة لمدة أربعة أيام على جميع جبهات المنطقة الجنوبية. ورغم حساسية المعارك الدائرة في كل من درعا والقنيطرة، فإن الهدنة الحالية المعلنة من طرف واحد تكرّس واقعاً مختلفاً على تلك الجبهات، يناقض ما كان خلال جولة «أستانا» الماضية التي عقدت في شباط. حينها أطلقت الفصائل المسلحة في الجنوب معركة «الموت ولا المذلة» تحت إدارة «غرفة عمليات البنيان المرصوص»، عبر هجوم استهدف نقاط الجيش في حي المنشية.
وظهرت «هيئة تحرير الشام»، باعتبارها رأس حربة الفصائل المسلحة، كمن يحاول إقفال الطريق أمام المشاركة الأردنية ــ الأولى حينها ــ في اجتماعات أستانا. الأردن الذي حضر بتنسيق مع روسيا تمهيداً لانضمامه إلى مسار «أستانا»، بحكم رعايته لتلك الفصائل الجنوبية ومصالحه الاستراتيجية في ضبط حدوده الشمالية، بدا في مواقفه الرسمية بعيداً عن دعم الفصائل في تلك المعركة، ومنخرطاً في جهود التعاون الروسي. غير أن معطيات الميدان تشير إلى خلاف ذلك. أما اليوم، فالمشهد معكوس، إذ إن الجيش السوري وحلفاؤه أصبحوا مبادرين في التحرك العسكري على كامل جبهات المدينة، فيما وصلت غارات سلاح الجو معبر نصيب ومواقع أردنية على جانبه المقابل.
وبدا لافتاً أنه بعد أقل من 24 ساعة على بدء سريان وقف إطلاق النار، عاد القصف المتبادل إلى عدد من أحياء المدينة، بعد خرقه من قبل الفصائل المسلحة هناك، الرافضة لمسار محادثات أستانا وما حمله من تهدئة نسبية. وفيما ينتظر ما ستؤول إليه تلك الخروقات، فإن هذه الهدنة التي سرت منذ نهاية الثاني من تموز الجاري وتستمر حتى السادس منه، تذكّر بالهدنة المؤقتة الأخيرة التي تخللتها محادثات غير معلنة حول مسودة «اتفاق مصالحة» روسي ــ أردني، خاصة أن بيان الجيش أشار بوضوح إلى أنها تأتي «بهدف دعم العملية السلمية والمصالحات الوطنية».
وضمن هذا الإطار، يؤكد مصدر عسكري ميداني أن «الفصائل الجنوبية لم تعد قادرة على شنّ هجمات كبيرة وواسعة، والهجمات الأخيرة الفاشلة أثّرت بشكل كبير على معنويات المقاتلين، فضلاً عن تأثيرها على القدرات العسكرية المنهَكة للفصائل». ولفت إلى أن «من الممكن اعتبار هذه التهدئة بادرة خير لإفساح المجال للتفاوض والوصول إلى تسوية سياسية تنهي معارك الجنوب تحديداً، فلم يعد من مصلحة أحد (الجيش أو الفصائل) استمرار الوضع الحالي في الجنوب». ويتقاطع ذلك مع معلومات أشارت إلى وجود توجّه روسي واضح لعقد تسوية تنهي العمل العسكري، كرّسته لقاءات جمعت ضباطاً من الجيش الروسي بقادة من الفصائل الجنوبية، جرى الحديث فيها عن مرحلة «ما بعد التسوية». وعلى المقلب الآخر في جبهة القنيطرة، عزّز الجيش السوري من تقدمه على الرغم من الدعم الإسرائيلي الجوي المتكرر للفصائل المسلحة على ذلك المحور، وتمكّن من شنّ هجوم مضاد استعاد فيه جميع النقاط التي خسرها مؤخراً، ووصلت قواته إلى أطراف بلدة الحميدية، على بعد قرابة كيلومتر واحد عن مواقع القوات الإسرائيلية في الجانب المحتل من الجولان.
وبينما ينتظر ما سيخرج عن جولة «أستانا» الجارية، وخاصة في مجال إقرار أيّ تفاصيل عن خرائط أو آلية إدارة تلك المناطق المفترضة، لا يبدو المشرفون على الميدان متّكلين بالكامل على هذا الحل، إذ نقلت مصادر مقرّبة من كل من الطرفين المتحاربين أنه منذ الساعات الأولى للهدنة، بدأت عملية واسعة لإعادة تنسيق الخطوط الأمامية المحاربة، واستجلاب تعزيزات من شأنها الاستعداد لأيّ انهيار محتمل للهدنة، قبل انقضاء جولة المحادثات أو بعدها.
وفي موازاة ما يجري في الميدان، أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية أمس بدء وصول الوفود المشاركة في المحادثات إلى العاصمة أستانا، مشيرة إلى أن وفود روسيا وإيران ووفد الحكومة السورية وصلوا إلى مقر عقد المحادثات أمس، فيما وصل قسم من الوفد التركي، على أن يصل مساء أمس ــ وفق المخطط ــ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. وأما الجانب المعارض، فسيحضر وفد يمثل الفصائل المسلحة لحضور الاجتماع، على الرغم من إعلان مسبق لعدد من الفصائل (بينها فصائل الجنوب) مقاطعتها للمحادثات.
وعقب جولة المباحثات العسكرية الروسية في كل من أنقرة وطهران، بحث الرئيس فلاديمير بوتين الملف السوري مع أعضاء مجلس الأمن القومي، بالتوازي مع ما نقلته وسائل إعلام روسية عن أن لقاء بوتين بنظيره الأميركي دونالد ترامب، على هامش «قمة العشرين» في مدينة هامبورغ الألمانية، سيركّز على ملف «مكافحة الإرهاب».
ويبرز في ضوء الحديث عن قرب عودة الحوار الديبلوماسي على أعلى مستوى بين واشنطن وموسكو، ما نقله موقع «فورين بوليسي» عن مصادر مطلعة، حول حديث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال جلسة خاصة في وزارة الخارجية، عن ضرورة شغل روسيا «مقعد السائق» بشأن مستقبل سوريا. وأضاف الموقع أن تيلرسون رأى أن مصير الرئيس السوري بشار الأسد هو الآن في يد روسيا، وأن أولوية إدارة ترامب تقتصر على هزيمة «داعش». وخلص التقرير إلى أن هذه التصريحات تشير إلى أن «العمل العسكري الأميركي ضد قوات الأسد في الأشهر الأخيرة يقصد منه تحقيق أهداف تكتيكية محدودة ــ ردع هجمات الأسلحة الكيميائية وحماية القوات المدعومة من الولايات المتحدة التي تقاتل (داعش) ــ وليس إضعاف حكومة الأسد أو تقوية موقف المعارضة». ولفت إلى أنه يدلل على «تراجع جديد عن (بيان جنيف) الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة عام 2012، والداعي إلى إقامة حكومة انتقالية مع أعضاء من النظام والمعارضة». وهو ما استبعده مسؤول في وزارة الخارجية، مشدداً على التزام بلاده بعملية جنيف.
وفيما تشير خلاصة التقرير إلى تراجع ديبلوماسي أميركي ــ في الملف السوري ــ لحساب موسكو، في وقت تندفع فيه واشنطن أكثر لتوسّع حضورها العسكري على الأرض عبر قواعد عسكرية ومطارات ومرابض مدفعية، خرجت تحذيرات من دمشق تجاه واشنطن، تؤكد أنها وحلفاءها سيردون على أي عدوان مقبل، إذ أوضح نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، أن «التطورات الأخيرة هي الأفضل بالنسبة للدولة السورية»، موضحاً «أن الجيش وحلفاءه يتقدمون في كل أنحاء سوريا، والمصالحات الوطنية تحقق إنجازات كبيرة». ولفت إلى أن دمشق «لن تستغرب قيام الولايات المتحدة الأميركية بارتكاب اعتداءات جديدة... لكن يجب أن يحسبوا بشكل دقيق ردود الأفعال من سوريا أو حلفائها، والتي لن تكون كما كانت في العدوان الأول».
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد