أحفاد الماغوط
جولان حاجي، هنادي زرقه وعارف حمزة، ثلاثة شعراء سوريين شباب فازوا بجائزة محمد الماغوط أخيراً. هذه الجائزة التي أطلقتها وزارة الثقافة قبل سنتين لاكتشاف الأصوات الجديدة، وتكريماً لاسم رائد قصيدة النثر في سوريا.
تنطوي الجائزة على أهمية خاصة في اختبار نص أحفاد صاحب “غرفة بملايين الجدران”، والتعرف عن كثب الى بوصلة شعرية، لطالما بقيت في منطقة الظل بغياب المنابر التي تستقطب الهويات القلقة لجيل وجد نفسه مرغماً في العراء، يحرث في صحراء الكتابة خلال الوقت الضائع.
لنقل إذاً إنه جيل الألفية الثالثة، جيل الارتباك والنص المهجور. النص الذي يتلمّس خطواته في العتمة، ويسعى إلى تأكيد ذاته بعيداً من الصراخ “الايديولوجي” وفي نبرة احتجاج ومكاشفة.
هكذا يتوغل جولان حاجي في “نادي في الظلمات” لمباغتة اللغة اليومية بعصيان بلاغي ورغبة محتدمة في اقتناص الجملة الهاربة والارتطام بظلال الأشياء والكائنات وايقاظ الوقت على مشهد مغاير “مطلقاً نظرتي الهشة كما لو للمرة الأخيرة”. اللافت في تجربة هذا الشاعر الشاب، ذهابه إلى مناطق شعرية تمزج بين العابر والأسطوري، مثلما تتوسل مفردات غرائبية، يطلي بها جدران مشاهداته. فتتجاور على سطح واحد “أذنا كافكا” و“مرآة منصوبة على عنق حصان” بلمسة سوريالية تتأرجح في مهب خراب شخصي. وتؤكد على خصوصية في بناء عمارته الشعرية، وهي على أية حال، لا تذكّر بعناصر المختبر الشعري السوري. وفي هذا الجانب تحديداً تكمن أهميتها، هذا المختبر المرتهن لليومي المكرر بضربات ايقاعية متشابهة “كلماتي تخثّرت في السهول المظلمة وعبر الأبواب المشقوقة بالرعب ارتدّت إليّ وغلّفتني”.
أما هنادي زرقه في “إعادة الفوضى إلى مكانها” فلا تتوانى عن هتك اللحظات السرّية للجسد في مكاشفات أنثوية صاخبة. تقف القصيدة لديها عند حدود الهاوية أو عند لحظة الاشتعال القصوى. أنثى تعبث بالغياب وتوزّع عطرها على الجهات غير عابئة بهزائمها “أنت تشعل لها الشموع وهي تطفئ البراكين”. لكن الحسية العالية التي ترمم مفردات قصيدة هذه الشاعرة، تقع في شباك الكلام العادي وتتوسل مفارقة شعرية باتت مألوفة في نصوص كثيرة. “كنت كما أرادوك تماماً، قميصاً للحب ورمانة للشهوة” أو “كشرفة بعيدة تنتظر مرور العشاق تحتها”، هذه العبارات تتسلل من قاموس شعري مألوف لم يعد يثير أي فرادة في التجربة.
عارف حمزة في “قدم مبتورة” سليل معجم شعري مختلف، يبدو كمن يقف عند تخوم تجارب شعراء الثمانينيات، لجهة الحساسية لكن بنبرة أقل صخباً. فهو يشذّب قاموسه من الرطانة التي وسمت تلك التجارب، ليذهب بقصيدته بعيداً مثل خزّاف يشكّل صلصاله على مهل ويخضع جملته لاختبارات متواصلة. مرجعياته جغرافيا بائسة ومنسية عند حدود البلاد، تمد قصيدته بصور تباغت القارئ بكثافتها التعبيرية. هكذا، تتحول الحياة المعاشة إلى تفاحة معطوبة “أصبحنا ميتين سريرياً”. إنه شاعر محزون بامتياز لا يرتجي أملاً في محطة سفر معطّلة وأرض مسكونة بالعزلة والضجر الأبديين.
لا بوصلة تهدي هؤلاء الشعراء الثلاثة إلى جهة الطمأنينة. لا يتشابهون في الألم والشكوى. مرضى بالحب والدمار الروحي. وإذا كان هناك ما يجمعهم، فهو مقارعة النسيان كي يبقوا على قيد الحياة.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد