أزمة حدودية بحرية بين سوريا ولبنان: دمشق أقرب من موسكو
لم يكن إعلان سوريا عن توقيع وزارة النفط فيها وشركة “كابيتال” الروسية عقدٍ تمنح بموجبه دمشق الشركة المذكورة حقاً حصرياً في التنقيب عن البترول، خبراً عادياً. تشير الخطوة إلى أن مسار النفط والغاز يمضي قُدماً بعد تجميد فرضته الحرب وتداعياتها، وخصوصاً في سوريا.
سيبدأ التنقيب الروسي في البلوك البحري السوري رقم واحد، أي مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية اللبنانية بمساحة 2250 كيلومتر مربع”، بعد توقيع عقد اول بشأن البلوك رقم 2.
لكن هناك معضلة بين بيروت ودمشق بشأن البلوك السوري رقم واحد، بسبب تداخل الحدود بين البلدين: قام لبنان بترسيم حدوده البحرية عام 2011، فقدّمت سوريا شكوى بحق لبنان إلى الأمم المتحدة عام 2014 لإعتراضها على طريقة ونتيجة ترسيم الحدود، في ظل غياب التنسيق اللبناني معها.
يومها كان افرقاء لبنانيون يشنّون حملات سياسية على دمشق بعدما وقعوا في وهم سقوط نظامها، إثر الحرب العسكرية الطاحنة التي كانت تجري بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة. ومن هنا، فإن لبنان لم يهتم بإقامة تواصل حكومي رسمي مسؤول مع الدولة السورية لبتّ ملف الحدود البحرية، ومن ضمنهم وزراء في الحكومة اللبنانية مصنّفون في خانة أصدقائها، مما أبقى المشكلة عالقة بين الدولتين الجارتين.
أتى حالياً الإستحقاق السوري في البلوك الحدودي يرتكز على الروس الذين يشكّلون السند لسوريا في أكثر من مجال، فجاء العقد الموقّع ينقسم إلى فترتين، “الأولى فترة الإستكشاف ومدتها 48 شهراً تبدأ بتوقيع العقد، ويمكن تمديدها لـ 36 شهراً إضافية، أما الفترة الثانية فهي مرحلة التنمية ومدتها 25 عاماً قابلة للتمديد لمدة خمس سنوات إضافية”.
وإزاء الصمت الرسمي اللبناني، بوجود حكومة تصريف أعمال عجزت عن التواصل المسؤول مع سوريا في أيام أصالتها، ثم تفركشت بكل خطوات تصريف الأعمال، يدخل على الخط خصوم دمشق من أجل إشعال توتر إعلامي يملأ الفراغ القائم على خط الشام-بيروت، من خلال الإدّعاء بأن سوريا تعتدي على الحقوق اللبنانية. وبدل من أن يحدث تواصل لبناني جدي مع الحكومة السورية، تتوافر نوايا الهروب الى الأمام عبر الدعوة للتوسط مع الروس: أيهما أقرب الى بيروت، دمشق أم موسكو؟ كان الإتحاد الروسي، على لسان مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، عرض خدمات موسكو في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا خلال زيارته إلى لبنان في حزيران من العام 2019، لكن الملف طوي، ليعود الى الواجهة بعد توقيع دمشق العقد مع الشركة الروسية منذ أيام. فهل تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية فعلية بفتح صفحة طبيعية إيجابية مع السوريين؟
يوجد سفير نشيط وودود لسوريا في لبنان علي عبدالكريم علي، يملك القدرة والكفاءة الدبلوماسية لإمساك الملف وطرح الهواجس اللبنانية على طاولة قيادته في دمشق. فهل يرتقي اللبنانيون إلى مستوى الحل المنشود؟ اذا كان هناك ترسيماً لبنانياً من جانب واحد للحدود البحرية مع سوريا عام 2011، فإن دمشق فعلت الأمر نفسه بغياب التنسيق معها، وفي حال توافق الطرفان على التعاون في الترسيم فإن الحل سيكون متوافراً من دون أي تأخير ولا عوائق. متى؟ هل فشل وعجز الحكومة اللبنانية الحالية يعني ترحيل المسألة إلى الحكومة العتيدة؟ يبدو الأمر كذلك.
النشرة
إضافة تعليق جديد