أسئلة حول عسكرة المعارضة

26-11-2011

أسئلة حول عسكرة المعارضة

الجمل ـ عبد الله علي: أصرَّت المعارضة السورية، بمختلف أطيافها، منذ بداية الأزمة، على إنكار وجود المجموعات المسلحة، وجنَّدت كل قواها الخطابية للدفاع عن سلمية ما يسمى "الثورة". وكان واضحاً أن المعارضة تبتغي من وراء ذلك سحب أي ذريعة من يد النظام تتيح له إقحام الأمن والجيش في الشارع بحجة مواجهة المجموعات المسلحة التي بدا أنه الوحيد الذي يتحدث عنها ويصدق وجودها.
ورغم أن إنكار المعارضة يمكن تفهمه سياسياً إلا أنه من المتعذر تفهمه أخلاقياً ومنطقياً. فالمعارضة من خلال إنكار وجود المجموعات المسلحة،لم تأخذ بعين الاعتبار مدى توافق موقفها مع المعايير الأخلاقية والمنطقية. وتبيان ذلك أنه إذا كان من حقها أن تنكر وجود مجموعات مسلحة تتبع لها وتأتمر بأمرها، فليس لها أن تنكر وجود هذه المجموعات بشكل مطلق لأنه لا شيء يمنع منطقياً من وجود مسلحين غير تابعين للمعارضة ويعملون لدى جهة ثالثة صاحبة مصلحة لاسيما وأن سورية عرفت خلال السنوات السابقة الكثير من التنظيمات المتطرفة وعانت من عملياتها الإرهابية. فكان الأولى بالمعارضة في هذه الحالة أن تبرئ ذمة نفسها دون أن تتنطع لإبراء ذمة جهة مجهولة ما. ومما لاشك فيه أن موقف المعارضة هنا يمكن أن يفسر على أنه إما جهل بالواقع وملابساته، وإما توفير غطاء – ولو عن غير قصد- لعمل المجموعات المسلحة وتشجيعها على الاستمرار في عنفها مطمئنةً إلى إفلاتها من المحاسبة طالما أن المعارضة ووسائل الإعلام المختلفة نجحت في تحويلها إلى شبح لا يراه إلا النظام السوري فقط.
ولم يقتصر موقف المعارضة على إنكار وجود المجموعات المسلحة وإنما قابلت رواية النظام عنها بسخرية واستخفاف بحيث لم تجد أي ضرورة للتحسب من احتمال أن يكون موقفها خاطئاً وبالتالي لم تكلف نفسها بإصدار أي بيان تستنكر فيه عنف هذه المجموعات وتتبرئ منها أمام الرأي العام السوري. متجاهلة أن قسماً من الشعب السوري مقتنع بوجود هذه المجموعات ويشير إليها بأصابع الاتهام في كثير من أعمال العف والقتل والاغتيال والخطف والترويع التي شهدتها بعض المناطق والمدن، مما يعني أنها كانت في نفس الوقت تعبر عن سخريتها واستخفافها بهذه الشريحة الشعبية ولم تحاول أن تقدم لها خطاباً منطقياً يبرر الموقف الذي اتخذته ويبين أسبابه وموجباته.

*****

اليوم بعد أن زال وهم "السلمية" يتوجب علينا أن نحمِّل المعارضة مسؤولية إنكارها لوجود المجموعات المسلحة ودفاعها المستميت عن "سلمية" متوهمة. ونجد أنفسنا أمام احتمالين إما أن نحسن الظن بالمعارضة فنتهمها بالجهل بالواقع وحقيقة ما يجري فيه، وإما أن نسيء الظن ونتهمها بالتغطية على جرائم هذه المجموعات والاشتراك بها. وعلى المعارضة أن تخرج إلى الرأي العام السوري وتشرح له موقفها بشفافية وصراحة، وإلا تكون قد قررت الاستمرار في سياسة الاستهزاء والاستخفاف غير مدركة لتأثير ذلك على مصداقيتها في الشارع وعلى انعكاساته السلبية في الرأي العام تجاهها.

*****

وتتبدى أهمية ذلك وخطورته بشكل خاص بعد تسمية هذه الجمعة بـ"الجيش السوري الحر يحميني" لأن التطورات الميدانية تشير إلى أن هذا الجيش "المنشق" أصبح هو الإطار الفعلي الذي تعمل ضمنه ومن خلاله المجموعات المسلحة التي تتحدث بعض التقارير أن أغلبية المنتمين إليها هم من الإخوان المسلمين الذين سبق لهم في ثمانينات القرن الماضي أن روعوا السوريين بإرهاب جناحهم العسكري المسمى بـ"الطليعة المقاتلة" وكان من ضمن الناشطين فيه قيادة الإخوان الحالية كالشقفة وطيفور.
وتتأتى الخطورة المشار إليها من احتمال أن تكون أطياف المعارضة قد تعرضت لـ"خديعة" ماكرة من جماعة الإخوان المسلمين، بحيث تكون قد استطاعت إيهامهم بالسلمية بينما هي تنشط عسكرياً دون علمهم. والأخطر أن يكون هذا النشاط العسكري جرى ويجري بعلم مسبق من قبل بعض أطياف المعارضة وأن يكونوا قد أخذوا على عاتقهم مهمة توفير الغطاء السياسي له من خلال إتباع سياسة الإنكار واتهام النظام بكل الجرائم التي ترتكبها تلك العصابات لاسيما في ظل الانحياز الإعلامي العربي والدولي الذي يروج لهذه الاتهامات تنفيذاً لأجندات لم تعد خافية على أحد.
إن تسمية هذه الجمعة من شأنها أن تكشف القناع عن الوجوه الحقيقية، وأن تضع خطاب المعارضة، الذي كان يتهم النظام دائماً بأنه صاحب المصلحة في رواية العصابات المسلحة، أمام اختبار المصداقية. إذ كيف يكون النظام صاحب المصلحة في رواية العصابات المسلحة، ثم تقوم المعارضة بتأييد تشكيل الجيش السوري الحر؟ هل تريد المعارضة منا أن نظن أنها حريصة على مصلحة النظام مثلاً؟
قد يقول قائل أن قمع النظام هو السبب وراء ظهور المجموعات المسلحة ومن ثم الجيش "المنشق"، وهذا القول يستدعي تساؤلاً آخر: إذا كنتم حريصون على السلمية وترون فيها مصلحتكم ومصلحة حراككم، بينما العمل المسلح يصب في مصلحة النظام، فلماذا لم نسمع منذ العمليات المسلحة الأولى أي إدانة واستنكار لها من قبلكم ولماذا لم تعلنوا براءتكم ممن يرتكبها وتعاطفكم مع ضحاياها؟ ولماذا كنتم تفضلون الصمت بينما هناك من يعتدي على سلمية حراككم وينتهك مبادئكم ويحقق مصلحة النظام على حسابكم؟

*****

ما يثير الخوف أن يكون خطاب المعارضة المهادن تجاه العصابات المسلحة مقصوداً ومخططاً له، وذلك بانتظار أن تقوى شوكة عصابة "الجيش المنشق" وتصبح أمراً واقعاً، عندها قد ترى بعض أطياف المعارضة أن الوقت قد حان لإعلان تأييدها لهذه العصابة ونشاطها الإجرامي، ضاربةً بعرض الحائط الإرادة الشعبية الحقيقية الرافضة للعنف والتدخل العسكري الخارجي.

التعليقات

إذا كانت المعارضة تضع نفسها في جهة الجانب المظلوم، الذي دفع أثماناً غالية نتيجةً لمواقفه وقدّم التضحيات سنوات سجن وحرمان، وأنها تمثل الإرادة الشعبية الحقيقة التي لا يمثلها النظام.... إذاً لا شكّ أنها تعلم ومنذ البدء بأنّ حراكها سيقابل بعنف النظام متمثلاً بأجهزتة الامنية ... السؤال إذاً: لم رفعتم شعار السلمية منذ البدء؟؟؟ أم أنّ قمع النظام ... فاجأكم؟؟ في هذا السياق لا ينفع القول بأن عنف النظام ولّد عنفاً مضادّاً، إذ أنّ عنف النظام كان أمراً منتظراً من الجميع ولم يفاجئ أحداً الحقيقة أنني لا أحسن الظنّ بالمعارضة ولا أعتبر سلوكها جهلاً، بل أنّي ميال لتفسيركم القائل بأنّ شعار السّلمية، لم يكن سوى شعار مرحلة، بانتظار تغيّر موازين القوى لقد قدّم النظام لنا ثلاثاً: فساد، وتغوّل أجهزة أمن، وانعدام حرّيات عامّة. وقدّمت لنا المعارضة ثلاثاً: سلاح، واستقواء بالخارج، وطائفية. ثلاثية المعارضة، جلعت النظام يبدو حملاً وديعاً، ودفعت النّاس للإرتماء باحضانه، فقد أصبح بنظرها ... الحامي للبلاد من التدخل الخارجي، الموحّد لمختلف المكونات الاجتماعية للدولة كالمستجير من الرمضاء بالنّار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...